الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

الانظمة القمعية تهزم ديمقراطية اوروبا .. رمزية تكريس سلطات الرئيس الصيني مدى الحياة.. مع استقالة رئيسة حكومة بريطانيا ..الاقصر في التاريخ

  • منذ سنة - Sunday 23 October 2022

منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

ليس الاقتصاد الغربي وحده من يتداعى، بل النموذج الغربي برمته ، من حريات، وثقافة، وفلسفة سياسية واقتصادية، وطريقة حكم .

ففي هذا التوقيت العالمي الحرج ، مع ازمة الطاقة ، وتفاقم الركود العالمي وزيادة نسبة التضخم، يختار القدر توقيته لاعلان  تكريس السلطة المطلقة للرئيس الصيني ، باجماع الحزب الحاكم " الحزب الشيوعي"

 بينما في الطرف الاخر من العالم تقف رئيسة وزراء بريطانيا امام الكاميرات لتعلن اسرع استقالة في تاريخ بريطانيا العظمى، قبل  ان تكمل الشهرين، ليروج البعض انها قمة الديمقراطية، فهل هي قمة الديمقراطية ام قمة التخبط!؟ 

 حدث فيه من الرمزية الكافية، للمقارنة بين حضارتين شرقية وغربية احدهما آفلة والاخرى صاعدة، احدهما متمسكه بتقاليد الحكم القديم الذي يقلد الحاكم / الامبراطور حكم البلاد دون منافس ، والاخرى تدافع عن حكم متعدد المنافسين، يغذي الصراع داخل مؤسسة الحكم.  

الحاكم الصيني يُبعد  كل المعارضين من داخل الحزب بكل هدوء ،وسرية، ويبدو الحكم في الصين راسخاً وثابتاً، ووقوراً، وكتوماً بعيداً عن اعين الاعلام،  في حين تعم الاضطرابات ،ومظاهرات الشوارع، والاستقالات الحكومية والاهتزازات الانتخابية عواصم اوروبا ، ممتدة الى امريكا، لنعرف كل التفاصيل اول باول..

ليبدو الغرب مضطرباً بينما الشرق يسيطر على الامور، لنكون امام نموذجين، الاول مستقر، ومسيطر،  وراسخ، في  هادئ وصاعد، والاخر مضطرب، وفوضوي، وفي هبوط وتارجح، ومستقبله غامض!..

 الاول متحكم .. والثاني  متهكم! 

يسمى الاول ديكتاتوري والثاني ديمقراطي، هاهو النظام الديمقراطي  منهار ومتارجح ويخرج من السباق ، في حين تفوز السلحفاة على الارنب لانها ثابته وتسير بخط ثابت.

فكل المعكسر الشرقي على امتداد الخريطة، علاقته بالديمقراطية الغربية صفر، لا احزاب معارضة،لا حرية اعلام، لا منافسة انتخابية، ولا تداول للسلطة

هنا الحزب الواحد، والرئيس الذي يحكم مدى الحياة، او الملك، والحكم الوراثي ، مقابل اسرع مؤشر تنموي واقتصادي خلال العقد الاخير، في حين لا نرى الا الاقتصاد الغربي وحده من انهار خلال السنوات الاخيرة!

وكان المبرر في البداية انها تداعيات ازمة كورونا، وكان اوروبا وامريكا وحدها من اصيبت بكورونا!! مع ان الصين اقفلت بشكل شبه تام لمصانعها ، ومدن بالكامل توقفت فيها الحياة، ولعلها اكثر من عانى من الجائحة، فلماذا لم يتاثر الا الاقتصاد الغربي!؟

ثم اين هي الديمقراطية، ان كنت تعني المفاضلة بين رئيس كترامب واخر كبايدن، وان على الشعب ان يختار، فهذة احدى اشكال الاختيار بين المتنافسين ، وشكل سطحي  وساذج للديمقراطية، وفي المحصلة  ماهي نتيجة النموذج الغربي، الذي كرس هيمنته في الدول الافقر، واخرج وحشية وعنصرية، ودموية، لم تفعلها ما توصف بالانظمة الشرقية القمعية!

فنظام  دولة مثل كوريا الشمالية، مسالم جداً في العالم اكثر من دولة ديمقراطية مثل امريكا ، كانت اكثر من هدد السلم العالمي، وعبث بمستقبل ومقدرات الشعوب، ونهب ثرواتها، واشعل فيها الحروب. 

ان ما يتباهى به النظام الغربي هو حرية الاعلام، ولكنها حرية كُرست لشطب الاخر وتاريخه وحضارته، ولترسيخ قيم حضارة واحدة بلون واحد.

واخر ما تريده حرية الاعلام الغربي منا، ان تكرس المثلية والشذوذ الجنسي، باعتبارها حرية فردية، فهل يمكن للفردية  والحضارة الغربية  الوقوف امام غزو ومنافسة وصعود الدول القمعية الشمولية كروسيا والصين وحتى ايران! 

حتى ممالك الخليج العربي ذات الحكم الملكي الوراثي لها اراء اقتصادية مستقلة اليوم عن المحور الغربي والقرا ر الامريكي، بل وصدامية وصادمة. 

واصبح يمكن لدولة لم يُقام في تاريخها، اي شكل من اشكال الانتخابات  كالسعودية،  قادرة على التأثير في انتخابات اكبر دولة ديموقراطية كاميركا. 

تعدد الاقطاب كذبة 

اذا قارنت بين النموذجين ستجد نموذج يمنحك حرية الحديث ، او يوهمك بانك تملك الحرية للحديث، والنقد ، وصفع الرؤساء بالبيض والطماطم، والسخرية منهم في الاعلام ، لكنه يبتزك، ويستغلك ويقهرك معيشياً باعتباره نظام اقتصادي يواجه ازمات خانقة، وانت مجرد ترس في هذا النظام. 

ونموذج اخر، لن يخدعك بالحرية بل سيحاربها، ويقمع صوتك، ويخبرك ان لا احد في العالم مهتم ان يسمع صوتك، وان عليك ان تعمل بصمت ،  وسيقتلك في الشارع بالرصاص الحي كما يحدث الان في ايران، او يدهسك تحت عجلات دبابة عسكرية كما حدث في الصين قبل ثلاثة عقود، لانه نظام اقتصادي صاعد ولايريد مشاكل وفوضى تعرقله، وصوتك يزعجه.

فهل تختار الخانق اقتصادياً، مقابل صفع الرئيس، كما حدث لماكرون او سيحدث لاي رئيس اوروبي، ام تختار النظام الصاعد اقتصادياً مقابل ان تخرس، حتى لا تصفع انت! 

الصين مستعدة لاخراس الجميع في الداخل والخارج لتصل، وبرغم براعة الاعلام الغربي ومعرفته  لفسافس الامور في الكواليس السياسية الغربية الا انه يبقى عاجزاً، عن اختراق دهاليز كواليس الصين ، فالصين نظام مصمت.

فلن تعلم لماذا طُرد الرئيس الصيني الاسبق ، من القاعة امام الكاميرات، ولا ماذا يدور في الغرف المغلقة، فالنظام الصيني او الروسي او الكوري الشمالي، او حتى الايراني، والخليجي السعودي، سيبقى نظاماً صلباً  مصمتاً ، غامضاً، امام الاعلام الغربي. 

عودة هتلر في اوروبا

الاعلام الغربي الذي سيكتفي بتسريب محادثات وفضائح رؤساء الغرب، كما فعل ادورد سنودن العميل السابق في المخابرات الامريكية ، والذي يبدو انه كان جاسوسًا روسياً، والذي فر الى روسيا وخصل مؤخراً على جنسيتها، فيظهر ان النظام القمعي الشمولي نجح باختراق النظام الديمقراطي المفتوح على مصراعيه!

في هذه المعادلة يكون القمع مقابل الاستقرار والصعود، والحرية والديموقراطية مقابل الفوضى والانهيار، في الحالتين ستضطهد الشعوب ، التي ستكون بين حياتين؛ اما حياة العبيد  للنظام الراسمالي او عبيد النظام الشمولي، فحتى المميزات التي يحصل عليها المواطن الاوروبي يحصل عليها المواطن في روسيا والصين، وهي خدمات مقابل الضرائب.

فحقوق الانسان والديمقراطية ابتدعها الغرب بشكلها الحالي، وهو من سيلغيها او يوجد لها شكلا اخر، حين يرى ان نظاما قمعياً هزمه.

في الاخير : ما يقدم لنا ليس الان نموذجين لا ثالث لهما، وواضح ان صعود الحضارة الشرقية سيكون على حساب ومكانة الحضارة الغربية،  التي ستسقط بنموذجها الثقافي والسياسي اذا سقط نموذجها الاقتصادي.

فلا مكان لعالم متعدد الاقطاب، هذه احدى كذبات المحور الصيني-الروسي، القمة لا تتسع الا لراس ونموذج واحد فقط، اما ان يشارك نظامان اقتصاديان بقيادة العالم فهو امر مبالغ به، ويقال من باب التطمين، أو التسويق. 

لذلك سيكتشف الغرب ان تأخره، وهزيمته كانت بسبب الديمقراطية،  وليس بسبب كورونا، كما يدعي، حين يجد ان الروسي والصيني يحكمون مدى الحياة، وهو تهدد حياته السياسية مقالة في صحيفة، او صوت ناخب عاطل وحاقد

ان كانت الديموقراطية تعني الخسارة، فوقتها سيطمح السياسي الاوروبي،  لاستعادة حكم القياصرة، ونموذج هتلر ليس ببعيد.