منذ سنة - Thursday 27 October 2022
زاحمت رائحة القهوة اليمنية أنفاس الصباح وأضواء الشمس الساطعة، حتى لامست قمم الجبال الشاهقة، لتخفي أدخنة البارود وضوضاء الصراعات والنزاعات داخل أرض اليمن.
انفرد اليمن منذ الأزل بالصدارة في زراعة وتصدير البن، وبرغم الجدل المثار فإن بعض الحكايا تؤكد أن أول بن تذوقته البشرية هو البن اليمني.
ازدهرت زراعة وتجارة البن اليمني، حتى أنها تربعت على عرش الصادرات العالمية لعقود طويلة، لوقت ما قبل الحرب داخل اليمن، ولكن لوقت قريب بدأ البن اليمني في الاندثار شيئا فشيئا، فالمزارع اليمني البسيط الذي يأس من تعقيد أزمة التصدير خاصة في الوقت الحالي، استبدل أرضه وتربتها الفريدة وحولها من زراعة البن إلى زراعة القات، فما القصة؟
يقول فيصل مزارع يمني ومالك أرض في اليمن، لـ "Arabia felix " إنه استبدل أرضه من زراعة البن الذي كان يحقق له عائدا مرضيا قبل 2011، إلى زراعة القات.
وأكد المزارع اليمني أن عدد كبير من أقاربه وجيرانه قاموا بمثل خطوته.
ومن جانبه يرى بندر مزارع يمني، خلال حديثه مع " Arabia felix " أنه لم يعد يقوي على تكلفة زراعة أرضه للبن، خاصة أن الشركات التي كانت تشتري منه سابقا لم تعد تتواصل مع بسبب عدم الاستقرار السياسي في اليمن.
وأوضح أنه زرع أرضه بالقات بديلا عن البن، موضحا أنه حقق له عائدا مرضيا.
استبدل العديد من المزارعين مزارعهم التقليدية بمزارع القات لأنها تحقق ثلاثة أضعاف الأرباح.
وبما أن القات محصول نقدي، فقد حل محل أشجار الفاكهة والبن، وكذلك القمح والذرة.
كما أن عدد كبير من أطفال اليمن أصبحوا مدمنين على القات.
تشير التقديرات إلى أن 15-20٪ من الأطفال دون سن 12 عامًا يستهلكون القات يوميًا في اليمن.
منذ بداية الحرب في اليمن قام العديد من اليمنيين باستبدال الأشجار المثمرة بهذه الأوراق المخدرة.
أصبح عدد كبير من اليمنين مدمنين على القات، فقد استسلم الكثيرون للإحساس بهذه الأوراق ذات الرائحة الحلوة، غير مفكرين في عواقب ذلك.
اليمن بلد جاف للغاية ومصادر المياه بها محدودة، حيث تتلقى صنعاء ما يقدر بنحو 20 سم من الأمطار سنويًا.
وفي الوقت الذي يعاني اليمن فيه من نقص في المياه، استنزف القات موارد البلاد من المياه لأنه يستخدم 50٪ من المياه وهذه كمية تعد أكبر من الكمية التي تستخدمها محاصيل الحبوب.
ويقوم مزارعوا القات في اليمن بحفر العديد من الآبار دون إذن لري محاصيل القات.
في العاصمة صنعاء ، تشير التقديرات إلى أنه تم حفر أربعة آلاف بئر، هذا العام لزراعة القات، حتى أصبحت المياه خلال السنوات العشر الأخيرة شحيحة للغاية ويخشى العديد من مزارعي القات أن يفقدوا محاصيلهم ومصدر رزقهم الوحيد بسبب نقص المياه.
كما لجأ المزارعين إلى ضخ المياه من طبقات المياه الجوفية، وتكمن المشكلة هنا في أن المزارعين يستخدمون المياه من طبقات المياه الجوفية التي تم ملؤها "على مدى آلاف السنين بسبب الأمطار العرضية التي تتسرب عبر التربة والصخور ".
لا يتسبب القات في مخاوف بيئية فحسب، بل يتسبب أيضًا في أضرار صحية.
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، هناك أدلة متزامنة تثبت أن القات يؤدي إلى قصور في القلب، ويزيد من ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
ويمكن أن يزيد أيضًا من خطر الإصابة بمتلازمة الشريان التاجي الحادة والسكتة الدماغية وحتى نقص التروية.
إلى جانب المشاكل المتعلقة بأمراض القلب والأوعية الدموية، يمكن أن يؤدي إلى تسوس الأسنان والهلوسة والاكتئاب.
أدى ارتفاع استخدامه أيضًا إلى الإصابة بالسرطان، إنه "مسؤول عن 70٪ من حالات السرطان الجديدة ".
المواد الكيميائية السامة في محاصيل القات هي العامل الرئيسي للسرطان.
أظهرت دراسة أنه تم استخدام 100 مبيد في زراعته، وقد دفعت هذه النتائج الصحية العديد من البلدان إلى حظر الأدوية التي تحتوي على القات ويعتبر مخدرا غير مشروع في كثير من الدول مثل السعودية وأمريكا.
أدى هوس اليمنين بمضغ القات، إلى العديد من الخسائر الاقتصادية، والتي عمقت من نزيف البلاد بجانب خسائر الحرب.
تعد الزراعة عنصرا هاما في الاقتصاد القومي للبلاد وثروة، فلماذا يفرط بلد مثل اليمن في سلاح اقتصادي قوي مثل البن، ليستبدله بأرواق مخدرة؟