حقوق الأقليات في سوريا: سؤال المواطنة المؤجل بقلم: منير عز الدين

  • منير عز الدين AF
  • منذ أسبوعين - Tuesday 29 April 2025

حقوق الأقليات في سوريا: سؤال المواطنة المؤجل  بقلم: منير عز الدين

AF

 

في سوريا، كما في كثير من الدول العربية، لا تُطرح مسألة حقوق الأقليات بوصفها قضية عدالة مواطنية، بل كمعادلة أمنية أو توازن سياسي هش. منذ تأسيس الدولة السورية الحديثة، ارتبطت علاقة الأقليات—الدينية، والطائفية، والقومية—بمنطق الدولة على أساس التوظيف لا التمكين، وعلى أساس الولاء لا المساواة.

 

 

 

تاريخ هش من الاعتراف والإنكار

 

 

 

سوريا بلد غني بالتنوع. يقطنها عرب وأكراد وآشوريون وتركمان وشركس، ويعيش فيها المسلم والمسيحي والإيزيدي والعلوي والدرزي والاسماعيلي. لكن هذا التنوع، بدل أن يتحول إلى مصدر قوة، ظل يُدار بنهج قائم على الشك والتمييز، في ظل غياب مشروع وطني جامع يضمن حقوق المواطنة الكاملة لجميع السوريين.

 


في خمسينيات القرن الماضي، ورغم بروز خطاب قومي وحدوي، بقي الأكراد محرومين من أبسط حقوقهم، كالحصول على الجنسية والتعليم بلغتهم. أما المسيحيون والدروز والعلويون فوجدوا أنفسهم في موقع قلق: يُستخدمون أحيانًا كأدوات توازن في معادلة الدولة، لكن دون اعتراف صريح بهويتهم وحقوقهم كشركاء متساوين.

 

 

نظام الأسد: الحماية المشروطة

 

 

 

مع وصول حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970، بدا للوهلة الأولى أن الأقليات الطائفية، لا سيما العلويين، باتت جزءًا من السلطة. لكن ما حدث فعليًا لم يكن تمثيلًا طائفيًا، بل احتكارًا سلطويًا ألبس الطائفة ثوب الدولة، دون أن يمنحها حقوقًا فعلية. استخدم النظام الأقليات كخط دفاع عن نفسه، في مقابل اتهامات الأغلبية بالتمرد أو “الأصولية”. وهكذا، اختزلت الهوية الوطنية إلى لعبة اصطفاف، لا مشروع مواطنة.

 

 

 

ما بعد الثورة: الأقليات بين المطرقة والسندان

 

 

 

بعد 2011، سقطت الأقنعة. وُضعت الأقليات في الزاوية: إما مع النظام أو ضد الوطن. وقع الأكراد بين مطرقة النظام وسندان المعارضة، بينما وجدت كثير من الطوائف الدينية نفسها خائفة من التغيير، فتقوقع بعضها في خطاب الحماية.

 


لكن في المقابل، ظهرت محاولات جادة لبناء خطاب مدني جديد، خاصة من قبل ناشطين كرد وسريان ومسيحيين وعرب، يطالبون بدولة قانون، لا دولة مكونات. إلا أن الواقع العسكري والمناطقي والإقليمي قسّم الأرض أكثر، وأجّل الإجابة على السؤال الأصعب: هل يمكن أن نكون جميعًا سوريين متساوين؟

 

 

 

الطريق إلى المساواة: ما العمل؟

 

 

 

لكي لا تتحول سوريا إلى أرخبيل طوائف وقوميات، لا بد من:

 


إقرار مبدأ المواطنة المتساوية دستوريًا، بحيث لا تُعرَّف الدولة بدين أو قومية، بل بحقوق كل فرد.
الاعتراف باللغات والثقافات القومية، خاصة الكردية والآشورية، كجزء من هوية سوريا الجامعة.
إلغاء كل أشكال التمييز في التعليم، والإعلام، والقانون، والتوظيف العام.
فتح المجال أمام تمثيل سياسي عادل يراعي الخصوصية دون أن يعيد إنتاج المحاصصة.

 

 


لا يمكن بناء وطن من دون الاعتراف بالآخر، لا بوصفه “أقلية” بحاجة لحماية، بل شريكًا كاملاً له ما لك وعليه ما عليك.

 

 

 

 


في النهاية، تبقى حقوق الأقليات في سوريا ليست قضية أقلية، بل اختبارًا لضمير الأغلبية، ولجوهر مشروع الدولة ذاته: هل هي دولة طائفة؟ أم دولة مواطن