الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

اسقاط النظام اخطر من بقائه.. خصوم ايران لا يرغبون بسقوط نظام الملالي

  • منذ سنة - Sunday 08 January 2023

اسقاط النظام اخطر من بقائه.. خصوم ايران لا يرغبون بسقوط نظام الملالي
منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

 

AF
انهيار وتصدع نظام قوي ومركزي، دون وجود بديل اقوى، يعني كارثة بكل المقاييس، لا يمكن تداركها، و" النموذج العراقي " مازال متجسدًا امامنا منذ اسقاط النظام العراقي، قبل عقدين. 

فبحسب نظريات السياسة والاجتماع ،اسقاط النظام المركزي او سقوطه، يعني تفتت الدولة، وظهور صراعات صغيرة، وموجات عنف دموية، وحينها قد لا يشمل هذا الارتداد الكارثي اطراف الدولة فقط، بل جوارها أيضًا ، وخاصة حين يكون هذا النظام انتحارياً ويملك اذرعاً قوية خارج حدوده ، وهذا هو نموذج النظام الايراني متعدد الاذرع.

 

هل يسقط نظام الملالي!

مايحدث في ايران مآساوي، فهناك جُرم، وقتل، واعتداء، واعدامات ومحاكمات غير قانونية ،،وصدام دموي بين الايرانيين، يخدم في المحصلة خصوم ايران، دون ان  يهدد بسقوط النظام الايراني، طالما لا قوة رداعة، ولا نظام بديل.  

تلك الثورة الشبابية محقة في مطالبها بلا شك ، ومخلصة لاهدافها، لكنها ليست مدعومة كبديل للنظام الحالي، الذي يبطش بها بكل اريحية ، وهو يعلم انه يتحرك في منطقة آمنة.

فالدعم الجاد لأي معارضة داخلية، يكون بالتجييش، والتسليح والتحشيد، كما حدث في سوريا مثلًا ، حين كانت امريكا والحلفاء الخليجين جادين باسقاط نظام بشار الاسد، فتحولت الثورة الى حرب دموية.

اضافة ان الدعم الخارجي، قد يسقط مشروعية الثورة الشعبية، لكنه في التاريخ السياسي مشروع، في عالم تتدخل فيه الدول القوية لتغيير السلطة في دول اخر.

فلحد الان لايحدث في ايران التدخل الذي يمكنه خلع النظام ، ومازال تدخلًا ناعمًا بشكله السياسي والاعلامي، فايران قوية كنظام ومؤسسة وسيطرة وتسليح من سوريا وقتها، وثانيًا.. لان ايران تملك اذرعاً قوية خارج حدودها، في اهم مفاصل المنطقة ، وهذا يعني ان تعلن حرباً على خصومها ان شعرت بالتهديد الامني والعسكري.

لحد الان الخصوم في " الغرب، والخليج" يستغلون الاحتجاجات الايرانية إعلاميًا ، وقد يدعمون بعض اجنحتها ببعض المال، ولكنه ليس المال الكافي ، لصنع البديل القوي.

فهم يدركون، وخبروا التجربة والنظرية التي ذكرناها بداية المقال،  عن نتائج سقوط النظام المركزي ، وارتداده المدمر، طالما لايوجد بديل قوي، بل اقوى من النظام الحالي.

لذا يبدو النظام الايراني الحالي بكل مساوئه، وبطشه، بل حتى وتهديده للجوار،  افضل الخيارات امام خصومه، الذين يستفيدون من كل موجة احتجاجات للضغط عليه، ولاستغلال دماء الايرانيين البريئة ، لتحقيق مكاسب يمكن اخذها من إيران.

 

اضف لذلك ان عقيدة ايران، بغض النظر عن نوعية واتجاه النظام تقوم دائمًا على السيطرة على الاقليم، وتمديد النفوذ، فهكذا كان الشاه وكذلك النظام الحالي، وعليه سيكون اي نظام قادم، لان ايران دولة وامة معزولة عن محيطها، وتحتاج لتقوية نفوذها، وسيطرتها خارج حدودها لحل هذه الاشكالية التي تهدد وجودياً . 

ايران بعد الاحتجاجات ، باتت تدرك حجم التنازلات المطلوبة ، فبعد ان اتهمت السعودية بدعم الاحتجاجات اعلامياً ، تقدمت خطوة لتقدم تنازلًا إعلاميًا برغبتها باستكمال المباحثات وتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع الجارة الخليجية.

وهو الاعلان الايراني الذي قُوبل ببرود وصمت سعودي، فالمعركة بين الجارين الخليجيين، مازالت طويلة ، حتى وان استئنفت المفاوضات بينهما ، ولا افق جاد لحلها على المدى المنظور بل قد يتطور الصراع بشكل درامتيكي ومفاجئ. 

بديل النظام الايراني 

ربما لم تسع امريكا لايجاد بديل قوي، او ربما لا تقدر على  ذلك،  فكل البدلاء حالياً سواء المعارضة في الخارج ، او الرافضين في الداخل حتى من داخل أجنحة الحكم الايراني نفسه، مازالوا اقل قوة امنية وعسكرية،  وحتى مالية من نظام الحرس الثوري.

فالمعارضة الداخلية أقوى من تلك الخارجية، واكثر تأثيراً ، وتهديداً للنظام ، واستمرارها طوال هذا الوقت، يضغط كثيرًا على الحكم القوي، ويعمل على اضعاف الحكم  مع مرور الوقت. 

ولا يمكن مقارنة الاحتجاجات الحالية، بتلك التي اندلعت ضد شاه ايران قبل اربعة عقود، فوقتها كانت المعادلة الدولية مختلفة، وبرغم انها اسقطت الشاه بالاحتجاجات السلمية دون تسليح وتحشيد، لكنها اتسقت مع رغبة دولية، بينما لا توجد رغبة دولية لتكرار ذلك اليوم، بدليل عدم تحضير بديل قوي، او زعامة شعبية.

وقتها لم  تتحول الثورة الى حرب ، لكنها اعطت الاسلاميين فرصة السيطرة بالقوة، بدعم دولي - امريكي  ، حتى لا يسيطر المعسكر الروسي على ايران الجديدة من خلال اليساريين

برغم  انها كانت ثورة كل طوائف الشعب الايراني من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، ولم تكن ثورة الاسلاميين فقط، لكن تم اقصاء اليسار الايراني حتى اليوم، ولم يعد بديلًا قويًا للنظام الاسلامي. 

النظام الدولي الجديد 

وقتها كانت المعادلة الدولية بين معسكرين روسي وامريكي، لكنها اليوم تندلع مع عودة القطب الروسي، لكنه مازال اضعف مما كان عليه، ولم تبدأ ملامح النظام الجديد بالظهور بعد!

ولعل احدى ملامح النظام العالمي الجديد ، تغير شكل واتجاهات النظام الايراني الحالي ، لكن الاقرب للتوقع ان يكون تغييراً من داخله ، دون ان يعني ذلك سقوط النظام، او انهيار الدولة.

ربما تخرج الامور عن السيطرة، فالكل يراقب، ولايبدو ان هناك طرف جاد يود اخذ الخطوة الجريئة باسقاط نظام واستبدال اخر، كما فعلوا في العراق قبل ثلاثة عقود، وذلك لانهم ببساطة لايريدون تكرار تجربة العراق.


ماذا سيحدث ان سقط النظام الايراني 

اسقاط او سقوط النظام الايراني، سيجرف المنطقة في موجات عنف اشد، مما هي الان، ولن تبق الفوضى والاضطرابات والصراعات الدموية داخل حدود ايران، لسبب بسيط وهو ان " نظام الحرس الثوري"  لايتواجد فقط داخل حدود ايران، ومازال يملك القوة البديلة ، وهو اقوى من الجيش الايراني نفسه. 

تهديده الحقيقي في المنطقة قائم، سواء سقط او لم يسقط، فلا يمكن ان يتنازل عن الحكم بهدوء ويسلم سلاحه، ويصمت حلفاؤه في الاقليم، وتمضي الامور كما تريد امريكا او السعودية ، وتستلم الحكم سلطة حليفة، وتمضي الامور بسلام.

فعلى مدى السنوات الماضية ضرب النظام الايراني السعودية وهاجمها بالصواريخ ، عبر حلفائه واذرعه، وهو لا يشعر بأي تهديد، وكذلك فعل بالقواعد العسكرية الامريكية والمصالح والسفن الحربية ، فمالذي سيفعله ان  تأكد ان سقوطه صار محتماً او محتملًا! 

بنك اهداف سعودي

طالما هدد بضرب  المدن والمصالح والاهداف السعودية ، مما يشي بوجود بنك اهداف سعودي  وضعته ايران، ليكون في مرمى الصواريخ والطائرات الايرانية، وهذا تهديد ايراني صريح من الحرس الثوري، خرج اكثر من مرة، بشكل فج وواضح ووقح.

لقد ضمنت ايران حياد كل دول الخليج تقريبًا بما فيها الامارات المتحدة ، وليس هناك في خانة المواجهة،  الا السعودية التي ما تزال تواجه النفوذ الايراني، وتسعى لمنافسته والتغلب عليه، في اليمن والعراق. 

الامر لن يقتصر على بنك الاهداف السعودية ، بل هي فرصة لضرب المصالح والقواعد الامريكية والاسرائيلية، في مهمة شبه انتحارية!

فايران تتخذ من اليمن ولبنان والعراق منصات اطلاق، وهذا يحميها ممن يفكر باسقاط نظامها ، بلا شك انه نظام متجذر وعنيف، ويمكنه الصمود امام سلسة احتجاجات من هذا النوع!

احتجاجات يروح ضحيتها شباب ايران نساء ورجال، لكن هل يمكن سقوط النظام من داخله! بمعنى انقلاب داخلي وتغليب جناح على اخر! يبدو هذا السيناريو بعيد التحقق ايضاً ، لان القوة العسكرية والامنية بيد الجناح المتشدد.

ان كانت هذه هي السيناريوهات المحتملة ، فمالذي تريده السعودية مثلًا او امريكا من النظام الحالي؟ ان كانوا لا يراهنون على اسقاطه! ربما يتوقعون تقليم اظافره ليتحول الى نظام آمن وصديق وحليف!

امر يمكن حدوثه مع السعودية بمعزل عن امريكا ، اذا نجحت المفاوضات بينهما لتحويلهما لجبهة شرقية واحدة، بتكامل اقتصادي وتعاون تجاري، وتطبيع علاقات سياسية تصل لحد الشراكة!

وهذا مرهون بأن يكف النظام الايراني عن كونه نظام يمكنه تهديد الجوار، وهنا نسأل ماذا لو كانت هذه المظاهرات العنيفة في احدى دول الخليج في السعودية مثلًا! كم كانت ستصمد الرياض!

السؤال بالعكس

ماذا لو فكرت طهران باسقاط الرياض؟ هل يمكنها فعل ذلك، ام انه صعب عليها؟

اعتقد ان ادراك الرياض أن طهران يمكنها فعل ذلك ، يجعلها تتعجل انهاء الحكم الإيراني بشكله الحالي، لكنها في الوقت نفسه تدرك..  ان البديل اكثر كلفة، وليس اقل خطرًا ..