منذ شهر - Tuesday 29 April 2025
AF
الحرية الأنثوية ليست تمردًا:
من المهم أن نبدأ بالحديث عن كيف يخطئ الكثيرون في فهم معنى “الحرية الأنثوية”. يظن البعض أن التحرر يعني الانفلات من القيم أو الخروج عن الأعراف الاجتماعية. لكن الحقيقة هي أن الحرية الأنثوية ليست ناتجة عن رغبة في تمرد، بل هي استجابة حتمية للأوضاع القمعية التي مرت بها المرأة عبر التاريخ.
فالمرأة في المجتمعات التقليدية كانت تُفرض عليها حدود كبيرة، بدءًا من خياراتها في التعليم، وصولاً إلى نوع الحياة التي تستطيع أن تعيشها. الحرية الأنثوية هي الفضاء الذي تخرج منه المرأة من تحت تأثير تلك القيود، وهي عملية تُعطيها الفرصة لإعادة بناء نفسها بناءً على اختياراتها الخاصة.
التحرر والتاريخ:
عبر العصور، كان للحرية الأنثوية أشكال متعددة. في الماضي، لم يكن للمرأة الحق في امتلاك الأموال أو اتخاذ القرارات الهامة المتعلقة بحياتها. لكن بمرور الوقت، بدأت النساء في جميع أنحاء العالم، وخاصة في القرن العشرين، يطالبن بحقوقهن الأساسية.
على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، حصلت النساء على الحق في التصويت في عام 1920 بفضل حركات نسائية قوية. لكن المعركة لم تنتهِ هنا؛ بل استمرت لتشمل مجالات التعليم والعمل والمساواة القانونية. ومن هنا، بدأ مفهوم الحرية الأنثوية يأخذ طابعًا أوسع، ليشمل الحق في اتخاذ القرارات المهنية والعاطفية والمالية.
الحرية الأنثوية في المجتمعات العربية:
في العالم العربي، كان للمرأة تاريخ طويل من التحديات في تحقيق حريتها. في العديد من الدول العربية، مثل السعودية والإمارات ومصر، بدأت المرأة في السنوات الأخيرة في الحصول على مزيد من الحقوق في مجالات التعليم والعمل والقيادة. ورغم أن هناك تقدمًا ملحوظًا في هذه المجالات، إلا أن التحديات لا تزال قائمة.
على سبيل المثال، في السعودية، تم السماح للمرأة بقيادة السيارة في عام 2018، وهو حدث تاريخي بعد سنوات طويلة من الحظر. ولكن حتى مع هذا التقدم، لا تزال النساء في العديد من الدول العربية يواجهن صعوبة في الحصول على الفرص نفسها مثل الرجال، سواء في التعليم أو العمل أو في اتخاذ القرارات الحياتية الهامة.
وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020، فإن الفجوة بين الجنسين في المنطقة العربية لا تزال كبيرة في العديد من المجالات. على الرغم من وجود تحسن في معدلات التعليم بين النساء، إلا أنهن لا يمثلن سوى 20% من القوى العاملة في بعض الدول، ويعانين من ضعف في المشاركة في الحياة السياسية، حيث لا تتجاوز نسبة النساء في البرلمانات العربية 10% في المتوسط.
الحرية هي حق المرأة في اختيار ما تريده لحياتها:
الحرية تعني أن تكون المرأة قادرة على اتخاذ قراراتها دون خوف من العواقب. هذا يشمل اختيار مسارها المهني، تحديد نوع العلاقات التي ترغب فيها، وحتى اتخاذ قراراتها المالية. لكن كيف يمكننا تمكين المرأة من اختيار هذه القرارات بحرية؟
في دراسة حديثة نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في 2021، تبين أن النساء في الدول التي تتمتع ببيئة قانونية واجتماعية أكثر دعمًا للحرية الفردية، مثل الدنمارك والنرويج والسويد، يتمتعن بمستويات أعلى من الثقة في اتخاذ قرارات حياتهن، ولديهن أيضًا مستويات أعلى من الرضا الوظيفي والحياة بشكل عام.
وفي دول أخرى، مثل الهند وباكستان ومصر، تواجه النساء تحديات كبيرة في الحصول على فرص متساوية. وفقًا لدراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في 2020، كانت 60% من النساء في بعض المناطق الريفية في الدول النامية يواجهن صعوبة في الحصول على تعليم عالٍ، بسبب الضغوط المجتمعية التي تحد من حريتهن في الاختيار.
الحرية العاطفية والعلاقات:
من أهم جوانب الحرية الأنثوية هي حرية المرأة في اختيار شريك حياتها. لكن هذه الحرية ليست محصورة في مجرد اختيار من تحب، بل تتعلق أيضًا بقدرتها على تحديد نوع العلاقة التي تريدها.
في دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية حول العنف العاطفي في العلاقات، تبين أن 41% من النساء في العالم العربي عانين من شكل من أشكال العنف العاطفي في علاقاتهن. هذا العنف يمكن أن يكون نفسيًا أو لفظيًا، ويمنع المرأة من التعبير عن نفسها بحرية في العلاقة.
عندما تكون المرأة حرة، فإنها لا تتسامح مع العلاقات السامة أو التي تحد من قدرتها على النمو. إنها قادرة على الوقوف والاختيار بين البقاء في علاقة تؤذيها أو مغادرتها لبناء حياة أفضل. في هذه الحالة، تتحقق الحرية العاطفية، وهي جزء أساسي من الحرية الأنثوية.
أهمية التعليم في تمكين الحرية الأنثوية:
أحد العوامل الأساسية التي تساعد المرأة على التحرر هو التعليم. فكلما زادت فرص المرأة في الحصول على تعليم جيد، زادت فرصها في تحقيق استقلالها المالي والعاطفي. لكن هناك العديد من المناطق في العالم، بما في ذلك بعض الدول العربية، حيث لا تزال النساء يعانين من عدم القدرة على الوصول إلى التعليم. في السودان على سبيل المثال، هناك ما يقارب 30% من النساء في المناطق الريفية لا يتلقين تعليمًا أساسيًا.
لكن في المقابل، تشير إحصائيات اليونسكو إلى أن المرأة المتعلمة تزداد فرصها بنسبة 50% في العثور على وظيفة مستقرة، وتحقق دخلًا أعلى مقارنة بالنساء غير المتعلمات.
الختام:
الحرية الأنثوية هي حق غير قابل للتفاوض. هي حق المرأة في أن تكون نفسها، أن تختار، أن تعيش وفقًا لرؤيتها الخاصة. وليس كما يظن البعض أن الحرية هي تمرد ضد القيم أو الأعراف. التحرر هو حق الحياة، حق النمو، حق أن تكون الأنثى حرة في كل شيء: من جسدها إلى عواطفها، من اختياراتها المهنية إلى قرارها في بناء حياة عاطفية متوازنة.
كما قلت في بداية حديثي:
الحرية الأنثوية ليست تمردًا… إنها نجاة. نجاة من القيد، نجاة من الجهل، نجاة من العنف، نجاة من التقاليد التي تحد من الإمكانيات وتحرر الروح