منذ 3 أسابيع - Sunday 18 May 2025
AF
في كل عام، وبينما نحتفل بيوم المرأة، تُملأ الشاشات بالورود والكلمات المعسولة، وتتنافس الحكومات والجمعيات في إلقاء الخُطب عن “تمكين المرأة” و”إعطائها حقوقها”. لكن لنتوقف لحظة: هل الحقوق تُعطى؟ أم تُنتزع؟ وهل المرأة بحاجة لمنّة أم إلى عدالة؟
في تونس، نُفتخر بأننا من الدول العربية القليلة التي قطعت أشواطًا في مجال حقوق النساء. لدينا قوانين متقدمة، ومجلة الأحوال الشخصية التي كانت ثورة في وقتها، ونساء في البرلمان والقضاء والطب والإعلام. لكن خلف هذه الواجهة، تُختزل المرأة في “نجاح رمزي”، بينما تُترك الملايين من النساء في الأرياف، في المصانع، وفي البيوت، في مواجهة العنف، والفقر، والتهميش، بصمت.
نُحدّث النساء عن حريتهن، ونطالبهن بالصبر، ونخبرهن أن “الوقت سيأتي”. لكننا لا نُحدث البنية الاقتصادية والسياسية التي تسمح لامرأة فقيرة بالخروج من دائرة التبعية. نُشجع الفتيات على التعليم، لكن لا نوفر لهن فرص العمل. ندعوهن للمشاركة السياسية، لكن نسخر من أصواتهن عندما يرفعن شعارات تختلف عن “الخط الرسمي”.
أخطر ما في الأمر، أن حقوق النساء تُستخدم أحيانًا كورقة سياسية، لا كمبدأ. نراها تُستخدم لتجميل صورة نظام ما في الخارج، أو لتشويه خصم سياسي في الداخل. وفي الحالتين، تُختزل المرأة إلى أداة، لا إنسان له كرامة ومطالب.
حقوق النساء ليست جائزة تُمنَح من سلطة ما. وليست ترفًا ثقافيًا أو تذكرة مرور للحداثة. هي حق أصيل، إنساني، لا يتجزأ، ولا يُؤجل. والمرأة ليست كائنًا ينتظر الخلاص من “الرجل الطيّب”، أو من “الدولة المتسامحة”. المرأة هي فاعلة، مُغيّبة أحيانًا قسرًا، لكنها لا تحتاج إلى وصاية.
في قريتي الصغيرة شمال غرب تونس، تقطع النساء يوميًا عشرات الكيلومترات في شاحنات مهترئة للوصول إلى الحقول، مقابل أجر لا يكفي ثمن خبز. هؤلاء النساء لا يسمعن عن المؤتمرات الدولية، ولا يعرفن أسماء الجمعيات، لكنهن يعرفن معنى الكدح والحرمان. إن لم تبدأ العدالة من هناك، فإن كل ما نقوله هنا مجرّد حبر على ورق.
هل سألنا أنفسنا يومًا: من نُدافع عنها عندما نتحدث عن “المرأة”؟ ومن نُقصي في هذا الخطاب؟
هل لدينا شجاعة الاعتراف بأننا – رغم التقدم القانوني – لا نزال نعيش في مجتمع يُعاقب النساء حين يَخُرن الصمت؟
وهل نملك الإرادة لنربط بين حرية المرأة، وحرية الإعلام، وحرية التفكير، وحرية المواطن ككل؟
المرأة ليست قضية منفصلة. المرأة هي مرآة العدالة في أي وطن. فإن كانت مُنصفة، كان الوطن حرًا. وإن ظُلمت، كان الوطن مكسورًا مهما كانت القوانين جميلة