الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

انتصار بوتين.. أو لا عالم بدون روسيا!

  • مقال خاصAF
  • منذ سنة - Thursday 29 September 2022

منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

 

لن تسمح روسيا بانتصار الغرب عليها مرتين، فماحدث بعد الحرب العالمية الثانية ، لن يتكرر، والا ستبدو لنا دباً غبياً لا يتعلم. 

روسيا  السيدة التاريخية العريقة، لاترى نفسها في الكرسي الخلفي، بينما تمسك بعجلة القيادة سيدة فقيرة حضاريًا "الولايات المتحدة" .

 "أمريكا"  التي اعتقدت بسذاجة الابطال المنتصرين في الأفلام الامريكية ، ان الساحة أصبحت خالية لها!  ولم لا، وهي قد ازاحت خصمها الشرس، بعد حرب باردة، وحروب بالوكالة اشعلت نصف العالم.
 فهاهي تخرج منتصرة في فجر التسعينيات بعد ان دمرت الاتحاد السوفيتي، وفككته من الداخل، وذهب  لغير رجعة.

دفن جورباتشوف بدون جنارة 


وهذا حقيقي، فقبل أسابيع دفنت "موسكو" اخر رئيس للاتحاد السوفيتي "جورباتشوف" دفنته بهدوء، وودعته بدون جنازة عسكرية، شاهدتم كيف دفت بريطانيا ملكتها، بكل فخامة واحترام ووقار
هذا لم يحدث للرجل الذي اطلقت في عهده اكثر النكات السياسة عليه وعلى بلاده، فلم يعد الان الرئيس السابق لروسيا الاتحادية.

 بل هو رئيس سابق لدولة سابقة، دولة انتهت، دولة لم تعد موجودة على الخريطة، وفي هذه النقطة تحديدًا ، تتفق روسيا مع أمريكا، نعم، لقد تم دفن وتفكيك وانهاء الاتحاد السوفيتي الى الابد – ربما هذه هي نقطة الاتفاق الوحيدة بينهما- 


حظ أمريكا العاثر..مات لينين ليولد بوتين! 

النهاية المآساوية لموسكو القديمة ، لا تعني ان الخصم الشرقي الروسي انتهى، فلقد مات الاتحاد السوفيتي ، ليولد الاتحاد الروسي، ومات لينين وستالين وافكارهما ، ليأتي بوتين وأفكار دوجين.

يال حظ الامريكان العاثر، فالامور لا تجري كما في هوليود، رامبو يواجه مجددًا خصمه الشرس العنيد ، الذي اعتقد انه قتله للتو.

عادت موسكو كصداع مزمن، تعيد بناء قوتها الصاروخية، وتعيد امجادها بالتواجد العسكري كواحد من اقوى الجيوش في العالم، وكقوة نووية، هي الأهم.

عادت لتبحث عن ماضيها ، تعيد قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، وتبني التحالفات العسكرية، وتعيد بناء الاقتصاد في تكتلات اقتصادية وسياسية تضم نصف العالم مثل  " بريكس و شنجهاي "

 

العدو اللزج
بل تجرأت للحديث عن تغيير النظام العالمي، نظام مابعد الحرب العالمية الثانية ، يال دهشة الامريكان.. ماهذا العدو اللزج الذي لا يموت!!! 

لقد نجح الاعلام الأمريكي بذكاء يشهد له، بتصدير النمط الغربي الأمريكي لعقر دار الدول الاشتراكية، وتوغل داخل البيوت الشيوعية، وسخف من الأفكار اليسارية.

لقد أصبحت أمريكا البرجر، والمارلبورو هي الحلم، فالثمانينات، كانت هي قمة مجد الامريكان، وبدء انهيار الجبهة الشيوعية، الصين نفسها حولت اقتصادها لراسمالي، لتستطيع الاستمرار، اما الاتحاد السوفيتي فكان عبارة عن ألة حديدية ضخمة وصلبة، تشبه الدبابات السوفيتية القديمة
كان اثقل من ان يتغير بسرعة ، لذلك انتهى كخردة سياسية، في عالم جديد يتسع لقطب واحد، وهو القطب الراسمالي الغربي 

على حصان مفتول ورشيق الحركة، يتقدم رجل عار الصدر، بوجه جامد، وملامح ثابته، وابتسامة باردة، ويسأل ما أهمية العالم بدون روسيا!

 

حرب استعادة حدود الإمبراطورية 


تصريح غريب اطلقه فلاديمير بوتين في فبراير ٢٠٢٢، ليتضح بعد ايام انه ليس مجرد عنوان خبر، بل عقيدة روسيا العسكرية.
وفعلاً أعاد بوتين ورفاقه في كل مرة تكرير ذات الفكرة ، بأن لا مجال لخيار اخر الا الانتصار، وتنفيذ الخطة الروسية، واستعادة قوة ونفوذ روسيا، لان الامر ليس متعلق فقط باوكرانيا، بل هو اكبر واضخم

انها حرب استعادة الإمبراطورية الروسية، وتوسيع حدودها، ورفع علمها على نصف العالم دون مبالغة.
وان لم تجد روسيا المعقد الذي تريده، فهي لن تبخل بأن تكتب فصل النهاية لهذا الكوكب، الذي لا يستحق الحياة ، طالما ليس لروسيا مكان فيه.

الحرب الأوكرانية مخطط لها منذ ١٠ سنوات ..

اندلعت حرب أوكرانيا، التي يعتقد ساذج  يستلقي امام شاشات التلفزة وياكل البطيخ، انها مجرد رد فعل على استفزازات الممثل الكوميدي السابق "زيلنسكي" ، وحماسة للانضمام للناتو.

كلا، ماحدث ابعد مما يقال في ليلة سمر صيفية، او راي يتناوله الناس ببساطة ، انه حرب روسية مخطط لها منذ سنوات، لضم أوكرانيًا وتحرك الناتو هو رد الفعل وليس العكس. 

 

روسيا تخطط منذ اكثر من ١٠ سنوات، لاستعادة قوتها، ورفع سياجها الحدودي، وإعادة ضم الجمهوريات السابقة ، ولاغلاق البحر الأسود، وضم جزيرة القرم قبل ٨ سنوات، ودعم الدونباس كجمهورية انفصالية  دونباس "جنوب شرق أوكرانيا".

فكل ما سبق مجرد تمهيد روسي، لاستعادة السيطرة على هذه المنطقة كاملة، وحرب أوكرانيا اليوم هي جزء من استراتجية روسية لن تتوقف عند حدود هذه الحرب.

استراتيجية روسيا ، هي استعادة دفة القيادة، او المشاركة في عالم متعدد الأقطاب، وهو طموح مقبول، لكن من يقنع هوليوود!؟


روسيا بعد سبعة عقود ، من انتصارها في الحرب، تعيد اصلاح الخلل الذي رافق هذا الانتصار ، فهي لم تتمكن من قيادة العالم كما يليق بها كدولة كبيرة، ومنتصرة، وتاريخية، وعريقة.
حُوربت، بشكل غير مسبوق، ليس فقط عسكريًا في مناطق نفوذها في أمريكا اللاتينية واسيا، والشرق الأوسط، بل حتى في جمهوريات الاتحاد السوفيتي ، عن طريق الإعلام والأفلام 


وفي الحرب كل شيء مشروع، خرج الناس ضد أفكار الدولة الشيوعية، اليوم يستخدم الروس الايفون، وياكلون بيتزا هت في مدينة "لينينغراد" ويشاهدون أفلام توم كروز في السينما في المولات التجارية. 

 


تمامًا كما خططت أمريكا ، لكنهم يستخدمون الايفون لنشر ثقافة روسيا الجديدة ، ينشرون صورة رجل هاديء، وجامد بنظارة سوداء، وبذلة كحلية انيقة، يقف تحت الشمس بجانب انجيلا ماركل ودونالد ترامب، كأهم الزعماء في العالم، ومن خلفه علم بثلاثة الوان، يطلب من العلم الأمريكي التنحي قليلًا ليمكنه ان يرفرف بسلام.

سلام