ارى الله في الزهور .. عمر باطويل.. طفل عدن الذي أغتاله الإرهاب مرتين

  • منذ سنة - Monday 26 December 2022

ارى الله في الزهور .. عمر باطويل.. طفل عدن الذي أغتاله الإرهاب مرتين
رشا كافي
صحافية يمنية وناشطة سياسية-محررة  في AF

عمر باطويل طفل عدن الذي أغتاله الإرهاب مرتين 

AF


‏"يتهمونني بأني مُلحد، يا هؤلاء: أنا أرى الله في الزهور، وأنتم ترونه في القبور، وهذا الفرق بيني وبينكم " 

هذه أخر تدوينة كتبها عمر باطويل ابن السابع عشر ربيعاً على صفحته في الفيس بوك قبل أن يتم إغتياله من قبل متطرفين ينتمون لما يسمى بأنصار الشريعة، على خلفية تغريدات كان يكتبها على صفحته في الفيسبوك لا تتوافق مع منهجية التيارات المتطرفة التي كانت تحكم أجزاء كبيرة من جنوب اليمن، بعد إستعادتها من جماعة الحوثي، والتي كانت ترى أنها لا تتوافق مع شرعية الدين الإسلامي. 


اُغتيل عمر باطويل في شهر إبريل 2016 وذلك بعد خروجه السابعة مساءاً لشراء بعض الأغراض المنزلية فتم إختطافه بعد إستدارجه من حي كريتر الذي يقطن به مع عائلته، وهو أحد أحياء مدينة عدن الواقعة جنوب اليمن، من قبل متطرفين كانو قد ترصدوا تحركات عمر منذ فترة طويلة يقودهم (إيهاب الهمام) المتهم الأول والمدان في قضية الإغتيال.


ليتم تصفيته بطلقة نارية في رأسه وطلقتين في صدره، وذلك بحسب تقرير الطبيب الشرعي والذي يفيد فيه أن المجني عليه قد تم قتله بطلقة في الرأس قبل وصوله إلى مسرح الجريمة، ليتم ضرب بقية الطلقات عليه في نفس المكان الذي تم إسعافه منه، ملاهي الكميسري في حي الشيخ عثمان .


يوم الإثنين الماضي أصدرت محكمة صيرة الإبتدائية حكم بقضية عمر باطويل وصف بأنه إغتيال بشكل أخر قد يبدو أنه قانوني، لكنه حكم متحيز للقاتل وكأنه تكفير جديد للشاب حتى بعد الموت إستناداً لمقولة

" لا يقتل مؤمن بكافر". 
فقد قضى منطوق الحكم بالتالي :


1- إدانة المتهم (إيهاب محمد سالم الهمامي) بالتهمة المنسوبة إليه بالقتل العمد للمجني عليه عُمر محمد باطويل.
2- سقوط القصاص بحق المتهم لعدم توافر الدليل الشرعي بقتل المجني عليه.
3- يعاقب المدان(إيهاب الهمامي) بعد سقوط القصاص مقابل إرتكابه لجريمة قتل المجني عليه بالحبس تعزيراً لمدة ثمان سنوات مع النفاذ، مع احتساب المدة التي قضاها المدان بالحبس الاحتياطي.
4- يُلزم المدان بدفع خسائر التقاضي لأهل المجني عليه مبلغ وقدرة 300 الف ريال يمني.
5- يجوز الطعن في هذا الحكم للإستئناف.

وتقدم المحامي (صالح العامري)محامي أولياء الدم بالإستئناف مباشرة إلى جانب مطالبة النيابة بالإستئناف أيضاً.


قاتل متربص 

أم عمر باطويل تتحدث للعربية فليكس عن تفاصيل الحادثة بشكل حصري ولأول مرة وعن الضغوط التي تتلقاها الأسرة والأصدقاء من قبل نافذين متطرفين أصدقاء للمتهم وأقارب من عائلته فتقول :

"منذ إغتيال إبني وبعد تعرضه للتهديدات المباشرة في إحدى مقاهي كريتر من قبل إيهاب الهمام الذي جاء وتحدث لكل من كان بجانب عمر وهم شباب نشطوا في مبادرة لأجل تنظيف وتزيين الشوارع ومساعدة المدينة بالنهوض بعد أحداث الحرب مع الحوثي .

صورة لعمر وهو يعمل على تزيين الطريق قبل إغتياله بأيام 

 

 تحدث معهم قاصداً إستقطابهم وأنه من أنصار الشريعة وأنهم سيحكمون العالم ولا يوجد شيء يٌدعى جمهورية أو غيره من المصطلحات المدنية، هناك فقط دولة الشريعة الإسلامية، وحده عمر من أعترض على حديثه وبدأ بالنقاش معه، بعد ذلك تعرض أيضاً لتهديدات كثيرة عبر الفيس بوك، تحولت هذه التهديدات إلى مراقبة وتربص لمدة ثلاث أشهر من قبل القاتل إيهاب الهمام الذي حاول التقرب من عمر بشتى الطرق، وكان يراقب كل تحركاته لتحين الفرصة لتنفيذ ما كان يخطط له، حتى حانت الفرصة وأستطاع أن يجعل إبني في يوم  الواقعة أن يذهب له بعد أن اتصل له لمقابلته إلى أطراف حي كريتر وهو ما فعله عمر يومها.

صورة أخرى له أثناء المساعدة في إعادة ترميم ما خلفته الحرب 

 

 كنت انتظر إبني للعودة الى العشاء لكنه لم يعد، بعد أن كان قد ذهب لأخذ بعض الطلبات إلى المنزل وهو ذاهب حدثني أن إيهاب اتصل عليه وأنه سيقابله جانب البيت، تأخر عمر وأتصلت عليه كثيراً لم يجبني أحد، في الساعة التاسعة مساء أحد الأطباء في مستشفى أطباء بلا حدود رد علينا بأن صاحب الرقم جريح  وبحالة خطرة في المستشفى وصلنا له قد فارق الحياة" .

وتضيف "وبحسب الشهود الذين اسعفوا إبني أنهم بعد سماع إطلاق النار ذهبوا إلى المكان فوجدوا عمر لايزال حي وأشار لهم إلى هاتفه عندما سألوه من فعل بك هكذا فهموا منه أن الدليل في الهاتف الذي فتحوه عبر بصمة يده، وفعلاً وجدنا أن جميع المحادثات والاتصالات التي حاول القاتل إنكارها كان تلفون ابني يسجلها دون علم منه .

بعد الحادثة كان كل من يتضامن أو يتحدث عن عمر يتعرض للتهديد بالتصفية الجسدية عبر تعليقات على الفيس بوك كلها موثقة لدينا، وهو ما جعل أصدقاء عمر بالإختفاء ومغادرة المدينة منهم إلى خارج اليمن ومنهم من إلتزم الصمت. 


إبني الصغير هو الآخر تعرض للتهديد المباشر نتيجة تعليق بالفيس بوك لصديق عمر على أحد المتطرفين ونتيجة إشتباه المتطرف مع إسم المعلق الذي يشبه إسم إبني، جاء إلى قريب المنزل وجد إبني الصغير وهدده بأنه سيحدث له ما حدث لأخوه إن كرر إي تعليق أو كتابة على الفيس بوك وهو مالم يفهمه إبني لأنه ليس له علاقة من الأساس بالتعليق، ابنتي أيضاً تعرضت للتهديد نتيجة متابعتها وتحركها وراء قضية أخوها".

إحدى تغريدات المتهم من داخل السجن 


القاضي غير مؤمن بعصمة دم عمر 

تواصلنا نحن في AF مع أحد القضاة في عدن للتحدث حول حيثيات الحكم والذي صرح لنا وفضل عدم ذكر إسمه فيقول: " يبدو أن القاضي المكلف في القضية لديه جميع الأدلة بثبوت إرتكاب المتهم للجريمة وهذا أمر مقطوع به، إلا أن القاضي قيد نفسه بالدليل الشرعي وهم إما شاهدين أو إعتراف قضائي من قبل الجاني نفسه ليحكم عليه بالإعدام، ويبدو أنه لم يجد هذان  الدليلان بملف القضية.

 

لكن القانون منح القاضي سلطة تقديرية في هذه الحالة إذا اقتنع من خلال الأدلة الثابتة بإرتكاب المتهم بالجريمة ولم تتوفر الأدلة الشرعية يستطيع أن يحكم بإعدام المتهم. 

 

ولكن من خلال منطوق الحكم يتضح أن القاضي على يقين بأن المتهم قد أرتكب الجريمة ولديه الأدلة على ذلك، ولا أعلم لماذا يقيد القاضي نفسه بالأدلة الشرعية لا سيما أن الجريمة لم تكن لأسباب شخصية بل كان مرتكب الجريمة معروف بالشر وسبقها ترصد وتكفير للمجني عليه؟ 

 

نحن أمام جريمة إرهابية اُرتكِبت ويجب أن تكون العقوبة فيها حازمة، وكان على القاضي أن يصدر حكمه بالإعدام تعزيراً سيما ونحن لسنا أمام قضية عادية، هناك شاب بمقتبل العمر تم تفكيره وقتله بإسلوب بشع، فكيف يكافئ القاضي القاتل بالسجن ثمن سنوات، حتى أنه لم يكلف نفسه بالحكم بالدية كأقل القليل وهذا يدل أننا أمام مصيبة حقيقية، ويجعلنا نتسأل هل القاضي غير مؤمن بعصمة دم عمر؟ "