منذ أسبوع - Saturday 03 May 2025
AF
منذ سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر 2014، شرع الحوثيون في بناء منظومة سلطوية مغلقة ترفض أي صوت خارج سرديتهم العقائدية والسياسية. هذه المنظومة، التي تدّعي “الوصاية الإلهية”، لم تكتفِ بحكم الأمر الواقع، بل مارست على مدى عقد من الزمن سلسلة ممنهجة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مستهدفة حرية الرأي والتعبير، والنشاط المدني، وحقوق النساء والفئات الضعيفة. إنها سلطة تتغذى على القمع، وتخاف الكلمة، وتخشى من المرأة الحرة كما تخشى من الصحفي المستقل.
أولًا: حرية الرأي… هدف دائم للقمع
الصحفيون، الكُتّاب، الناشطون، وحتى الفنانون، واجهوا سطوة الرقابة الحوثية التي لا تتسامح مع النقد أو الاختلاف.
عشرات الصحفيين اختُطفوا، وتعرض بعضهم للتعذيب الجسدي والنفسي، فيما حُكم على آخرين بالإعدام بتهم ملفقة.
أُغلقت جميع الصحف المستقلة، ومنعت مواقع إلكترونية، وجرى التضييق على وسائل التواصل الاجتماعي.
أصوات المثقفين المطالبين بالدولة المدنية أُسكتت، وحُلّت منظمات مجتمع مدني وجرى استبدالها بأخرى موالية للجماعة.
رسالة واضحة من الحوثيين: لا مكان للرأي الآخر في مناطقهم، إلا في الزنازين.
ثانيًا: حقوق الإنسان… قائمة سوداء بلا نهاية
الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها جماعة الحوثي شملت كل فئات المجتمع:
آلاف المعتقلين في سجون سرية، بلا محاكمة عادلة أو حتى تهمة واضحة.
حالات موثقة من التعذيب الوحشي، والإخفاء القسري، والتجنيد الإجباري للأطفال.
استخدام الأعيان المدنية والمدارس والمستشفيات كثكنات عسكرية، وتحويل حياة المدنيين إلى جحيم يومي.
هذه الانتهاكات لم تكن استثناءات، بل سياسة ممنهجة لبناء “دولة القمع” على أنقاض الدولة الجمهورية.
ثالثًا: المرأة تحت سلطة القهر
النساء لم يسلمن من الانتهاكات، بل كنّ أهدافًا مباشرة لحملة منظمة تهدف إلى تقييد دورهن ومصادرة حقوقهن المكتسبة:
اعتقالات تعسفية لناشطات نسويات ومدافعات عن حقوق الإنسان.
فرض وصاية اجتماعية صارمة على اللباس والحركة والظهور العام.
تفكيك المنظمات النسوية، وحظر أي نشاط يُنظر إليه كمخالف لـ”قيم الجماعة”.
والأسوأ أن الاعتداء على النساء لم يعد من المحرّمات، بل أداة لإسكات كل صوت أنثوي يطالب بالكرامة.
رابعًا: القضاء.. أداة للانتقام لا العدالة
حوّل الحوثيون النظام القضائي إلى ذراع أمنية بحتة، تشرّع الاعتقالات وتبرر القمع.
تم استبدال القضاة المستقلين بآخرين موالين للجماعة.
صُدرت أحكام بالإعدام على خلفيات سياسية، وبعضها استُخدم كورقة تفاوض في صفقات تبادل أسرى.
تم تغييب العدالة تمامًا في قضايا الصحفيين والمعارضين، بل أصبحت المحاكم أداة للتنكيل لا الإنصاف.
خاتمة: العالم لا يجب أن يصمت
ما يحدث في مناطق سيطرة الحوثيين ليس مجرد خلاف سياسي، بل انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
على المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ألا تكتفي ببيانات الإدانة، بل أن تدفع نحو تحقيقات مستقلة، ومساءلة مسؤولي الجماعة أمام المحاكم الدولية.
حقوق الإنسان لا تُمنح من الجماعات، بل تُصان بالقانون. وصمت العالم عن القمع الحوثي، هو تواطؤ ناعم في خنق الحريات في اليمن