الحرية الشخصية بين الوصاية والخوف: كيف نربي الفرد على أن يكون ظله؟ بقلم: طارق المهدي

  • طارق المهدي- القاهرة AF
  • منذ أسبوعين - Tuesday 29 April 2025

الحرية الشخصية بين الوصاية والخوف: كيف نربي الفرد على أن يكون ظله؟  بقلم: طارق المهدي

AF

 


الحرية الشخصية بين الوصاية والخوف: كيف نربي الفرد على أن يكون ظله؟

 

 

 

بقلم: طارق المهدي

 

 

 

لا توجد كلمة أُفرِغت من معناها كما أُفرِغت “الحرية الشخصية” في مجتمعاتنا.

يُقال إنها مضمونة، محفوظة، ومُحترَمة، لكنها في الواقع محاطة بسياج من الخوف، والمراقبة، والشك، والوصاية.

نقول للناس “أنت حر”، ثم ننتفض عليهم حين يختلفون معنا.

نبارك “الاختيار”، ما لم يمسّ عاداتنا، أو معتقداتنا، أو ما ارتحنا إليه ولو بلا وعي.

 


كبرتُ في بيت يفتخر بأنه “منفتح”. نناقش، نضحك، نختلف. لكنني كنت أدرك أن هذا الانفتاح مشروط. هناك حدود غير مكتوبة. لا يهم كم درست أو كم أنجحت، هناك دائمًا لحظة يُقال لي فيها: “إحنا مش مجتمع غربي!”

وكأن الحرية فيروس غربي يجب عزلُه.

 


الحرية الشخصية في السياق العربي تبدو دائمًا كأنها ترف، أو تهديد. لا تُعامل كحقّ فردي، بل كخطر جماعي.

المرأة التي تختار شكل حياتها — سواء بالحجاب أو بدونه — تُحاسب على أنها “رسالة”.

الرجل الذي يعبّر عن مشاعره أو يبكي أو يرفض تقاليدًا معينة، يُسخر منه وكأنه “انحرف”.

نعيش في منظومة تربط الحرية بـ”الانفلات”، والاختيار بـ”الوقاحة”.

 


الحقيقة أن الخوف هو الحاكم الأول.

الخوف من كلام الناس، من فقدان السيطرة، من أن تخرج الحياة عن النص.

نحن لا نربّي أبناءنا على أن يكونوا أحرارًا، بل على أن يكونوا “مقبولين”، “مضبوطين”، لا يحرجوننا، لا يختلفون عنا كثيرًا.

نحن نُعلّم الطفل أن يستأذن قبل أن يفكر. أن يكون ظلًا، لا ذاتًا.

 


الحرية الشخصية لا تعني الفوضى. بل تعني أن للفرد كرامته، وقراره، وحدوده.

أن للناس الحق أن يعيشوا الحياة التي تليق بأحلامهم، لا التي نختارها نحن لهم.

أن نتحمّل فكرة أن الآخر ليس امتدادًا لنا، بل كيان مستقل.

 


نعم، هناك من يستغل الحرية بشكل خاطئ، كما هناك من يستخدم السلطة بشكل خاطئ.

لكن لا يجوز أن نحاصر حقًا إنسانيًا لمجرد خوفنا من إساءة استخدامه.

 


التحضر لا يقاس بعدد الأبراج، ولا بكمّ القوانين، بل بقدرتنا على احترام حق الآخرين في أن يكونوا ما يريدون — طالما لم يعتدوا على أحد.

المجتمع الناضج لا يراقب خيارات أفراده، بل يحميها.

 


أنا رجل عربي، وأقولها بصوتٍ واضح:

الحرية الشخصية ليست تهديدًا لهويتنا. إنها اختبار نضجنا الحقيقي