محفوظ الشامي يكتب عن امنيات السلام

  • مقال
  • منذ سنة - Thursday 01 September 2022

محفوظ الشامي
كاتب وصحافي يمني- محرر الشؤون الفنية والاجتماعية في AF

هل يتحقق السلام بمجرد الأماني؟

 


 

يكتفي الجميع بتصور أن السلام صدفة أو قدرًا تضعه السماء دونما تدخل في خلق هذا الواقع في وقت باتت تشكل فيه الحرب خطرًا وجوديًا على اليمنيين. اقرأ المزيد.    

 

(A-F) شكلت المفاوضات التي جرب بشأن الحرب اليمنية في محافل دولية عدة أملًا في نفوس اليمنيين لكن سرعان ما كان يتحول الأمل المؤقت إلى ألم تسبر أغواره الحرب وتزيده مأساة وذلك من خلال ما آلت إليه الحرب التي لم يشفع لتوقفها شيء وما ستؤول إليه في القادم وهي تستهدف عوامل استقرار الإنسان وتهدده وجوديًا.

 

على نحو تخيلي يرجح أن كل اليمنيين يقفون لحظات مع أنفسهم وهم يطلقون أسرابًا من الحمائم البيضاء ويشعلون للسلام ويجتمعون على ذات الطاولات فيتجاوزون التباين وينسون الاختلاف بل وأكثر من هذا فإنهم يرون أن الاختلاف يشكل تنوعًا خلاقًا يثري الساحة على كافة الأصعدة.

 

لكي لا يذهب القارئ إلى مساحة أمان فإن ما ذُكر هو مجرد خيالات قد لا يستحضرها الجميع وبالتالي عليه أن يقلق؛ لأن الحرب ما زالت مستمرة أو لنقل على وجه الدقة ما زالت مؤهلة لتستمر وإن تعارض حديثنا مع فترة الشهرين وهي المدة التي تم تمديدها للهدنة التي لم تسعف اليمنيين في شيء وقد صودر منه الكثير باستثناء الهواء.

 

انطلاقًا من مقولة "مارتن لوثر كنج" "الذين يحبون السلام عليهم أن يتعلموا التنظيم بكفاءة وفعالية مثل أولئك الذين يحبون الحروب" يتلخص لنا مشهد عدم جدية المطالبين بتحقق السلام سواء من قبل الأفراد المؤثرين والقادة أو من قبل المؤسسات المعنية وذلك أن دور كل من الجهتين يقتصر على التمني دون التحرك الجاد لفعل شيء يمكن أن يخدم توقف الحرب وإحلال السلام.

 

لم يأت استمرار الحرب وعنفوانها من باب الصدفة بل هي نتاج كما أشار "كنج" إلى مدى الدقة في المقاربة لحدوثها وتوفير مقوماتها من آلة حرب وجغرافيا للاقتتال واللعب على وتر الخلافات وانعاشها ولذا فالأمر يتطلب ذات الجهد وربما أكثر من العمل في حالة أردنا السلام ما لم فإن إضرام النيران أسرع من تحليق لأسراب الحمائم.

 

تماهى الجميع أفراد ومؤسسات مع اعتبارات أقلها مادية واكتفوا بمجرد أن يفصحوا عن رغبتهم بوجود السلام وهؤلاء الأفراد والمؤسسات هم أطراف كانوا محايدين ويفترض أن يستمروا في غايتهم ولكنهم لم يبقوا بل أخذهم الشد والجذب الحاصل بين أطراف الاقتتال وأصبح تأثيرهم لا يذكر الأمر الذي أخلى لمؤسسات الحرب النفوذ وبالتالي المزيد من التحشيد والاستنفار.

 

حتى المطالبات بتحقيق السلام لا تفهم رغبة وميول الجماهير ولا تعرف كيف تستميلها وتلغي تأثير الدعاية التي علقت في أذهانهم. غالبًا كل دعوة كان مصدرها فرد أو مؤسسة في اليمن كانت دعوة خارج السياق المنطقي ولا يمكن أن تؤثر في جمهور تلقى التعبئة انطلاقًا من إيدلوجيات دينينة ومناطقية ومصيرية على اعتبار أن هنالك طرف على حق وطرف على خطأ وإذن فإن من يصدر نفسه على حق معني بالقضاء على الآخر.

 

من المفارقات العجيبة الحاصلة في الحرب اليمنية أنها كلما اشتدت وقد طال أمدها لا تبشر بالانتهاء بل تتفتح في صفحاتها ثغرات جديدة. يقول "كارل فون كلاوزفيتز" فيلسوف الحرب المعروف إن الحرب ليست غاية بحد ذاتها والقتال لا يأت لمجرد القتال بل لإحداث السلام والهدنة شكل من السلام. يمكن فهم مقولة "كارل" في سياق أن الوعي يرافق الحرب وأن هنالك دعاة سلام حقيقيون يعملون بتنظيم بالغ وأنها تنتهي بمنعطف ما ولكن ما يرافق الحرب اليمنية هو الجنون وغياب من يعمل لإحلال السلام كما يتطلب الأمر من إصرار وإرادة وعزيمة ولذا لن تتوقف الطبول من القرع.