الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

هل هناك اتفاق بين حزب الله واسرائيل؟ 

  • منذ سنة - Saturday 29 October 2022

هل هناك اتفاق بين حزب الله واسرائيل؟ 
منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

"اعترف حزب الله بحدود اسرائيل" هذا هو التعليق الابرز على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الصهيوني، والتي اقر حسن نصر الله في خطابه المتلفز الليلة ، بان الترسيم فيه احتلال واستحواذ اسرائيلي على الحقوق البحرية للبنان، وعلى الدولة والجيش والشعب والمقاومة تحريرها، لكنه لم يحدد موعد التحرير، ولا حتى اعلنه فماذا نفهم من كلام حسن نصر الله الامين العام لحزب الله اللبناني ؟

بنبرة هادئة وصوت خافت على غير العادة، وعينه على الورقة،  اعلن نصر الله عشية الترسيم ان التدابيرالاستثنائية للمقاومة انتهت، بترسيم الحدود البحرية، التي فيها اقرار رسمي لبناني بحدود اسرائيل، واعتراف بسيادتها على الاراضي الفلسطينية، وحقها باالاستحواذ على الثروة الغازية. 

ليعود امين عام الحزب ويؤكد في خطاب اخر، ان هناك استيلاء اسرائيلي على الحقوق المائية، وانه يجب تحريرها، ولكن يوجه حديثه للمنتقدين بما معناه اذهبوا انتم وحرروها " أقول لمن يريد استعادة الأراضي اللبنانية من إسرائيل واصلوا نضالكم ولكن بدون تخوين، أما نحن مالنا علاقة وملتزمين بالإتفاق" 

الحزب يقر انه اتفاق جائر لكنه ملتزم به، ولم يتدخل هذه المرة بقرار الدولة اللبنانية وفصل بينه وبين القرار اللبناني الرسمي، الذي ضرب به عرض الحائط وهو يتدخل في اليمن والعراق، ولكن بقرار الدولة اللبنانية بالتفريط بحق لبنان لاسرائيل ملتزم بالاتفاق، وهو ما يطرح سؤالاً عن سر هذا التنازل من المقاومة! 

 

لا ضمانات امنية لاسرائيل

برغم تاكيد نصر الله ان هذا الاتفاق ليس تطبيعاً ولا اعترافاً ولا معاهدة، وانه لا ضمانات امنية لاسرائيل ، فالكيان الصهيوني واصل استفزازه وتاكيده ان الاتفاق مثل ضربة قاضية لحزب الله ، بحسب تصريح رئيس وزراء الكيان ، وتصريحات سياسية واعلامية اسرائيلية   اخرى تؤكد ان الحزب بذلك اعترف بإسرائيل! 

وان اخذنا هذه التصريحات الاعلامية من باب الدعاية السياسية الداخلية قبيل الانتخابات الاسرائيلة، واذا عرفت ان نتيناهو لن يكون سعيداً بالاتفاق،  لانه يقطع عليه فرص العودة والفوز بالانتخابات، فلن تقف عندها كثيراً وستبدأ ملاحظة ماهو اعمق مما يطفوا على السطح. 

فكل هذه التصريحات لاقيمة لها على الارض ، الا في حالة واحدة، وهي "وجود اتفاق سري بين الحزب واسرائيل"  ولحد اللحظة لا دلائل تشير على شيء كهذا، ولو وجد فلن توفر اسرائيل جهداً ، لتسريبهظ وفضحه، او على الاقل التلميح به، وان وجد اتفاق سري، فلا اسرار للابد، وان لم تفضحها إسرائيل لانها تسجل انجازاً لها، سيفضحها خصوم الحزب.

لذلك كل الاتهامات حتى الان هي جزء من دعايات سياسية، لكن ماهو سر موقف الحزب، وهل هو فعلاً موافق على الاتفاق! 

الملاحظ ان نصر الله كان منزعجاً فقط من خصومه في الداخل، الذين واصلوا حملتهم الدعائيه عليه بصفته " حامي حدود اسرائيل" وانه باع القضية، وخان المقاومة، في مزايدة سياسية واضحة ومعتادة في الداخل اللبناني. 

وهذا الانزعاج، يشير لنا ان الخطر الحقيقي على الحزب في المرحلة القادمة سيكون من الداخل اللبناني وليس من الحدود مع إسرائيل ، فواضح ان هناك شيء يتم الاعداد له. 

انزعاج الحزب وامينه، ظهر لدرجة جعلته يرد عليهم "لماذا لم تعترضوا على الترسيم في ٢٠١١" وهنا حين تتصاعد المهاترات الاعلامية، تضيع الحقائق، اترك المهاترات ،  فالاهم هنا التفكير بشقين: 

الاول : متعلق بمستقبل الاتفاق، ومدى استفادة كل طرف منه

والثاني: متعلق بمستقبل سلاح حزب الله ان اعلن ان دور المقاومة انتهى وملف الصراع اقفل

ودعني اخبرك ان الشق الاول ، هو من سيجيب على الثاني، وبرغم الخطاب الهادئ لنصر الله على غير عادته،  مقارنة بخطاباته وهو يتوعد السعودية، او يتحدث عن اليمن، او العراق، او يدافع عن ايران، فهذه المرة كان حذراً من ان لا يفهم حديثه في سياق التصعيد ضد اسرائيل. 

 

سلاح ردع وسلاح حرب 

فلم نسمع عبارة هذه "ارض محتلة وسوف نحررها" لكنه اشار اليها بمغزى وغمزة، واكثر من عبارة باعتبار السلاح  الان " سلاح ردع" وليس سلاح حرب..

وجعل التحرير  مسؤولية مشتركة ، للجيش والشعب وليس فقط المقاومة، فهل تنصل، ام العكس، بمعنى انها ورقة يمكنه استخدامها ان وقع تحت الضغط، وخاصة ضغط التهديد بنزع السلاح، وهذا وراد جداً .

نصر الله مرر رسالة ان الحزب ليس له علاقة بالترسيم، وهي عبارة لمن يفهمها خطيرة، فحواها لسنا ملتزمين مستقبلاً ، لكنه لم يفجر الصراع الان، حالياً لايملك الحزب قرار التصعيد ضد اسرائيل، برغم قوته الصاروخية، الاكبر في المنطقة وال١٠٠ الف مقاتل، لان السلاح لا يغير المعادلة، وان كان بعشرات الاف  ابقطع الصاروخية اذا كان الاقتصاد صفر 

فهذه هي النقطة التي ضغطت بها امريكا واسرائيل، على بلد فقير ومفكك مثل لبنان، ليقبل باتفاق غير عادل، بل ان التفاوض من الاساس خطأ تاريخي فكيف تتفاوض مع  كيان محتل غاصب، فان لم ياخذ حق لبنان، فقد استولى على حق فلسطين. 

 

اذا متى يستعمل الحزب سلاحه

الاجابة .. اذا زاد الضغط الداخلي ، وشعر بالخطر، لتجريده السلاح، تحت ذريعة، انه الاتفاق مع اسرائيل تم، ولا حاجة لنا بسلاح المقاومة. 

عندها سيفتعل حزب الله حرباً مع اسرائيل، وان كانت انتحارية، لان حرب  خاسرة تحفظ له سلاحه وقوته ونفوذه الداخلي، اضمن من صراع سياسي ضد خصومه، كما ان خيار الحرب الداخلية الاهلية، ليس مستبعدًا على المدى البعيد. 

وكان واضحاً انه مرر عبارة "لا ضمانات امنية"  لذلك فخطابه لم يكن موجهاً لاسرائيل ليهددها، بل للداخل ليستبق الامور، ويعلن تنصله من الاتفاق، الذي يحرص عليه كل الفرقاء في لبنان، لانه سيوفر المال والمليارات. 

لذلك سيترجم الخطاب مع الوقت انه تهديد للخصوم المحليين، بانه مازال قادراً على تخريب الطبخة، وانها تمت بفضله ، وان حاول اي منهم تهديد مصالح ونفوذ الحزب، فهو قادر على حرقها. 

 

من المستفيد من الاتفاق

حالياً المستفيد الاكبر من الاتفاق هي اسرائيل، وهذه اجابة على الشق الاول ان كنت تسأل، فهي مستعدة للتصدير للغاز فوراً، لانها قطعت مراحل الاكتشاف والتنقيب، بينما لبنان لم يفعل بسبب الرفض الامريكي ، كما قال نصر الله، والغريب ان يقبل الحزب الوصاية الامريكية على لبنان، وهو الذي يناصر  اليمن للتحرر من الوصاية السعودية!! 

كان يفترض خلال العشر  السنوات الاخيرة، ان يكون لبنان قد اكمل مراحل التنقيب والاستكشاف، ولكن بسبب امريكا لم يحدث، والغريب انه برغم الوصاية والانحياز والتحكم الامريكي ، قبلت لبنان والحزب بامريكا وسيطاً في المفاوضات البحرية مع اسرائيل؟

علامات استفهام كثيرة على الوضع اللبناني قبل وبعد الترسيم، لاسيما ان مستقبل هذا البلد المفلس مالياً والممزق، غامض  ومرهون. 

 

السلاح لا يغير المعادلة

فسلاح الحزب لم يستطع حماية لبنان من الانهيار المالي، مرة اخرى نكرر " السلاح وحده لايغير المعادلة" السلاح دون اقتصاد قوي، ومستقل ومتحرر لايمكنه حماية الحدود، او الثروات.

فسلاح الحزب وهو ليس سلاحاً عادياً ، بل هو اكبر واقوى كيان لا دولاتي في العالم، واقوى قوة صاروخية في المنطقة، ومدجج باسلحة دقيقة وحديثة، وخبرات قتالية نوعية، الا ان هذه الخبرات  والسلاح النوعي في اقتصاد منهار وبلد فقير، سيبقى مدفوناً تحت الارض.

فقرار الحرب بالنسبة للحزب ، قرار سهل في اليمن، او العراق، او حتى في افريقيا، لكنه قرار صعب  داخل حدوده الجغرافيه، فتواجده في حرب اليمن ، او "حيث يجب ان يكون سيكون"  لن يدمر له البنية التحتيه، ويقتل المئات من الابرياء، لن تضغط عليه اقتصادياً في الداخل، وتحمله الخسارة السياسية، حربه في لبنان ضد اسرائيل مكلفه سياسياً.

 

كل هذه الحسابات لاتخدم احداً بقدر خدمتها لاسرائيل، التي ستتحول الى دولة ثرية واغنى مما هي عليه الان ، لانها حصلت على الغاز في الوقت المناسب، في عز الازمة العالمية وحاجة اوروبا للطاقة، لتكون اسرائيل هي المورد الرئيسي للغاز لاوروبا بدلاً من روسيا، اي ٤٠٪ من الاحتياج الاوروبي بحسب حديث رئيس الوزراء الاسرائيلي، وهنا ستزيد الفجوة الاقتصادية بين لبنان واسرائيل، وهذا يعني تهديد مستقبل لبنان وحزب الله

 

فان قبل الحزب وبلع الموس وصمت ليأكل العنب، فان اسرائيل لن تفعل، وشهيتها لمزيد من الغاز اللبناني ستفتح، فمالذي سيمنعها بعد ١٠ سنوات من الحصول على غاز حقل قانا، وهي التي خططت قبل ١٠ سنوات من الان في ٢٠١١ بالحصول على كاريش، وهو ما كان

كل الاحتمالات مفتوحه، اما حرب استباقية من الحزب ليهرب من ضغط الداخل ونزع السلاح، او حرب اطماع اسرائيلة توسعية

وكل من  يعتقد ان هذه  الحلقة من  الصراع اغلقت ، باعلان الترسيم مخطيء، فكل الاحتمالات مازالت مفتوحة، والسنوات القادمة ستخبرنا بكل شيء.. 

 

سلام