الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

السعودية من المواجهة إلى الانزواء.. كيف تتعامل الرياض مع صراع الاقطاب الشرقي والغربي وكيف ينعكس ذلك على ملفات غزة.. اليمن.. التطبيع.. ايران..وهل سياسة السعودية الجديدة توفر لها الامن والاستقرار.. مقال منى صفوان

  • AF مقال
  • منذ أسبوع - Friday 26 April 2024

السعودية من المواجهة إلى الانزواء.. كيف تتعامل الرياض مع صراع الاقطاب الشرقي والغربي وكيف ينعكس ذلك على ملفات غزة.. اليمن.. التطبيع.. ايران..وهل سياسة السعودية الجديدة توفر لها الامن والاستقرار.. مقال منى صفوان
منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

AF

هل اختفت المملكة العربية السعودية! البلد الكبير المؤثر، اكبر دول  شبه الجزيرة العربية، وواحدة من مجموعة العشرين، اكبر 20 دولة مؤثرة اقتصادياً! وكانت الحليف الاكبر لامريكا، قبل ان تقوي علاقتها بالصين، ليجعلنا نسأل في أي معسكر تقف  السعودية الان، في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من الصراع بين المعسكرين.. الغربي والشرقي؟ 

المملكة التي قادت اهم حرب في شبة الجزيرة  في العام 2015  في اليمن، وفتحت مواجهة ندية مع ايران تلك الدولة الطموحة لاخذ مكانه اقليمية منافسة، فهل تخلت السعودية عن سياسة المواجهة! وماهي سياتها الجديدة، وكيف يُعاد رسم وتشكيل المنطقة بناء على هذه الرؤية  السعودية الجديدة؟

مالذي تقوله السياسة السعودية الجديدة المكتفية بالتنمية الاقتصادية الداخلية والسياحة والاستثمار ، المتزامنة مع سياسة حيادية جديدة تجاه تصاعد الاحداث ، وكيف سيؤثر هذا على مستقبلها ومستقبل المنطقة! 

السعودية دول كبيرة ..موقعها يفرض نفسه- المكان يفرض المكانة- 

اين هو  موقع المملكة العربية السعودية من احداث غزة! الدولة التي يليق بها قيادة المنطقة! وهل هذه هي رؤية السعودية تجاه المتغيرات المتسارعة للاحداث! 

 هناك رفض سياسي معلن  وواضح وصريح لسياسة الاسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو، ولحربه في غزة، وتنتهز السعودية كل فرصة ، لتأكيد موقفها الرافض لجريمة الابادة ضد الفلسطينيين، ودعمها لدولة فلسطينية، لكن الاحداث لم تسمح للموقف السعودي بالظهور كقوة مؤثرة في مسار الاحداث، وهذا ما يجعل الامر مربكاً. 

غزة الان هي اهم حدث في المنطقة منذ عشرون عاماً ، منذ الغزو الامريكي للعراق، والتي كانت فيه السعودية حجز زاوية ، ولم تنتهج سياسة الحياد وقتها، لان الامر كان متعلقاً بالامن القومي الخليجي لاسيما السعودي.

الاحداث الان في غزة، تعتنق ذات النظرية في الامن القومي، وتبرز ذات الاخطار على كل الدول المحيطة لاسيما الكبرى منها، وهذه الاحداث ستغير الخارطة السياسية، وتفرز قوى اقليمية جديدة، وتعيد صياغة النظام الذي سيحكم المنطقة، ويشارك بحكم العالم، ان كنا بصدد الحديث عن نظام عالمي جديد.

فالاكتفاء بدور المراقب الصامت غير المؤثر، يعني خروج اللاعب من الحلبة، وهنا تعمدت السعودية في احداث غزة  انتهاج سياسة توحيد الضغوط، والتحرك كمجموعة، وليس كدولة منفردة، ليكون القرار جماعياً، وهي جزء منه.

مؤتمران هامان عقدتهما الرياض كمركز مهم للقرار الاقليمي، فدمجت وعقدت مؤتمر القمة العربي، والقمة الاسلامية، لتجمع كل زعماء الامة العربية والاسلامية، وليخرج هذا الاجتماع بتوصية كسر حصار غزة،وفتح معبر رفح،  وتشكيل لجنة مهمتها ايجاد الدعم الدولي لذلك .

ولم يؤثر هذا على مسار الاحداث كثيراً،  فلم تستطع الرياض ومعها كل الدول العربية والاسلامية تفعيل هذا البند، حتى سمحت امريكا بكسر الحصار بعد اشهر، عن طريق الإنزال المظلي . 

لتبدو الرياض مجرد مكان و"جغرافيا " بلا تأثير سياسي مباشر، وفاعل، ويظهر الحدث في غزة اكبر من قدرة الدول الكبيرة على التأثير لايقاف الحرب الاسرائيلية.

ومن اساسيات الجغرافيا،  ان المكان يفرض المكانة، فسياسة السعودية الحالية لايبدو انها تتفق  ومكانتها في العالم العربي والاسلامي، ولا حتى كموقعها السياسي والاقتصادي كدولة كبيرة ونفطية. 

وخارج سياسة البيانات الرسمية،  التي تدين الحرب الاسرائيلية، وجرائم الابادة، فان اجهزتها الاعلامية ظهرت كمن تعمل على تشويه صورة المقاومة في غزة، والهجوم عليها سواء عبر منابرها الاعلامية، او عبر كتاب ومؤثرين محسوبين عليها، لدرجة تماهي ما يُقال مع الدعاية الاسرائيلية ، دون توجيه ذات السهام الاعلامية صوب ألة  الحرب الاسرائيلية الاجرامية، وكان هذا مستغرباً، وربما غير متوقع في هذا التوقيت! 


وان كانت السعودية " صاحبة مبادرة السلام العربية 2002" تفعل ذلك لتحقيق التوازن السياسي امام امريكا، وتنفي تهمة دعم اي طرف ، حتى سياسياً، فان هذا يوقعها في فخ دعم اسرائيل بشكل غير مباشر! 

لتبدو السعودية محايدة سياسياً ، ومنحازة إعلامياً لاسرائيل! مما يجعل الصورة مربكة بشأن السياسة السعودية، في الحدث الاهم في المنطقة،  والذي سيفرز سلسلة احداث يكون لها ما بعدها.

وما يمكن قبوله من دول صغيرة كالامارات، لا يبدو مقبولاً من دولة لها تاريخ مؤثر في مسار ودعم القضية الفلسطينية، ودعم اقامة دولة فلسطينية، انه كمن يشوه صورته وتاريخه بيده!

تجميد الملف اليمني 

الدول تكسب او تفقد مكانتها اثناء الحروب، وحرب غزة أثرت على كل الانظمة العربية دون استثناء، لتظهرها بموقف العاجز، وربما المتواطئ، وهذا يفقدها تأثيرها في محيطها سواء الخارجي، او حتى الداخلي".

بالنسبة لليمن، كانت وماتزال هي الملف الأبرز للرياض، ملف العمق والامن القومي، والارتباط الجيوسياسي،  والتي حاولت الرياض خلال عام ان تلعب فيه دور المؤثر، ونجحت الى حد كبير بايقاف الحرب، واقناع الأطراف اليمنية بالذهاب الى الحوار، ونجحت كذلك ببناء  علاقة جيدة مع جماعة انصارالله  الحوثية في صنعاء، وكانت الزيارات المتبادلة سراً وعلانية، على أعلى مستوى، علامة فارقة ، ونقطة تحول  في السياسة السعودية في اليمن والمنطقة، قبل ان يظهر الضغط الامريكي. 

فلقد  انتقلت بخفة من موقع الطرف الداعم للحرب ضد جماعة انصار الله الحوثيين، الى موقع الوسيط بين كل الاطراف اليمنية، والصديق المحتمل للحوثيين مستقبلاً، لتبدأ بدو الوسيط بجانب سلطنة عُمان، لدرجة جعلتها تبدو منافسة لمسقط!

بل انها نجحت قبل احداث غزة ، باخراج التأثير الامريكي من الملف اليمني، وظهر المبعوث الامريكي منبوذاً، لا يدري مالذي يدار في الكواليس بين صنعاء والرياض، قبل ان يعود التأثير والضغط الامريكي في الملف اليمني، مع انفجار الاحداث في غزة. 

فمع اشتعال جبهة غزة، ولعب اليمن "عن طريق انصار الله" دوراً مؤثراً وإيجابياً في الاحداث، وفتح الجبهة اليمنية المساندة لغزة، والتي تقف ضد امريكا واسرائيل، تحول الضغط الامريكي كله صوب الرياض، لمحاولة ايقاف هجمات الحوثيين، بالاستفادة من العلاقة الجديدة والجيدة بينهما.

وهنا خفت مستوى التأثير  السعودي على صنعاء ، وحتى السعودية نفسها واجهت ومازالت الكثير من  الضغط الامريكي والاسرائيلي عليها، بخصوص ملف التطبيع، والذي مازال حتى اللحظة  يُستخدم من قبل  الادارة الأمريكية لاقناع اسرائيل لايقاف الحرب، وتقديم التطبيع مع السعودية كهدية مجانية لنتياهو، دون ان يصدر اي تصريح سعودي ينفي ذلك.


فكل تصريح امريكي عن التطبيع الاسرائيلي مع السعودية، يقابل بصمت سعودي، وسط جرائم الابادة، والانتهاك الاسرائيلي لكل المعايير الاخلاقية والانسانية للحرب.

أما  ملف التسوية اليمنية برعاية السعودية، وخارطة الطريق السعودية لحل الازمة في اليمن، فلقد  تم تجميده من قبل واشنطن،  للضغط على الحوثيين، من اجل ايقاف هجماتهم البحرية في باب المندب والبحرين الأحمر والعربي ، ضد السفن الامريكية والاسرائيلية والبريطانية.


ويبدو ان السعودية تخفيف هذا الضغط الامريكي غير المبرر، والتدخل بالملف اليمني- السعودي، وتحييده عن مسار الاحداث في غزة، برغم اصرار الحوثيين على الفصل بين الأزمة والتسوية اليمنية ، وبين الاحداث في غزة، واستعدادهم للذهاب للتفاوض والتسوية، شرط عدم ايقاف هجماتهم ضد اسرائيل وحلفائها، فكيف لم تستطع السعودية بكل قوتها الاقتصادية، ونفوذها العالمي انقاذ ملف السلام ، الذي تحتاجه اكثر من غيرها في اليمن.


صحيح لم تصدر اي ادانة سعودية لحماس، او لهجمات الحوثيين البحرية، واكدت البيانات السعودية الرسمية، ان الهجمات ستبقى مرتبطة بمسار الحرب الإسرائيلية، وان ايقاف هجمات باب المندب ، لن يكون الا بايقاف الحرب الاسرائيلية في غزة، لكن مستوى سياسة البيانات لا يدل على ضغوط سعودية تُمارس على الادارة الامريكية في الكواليس، بينما يمكن افتراض العكس.

بريكس .. الغموض يلف الموقف


النفط السعودي نُظر اليه دائماً، منذ 50 عاماً بانه القوة الاقتصادية المؤثرة والفاعلة، لايقاف وتغير مسار الحرب، خاصة في الصراع العربي -الإسرائيلي.

وان كان ليس مطلوباً من السعودية اليوم  قطع النفط، لكن بيع النفط السعودي بعملة اخرى غير الدولار الاميركي ، او التهديد باعادة النظر باتفاق البترو دولار،،سيشكل بلا شك ضغطاً هائلاً يمكنه قلب مسار الاحداث، ونقل السعودية لموقع متقدم اقليمياً وعالمياً.

من الصعب الحديث بسهولة ، عما يمكن ان تفعله دولة بحجم السعودية، تحدد هي أولوياتها وطريقة تعاملها مع الاحداث.

ولكن من ينظر لخطوات السعودية قبل غزة، من خلال تقاربها الاقتصادي مع الصين، وتحمسها لبريكس، وعلاقتها المميزة بروسيا، ومن بعدها الاتفاق المفاجيء  مع ايران برعاية الصين، بعد مسار مفاوضات في العراق، وانهاء حرب اليمن بشكل غير معلن، يمكنه بعد ذلك ان يتوقع مساراً مختلفاً للتعاطي السعودي مع احداث غزة.

فلقد كانت  اتفاقية بريكس " التكتل الاقتصادي للصين وروسيا وحلفائهم" جزء من هذا التحول السعودي في الاشهر الاخيرة التي سبقت غزة ، خاصة بعد توجيه الدعوة الرسمية للرياض للانضمام في نهاية العام الفائت، وحدد يناير 2024  كموعد للانضمام الرسمي.

وهذا لم يحدث، وتم تجميد هذا الملف ايضاً، بعد تقارب سعودي - صيني لافت، مما يشي بحجم الضغوط الامريكية الكبيرة على الرياض، والتي يبدو انها غير قادرة على التحرر منها، لسبب غير معروف، قد يكون محاولة امساك العصا من المنتصف.. لامع امريكا ولا مع الصين.. وصديق الجميع .

لتغير السعودية من سياسة المواجهة التي  انتهجها محمد بن سلمان في 2015 باعلان الحرب على اليمن، الى سياسة الحياد ، وتقريباً الذهاب نحو الانزواء السياسي، املاً بصنع قوة اقتصادية، والاهتمام بمشاريع التنمية والاستثمار.

وهذا يفسر استمرار الموسم السياحي والترفيهي وسط احداث غزة والذي اثار سخط الرأي العام الاسلامي والعربي، ووجده البعض غير مقبول من دولة بحجم ومكانه السعودية.

 مواجهة الغرب.. ليس مطروحاً  

هذا الانزواء السعودي ، من كل الاحداث الدائرة في المحيط الاقليمي، سمح لقوة الحوثيين بالظهور اكثر في مواجهة الغرب، والتواجد بشكل فاعل في المعسكر الشرقي، والتأثير على مسار الاحداث، كقوة صاعدة تواجه امريكا، حتى ان امريكا شكلت تحالفاً عسكرياً لمواجهتهم وفشلت في ردعهم، مما يؤهلهم للعب دور اقليمي اكبر مما كان مرسوماً لهم.

ويبدو ان جماعة الحوثي في صنعاء غير راضية عن سياسية الحياد السعودية مع امريكا ، ان كانت قد توقعت  من الرياض اكثر من هذا.

فنلاحظ ترك الملف اليمني على طاولة البيت الابيض، وترك الحوثيين في مواجهة ندية مع امريكا، بالسماح لواشنطن بالضغط عليهم عبر ملف التسوية السياسية

مما قد يجعلهم يحذرون مستقبلاً من اي خطوة تقارب تأخذ مسار التحالف الاستراتيجي الجاد ، خاصة حين يتعلق الأمر بمواجهة المعسكر الغربي، والذي ماتزال السعودية تريد الاحتفاظ بعلاقتها به.

لقد بات البعض ينظر للرياض انها حليف لايمكن الاتكاء عليه، في مواجهة الغرب، وانها تجيد فصل مصالحها عن مصالح المحيط القريب جغرافياً وسياسياً.

مقارنة بايران الماضية بقوة بأن تكون لاعباً فاعلاً في المعسكر الشرقي، وقطب مهم في السياسة الدولية الجديدة، وهذا يقلل من فرص التحالفات الاستراتيجية بينها وبين صنعاء.

اضف السعودية اظهرت نفسها انها غير ناجحة بايجاد الحلفاء والاحتفاظ بهم، فتعاملها مع حليفها القديم السياسي والشيخ الاخواني اليمني عبد المجيد الزنداني ، بعد وفاته، بشن حملة اعلامية تشويه ضده كان صادماً.

فعدم احترام الصداقات والتحالفات القديمة، فضلاً عن احترام حرمة الموت، امر   لم تفعله ايران، التي يمكن تصنيفها انها كانت خصماً ايديولوجياً له، ولم تفعلها ايران مع اي من خصومها السياسين بعد وفاتهم! وبهذا تقول السعودية للحوثيين لست جديرة ان اكون حليفاً إستراتجياً لكم، بديلاً عن ايران. 

ان كانت السعودية قد اخرجت نفسها من مجال الصراع، والمنافسة مع ايران، سواء بابرام اتفاق معها، وتطبيع العلاقات مع طهران لاعلى مستوى، او بايقاف حرب اليمن، والاهتمام بالشأن الداخلي السعودي، فان هذا على المدى الطويل يعني تفريغ الساحة لقوى ودول اخرى، منها الامارات الجار الخليجي المنافس للنفوذ السعودي في المنطقة، والذي يظهر حجم الخلاف بينهما ، وانه يزداد مع مرور الوقت، في حين تتجه الامارات لتكون احدى الدول التي تملاء الفراغ السعودي، والاستفادة من حالة الانكفاء التي تمر بها الرياض، وهذا بلا شك يشي بتصادم وشيك بين الرياض وابو ظبي.

السؤال 

فهل توفر السياسية السعودية الجديدة المنكفئه نحو الداخل ، للعب دور متوازن بين المعسكرين الشرقي والغربي، المستقبل المستقر والامن للسعودية؟

خاصة مع ظهور وتنامي وظهور قوّى جديدة، تفعل من دور المعسكر الشرقي في المنطقة امام مواجهة مفتوحة مع الغرب؟

ومع زيادة نفوذ لدول وجماعات منافسة، تملا الفراغ، وقد تؤثر مستقبلاً على خطة الاستقرار السعودي! ام ان نفوذ  السعودية لا يمكن منافسته واستقراها لا يمكن تهديده !

سلام