سامح عسكر يكتب : كأس العالم والتبشير بالإسلام

  • مقال خاص
  • منذ سنة - Friday 25 November 2022

سامح عسكر يكتب : كأس العالم والتبشير بالإسلام
AF متابعات
متابعات عبر وكالات الانباء 

لا أعلم ما هو ذلك الهوس الديني في كأس العالم بقطر 2022 وهل شهدنا من قبل أن ألمانيا صنعت هوسا مسيحيا في مونديالها عام 2006 ؟ وهل صنعت كوريا واليابان هوسا بوذيا شنتويا في مونديالهما سنة 2002؟ أم صار هذا الاحتفال المونديالي على حاله كملتقى إنساني عالمي؟

لكي نقارب المسألة بشكل صحيح علميا فقد يكون الرد المنطقي على ذلك أنه ليس لأن الهوس الديني لم يتحقق من قبل فلا يعني أنه خطأ عندما يحدث في قطر، نظرا لأن مونديال العالم لهذه السنة حدث لأول مرة في التاريخ ببلد إسلامي عربي، فكان لابد من إظهار الطابع الديني والهووي للبلد المضيفمن ناحيتين، الأولى وهي: حفظ الهوية العربية والإسلامية ضد القيم الغربية وأخلاق العولمة الغازية، والثانية: أنها فرصة كبيرة لن تتكرر ولن تعوض لنشر تعاليم الإسلام أو كما يدعي البعض نشر الإسلام بطريقة صحيحة بعيدة عن المغالطات

لكن الرد على ذلك يكمن في استفسار هام، متى كان الإنسان مستعدا لقبول الجدل الديني والنقاش في شأن المعتقدات وهو في (حدث ترفيهي بحت)؟..وهل يصح القول أن دعوة الناس على الشواطئ أمر عملي سوف يحبب الناس في الدين؟..وهل وقف أهازيج الموسيقى والغناء والرقص في الحفلات لتُعلى صيحات الخطباء والأئمة؟..نحن ورثنا القاعدة العرفية الهامة وهي أنه "لكل مقام مقال" فلا يصح أن نوقف احتفالات الناس بالزفاف ونذكرهم بعذاب القبر أو جهنم، هذا سوف يقضي فورا على فرحة الناس بالحفل، وبالقياس يمكن فهم ما يحدث الآن من هوس ديني في مونديال قطر أنه خلط بين المقامات وتشويه لسمعة الدين الإسلامي العظيم بتصدر بعض الدعاة المتشددين وتجار الدين هذا الحدث الترفيهي الكبير الذي يعد أكبر حدث ترفيهي عالمي يشهده المليارات للاستمتاع بلذة المنافسة ومتعة الفوز وتحدي الخسارة..

 

البعض يقول أن الشيخ ذاكر نايك حضوره مطلوب لكونه أجنبيا يعرف ثقافة القوم، وهو شيخ مشهور بالمناظرات الدينية والجدل العقائدي..لكنه في ذات الوقت مطلوب أمنيا من دول كثيرة أبرزها الهند وبنجلاديش بتهم تتعلق بغسيل الأموال والإرهاب، وممنوع من الخطابة والإمامة في ماليزيا منذ عام 2020 لأسباب تتعلق بتحريضه على 40% من المجتمع الماليزي من سكانه البوذيين والمسيحيين والهندوس، وفي ذلك وقفة مميزة لابد من الانتباه إليها، وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام والدراسة ملخصها أن أكثرية المناظرين ضداﻷديان والمذاهب اﻷخرى تجدهم من المتطرفين والتكفيريين ودعاة الكراهية ، بينما من يهتم بالتسامح والتعايش لا يهتم بالمناظرات أصلا.

الأمر له بعد فلسفي ..فالذات التي لا تستجيب للآخر في المناظرة وتصر علىإفحام الخصم مهما حدث حتى لو تبين أنها مخطئة.. تملك في داخلها كمكبير من التمرد والعناد والرفض..هذا له تأثير لديها في البعد الديني ثميدفعها ذلك إلى التكفير وربما التحريض..والسبب أنها تضطر للتفكير منداخل الصندوق لصناعة التمييز..ولمزيد من اﻹثارة تستعين بحشد القطيعوالدهماء كإجراء دفاعي لإثبات هذا التمييز ضمن أحداث المناظرة، والسببأن رأي القطيع دائما من داخل الصندوق فيأتي رأي المناظر في العادةموافقا لرأي القطيع، وهذا كان سبب وعامل مساعد في الاضطهادالديني..فكل جريمة دينية سبقتها في الغالب فترة تناظر مبنية على اﻹفحاملا القبول والسعة كما هو مفترض في الندوات والحوارات الهادئة...

لذلك كان رأيي منذ 12 عام أن القنوات الدينية المنظمة لتلك المناظرات تقومبنفس الدور الذي يقوم به خطيب الفتنة في الجامع..كقنوات المستقلة وصفاوفدك ثم وصال وغيرها..لاحظ أن أغلب المتناظرين على تلك القنوات أصبحوازعماء للفتنة المذهبية الحالية..بل بعضهم حشد المجاهدين للحرب في سورياوالعراق..

 

إن معرفة الحقيقة الدينية لا تأتي باﻹفحام والتكفير والرفض..بل تأتيبالحوار الهادئ المبني على التسامح..ويجب قبل كل شئ امتلاك المحاورينملكة العقل واﻹلمام بتراثهم الديني...وبكل وضوح هذه الشروط غير موجودةعند أغلب المشايخ، أما الذي يحدث اﻵن بتصدر متطرفين وتكفيريين ساحةالتناظر يعني تأسيس لفتنة جديدة وحشد القطيع باتجاه جديد..وبعد مايفرغوا من سوريا والغرب المسيحي..لا نعلم ما هي وجهتهم القادمة، ففي الأمر لذة ومتعة انتصار وقتية لا تتعدى حواجز الزمان والمكان ، ولنشوة الافتخار بالهوية التي نرضيها بكم كبير من الزيف والمعلومات الخاطئة، ذلك لأن العامل الأكثر إثارة في المناظرات والذي يفشلها دائما ويجعلها سببا كبيرا للعنف المستقبلي هو "رجل القش" وهو خطأ منطقي شهير يقع فيه المتناظرون الذين يدخلون بنوايا الإفحام لا بنوايا التواصل والمعرفة وهم مسلحين بكمّ كبير من الصور الذهنية الخاطئة عن خصمهم مما يؤدي لحدوث صدام وعنف حتمي..

وإن غاية ما يملكه رجل الدين أنه يقول ما يُرضي الناس، فهو مقيد بجمهوره في الزمان والمكان المحدود، فإذا كان سنيا بمجتمع شيعي تحول لداعية تقريب مذهبي والعكس صحيح، لكن فورعودته إلى بلده يعود للطعن في مذهب الخصم وإيهام الناس بأنه منتصر وأن دعواته للتقريب في الماضي لأن مذهبه لا يرفض التسامح، وهكذا يحدث الفارق بين القول والعمل ويتحول تجار الدين إلى آلة عنف  وكراهية دينية مستعرة إذا أخذوا حريتهم في التحريض مثلما يريدون، مما يعني أن قوة السلطة بإمكانها تحجيم دعاة الكراهية ووقفهم للأبد إذا شاءت، أو تقييد نفوذهم في الوصول للجمهور مع الاحتفاظ بقدر قليل من الحضور الديني لهم بدعوى ضرورة بقاء الهوية وعدم إشعار الأغلبية بالخطر الذي يتهدد معتقداتهم..

 

أختم بأن الإيمان هو شعور ذاتي وتجربة شخصية، وحرص بعض المؤمنينعلى هداية الملحدين أو المسلمين على هداية المسيحيين والعكس يعنياعتقادهم أن الدين منتج نهائي واضح المعالم بحاجة لاكتشافه، هذا غيرصحيح..النبي إبراهيم عليه السلام نفسه كان متشككا في قدرة الله وأنزلالله عليه إعجازا لتقوية إيمانه، ثم هناك أشخاصا متفتحين يصلح معهمالحوار، إنما الأغلبية لا يصلح معهم ذلك، وأذكر أنني عندما أناقش ملحدينفليس بدافع إقناعهم بالإسلام، بل شرح لوجهة نظر دينية مخالفة لتصورهمعن الإيمان الذي فهموه من الجماعات الإرهابية، فكانت ردة فعل البعضمنهم عنيفة صادمة والبعض الآخر متشكك والبعض متقبل للطريقة لكنمختلف في التفاصيل..الفئة الأولى تصورت أنني أفرض عليهمإيماني..والثانية تصورت أنني أشككهم في قناعاتهم، والثالثة فهمت ما أصبوإليه واكتفت بالتفاعل وتسجيل اعتراض خفيف..

 

نحن مجتمع يعيش على ثنائية (العادة والمصلحة) ليس بثنائية (النقدوالمعرفة) أي أن لجوء العرب لإقناع بعضهم بالإيمان أو الإلحاد هو فيحقيقته تطويع للعُرف والمصالح الشخصية أكثر من كونه بحثا عن الحقائقبتجرد..لذا فطبيعي أن يخرج تاجر دين يزعم أنه دعا مشجعين كأس العالم للدخول في الإسلام فأٍسلموا في (نصف ساعة) وهذا لعمري لم يحدث ولن يحدث في تاريخ البشرية إلا إذا كان هذا الداعية مغفلا ونجح الآخرون في استدراجه وكسب الأموال منه بدعوى الإسلام، ثم يعودون لدينهم ومصالحهم فور تحط رحال الطائرة في مطار دولتهم.

 

إن التحوّل الديني يحدث في الواقع بطريقة مختلفة وعلى أشكال متنوعة، ومن هذه الأشكال التحول الجماعي، ويحدث حين تفرض سلطة نفسها على مجموعة وتأمرهم بالتحول أو العقاب..فيحدث التحول أولا بطريق الجبر والقمع ثم يتطور هذا التحول عند الأحفاد بطريق القناعة والموروث والعُرف، أي أن ملايين ممن انتسبوا لدين ما ويقتنعون به ليس دليلا على أن أجدادهم الذين تحولوا كانوا بنفس الطريقة، إنما التطور الزمني له قوانين وإسقاطات على الإنسان والواقع ، أما من يتحول بطريقة فردية فالأمر يحدث بمنتهى الصعوبة والقسوة حيث يعاني من الصدمات والتجارب ويكون هذا الشخص باحثا عن الحقيقة أو ثائر على معتقده القديم أو متشكك فيبحث عن الحقيقة حتى يصل إليها بمفهومه النسبي فيحدث الانتقال، وهذه العملية تحدث في سنوات وليس في نصف ساعة..

 

إن تحويل كأس العالم لمناسبة تبشيرية دينية لهو من أكثر الأمور التي شوّهت الدين الإسلامي وخلقت له أعداء ، فالمحتفلون في حلِ من الجدل الديني وإنفاقهم الأول كان للمتعة وليس للبحث عن الحقيقة أو إشغال أنفسهم بجدل عقائدي هم في بلدانهم الأصلية يفتقدوه لأن علمانية دولهم كفلت حرية الاعتقاد والتعبير، فلم يحدث هذا الجدل لديهم بشكل عنيف حتى يصبح علامة بارزة تدهشهم أو تصنع لديهم شغفا لمعرفة عقائد جديدة.

 

كذلك ينبغي التفريق بين فكرة نشر الدين وفكرة التجارة بالإسلام تحت زعم نشر الدين، فكثير من الإرهابيين والجماعات يدعو حرصهم على نشر الإسلام ، ومواقعهم تعج بأخبار زعمائهم ودعاتهم ورموزهم الروحية في هذا النشاط، ولمن لا يعلم فالجانب التبشيري في المعتقدات يحصل على شعبية كبيرة تؤهل المبشرين لتصدر المجتمع والحصول على الثقة المطلوبة ومن ثم إيجاد وخلق الداعمين ورجال الأعمال الذين ينفقون بسخاء على هذا النوع من النشاط، لكنه يبقى في الأخير تجارة بالدين تحت ستار نشر الإسلام وأهدافه معروفة تتلخص في رغبة هؤلاء بالصعود السياسي والاجتماعي ، فللأمر أبعاد مادية ومصالح دنيوية بعيدة تماما عن دين الله الحقيقي الذي أهمله هؤلاء والذي يدعو بوضوح أن يكون المسلم قدوة بالأخلاق الحسنة والنجاح، فالناس مهما بلغ بها الغباء فهي لا تقلد فاشلا بل ناجحا، وأن يكون داعية سلام وتسامح لا أن يدعو لدينه في ظل مهاجمته وتشنيعه على معتقدات الآخرين..