بن مسيبع يكتب عن .. إضطراب "الكمير" في شبوة

  • منذ سنة - Wednesday 31 August 2022

بن مسيبع يكتب عن .. إضطراب "الكمير" في شبوة
الكاسر بن مسيبع
كاتب يمني مستقل 


إضطراب "الكمير" في شبوة

مقال | الكاسر بن مُسيبع

‏بعد سبع سنوات من إعلان عملية "عاصفة الحزم" التي كان عنوانها إعادة الحكم الشرعي للرئيس هادي، في السابع من يوليو صحى اليمنيين في ليلة رمضانية على تحول هام، حيث أصبح هادي فجأة بلا أي مقدمات يُسمى بنشرات الأخبار "الرئيس السابق"، بهدوء وسلاسة، تم إبعاد هادي من المشهد بلحظة واحدة، وإبراز رشاد العليمي كرجل للمرحلة الجديدة، الذي جاء معلناً عن "مجلس القيادة الرئاسي" كإعلان تحالف رسمي بين الأطراف المناوئة للحوثيين والموالية للتحالف العربي، على أمل أن يساهم إعلان هذا الكيان بتوحيد الرؤى والعمل، لكن إتضح أن ذلك غير صحيح، لأنه وبشكل عام كل التحالفات السياسية اليمنية في العقد الأخير لا قيمة لها، حيث أن إشارات عدم الإلتزام بالمبادئ التأسيسية للتحالف تأتي غالباً بعد إعلان التحالف مباشرة!
فكلما شعر طرف من أطراف التحالف بالقوة، يبدأ بالتحرك للإستئثار بالقرارات ويقصي الآخرين، وذلك لأن أطراف هذا الكيان ليست متوافقة بالأساس، ولا تملك ثوابت مشتركة، وختلف في كل شيء، ولم تنخرط في إطار هذا الكيان بإرادة حقيقية لتوحيد الصف، بل كمجاملة ومسايرة للضغوط الأجنبية التي فرضت عليهم هذا الأمر.

وتداعيات هذا الأمر، ظهرت جلية في الأحداث الأخيرة في شبوة، فلولا سوء التنسيق وعدم وجود توافق حول كيفية حل التوتر بين قائد القوات الخاصة السابق "لعكب" والسلطة المحلية بمحافظة شبوة ما كان ليحصل ما حصل، لأنه لم يكن هناك أي توافق بين أطراف المجلس الرئاسي، وكان هناك إختلاف حول مقترح الإطاحة بلعكب، ليقوم بعدها محافظ شبوة بإصدار قرار بتغيير لعكب، وذلك بعد أن رأى أنه لن يصدر المجلس الرئاسي أي ردة فعل، وسيبقى على وضعية "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم"، وهذا ما إستغله لعكب ملوحاً بعدم تسليم سلطته وصلاحياته لخليفته إلا بموجب قرار من السلطة العليا، المجلس الرئاسي أو وزارة الداخلية، وهو ما لم يحصل، بل أن وزير الداخلية "ابراهيم حيدان" رفض هذا قرار محافظ شبوة "عوض الوزير" وأصدر مذكرة تنص على بقاء لعكب في منصبه، لتتفجر بعدها الأوضاع ويحصل ما حصل، وبعد سيول الدماء والأحداث المأساوية، يقوم المجلس الرئاسي بما كان يجب أن يقوم به مسبقاً، وهو إتخاذ الموقف الحازم، فأعلن عدة قرارات كان أبرزها تعيين قائد جديد للقوات الخاصة بمحافظة شبوة وإزاحة لعكب !
لعل هذا التخبط الواضح، دلالة على مدى التشظي العميق في هذا الكيان حديث الولادة، الذي لم يولد بشكل سليم، بل وُلد كمسخ مشوه، أشبه بالمخلوق اليوناني الأسطوري "الـ‏كـمـيـر"، الذي يُعرف بغرابته كونه خُلق بهيئة غير متجانسة، حيث أن كل جزء من جسمه مكون من حيوانات مختلفة، وكان يُذكر للدلالة على الوهم أو السراب أو حلم لا سبيل لتحقيقه، ولعل هذا الحلم أو الوهم الذي كان يلهث وراءه البعض من ميلاد هذا الكيان هو ما يسموه "توحيد الصف الجمهوري" .

لهذا، يبقى "مجلس الكمير" كيان هش، بل وقد يكون معزز للإنقسامات والفوضى، بدلاً من تطبيع الحياة وخلق مناخ هادئ بين الأطراف الناشطة في جنوب اليمن والأجزاء الصغيرة المتبقية من الشمال، وهذا كله لإنه لم يُبنى بساس قوي ومتين، بل بُني كطبخة سريعة أعدها الداعمين الإقليميين، دون موازنة بين مكونات هذه الطبخة.

وفقاً لكل ما ورد، أصبح من الواجب على مجلس القيادة الرئاسي لتفادي إنزلاق الأوضاع إلى ما لا يُحمد عقباه أن يقوم بالتفاهم بوضوح وصراحة مع قيادتي التحالف - الاماراتية والسعودية - حول العلاقة بينهما وكيفية العمل المشترك، وأيضاً السعي لخلق نظام عمل بيروقراطي قوي ومعقد لهذا المجلس، بحيث تمنع هذه البيروقراطية من خلق وضع يسمح بإستئثار أي طرف على المجلس وتوظيفه لمصلحته، وإقصاء الأطراف الأخرى، وهذا الذي بدوره يزعزع إستقرار المجلس، والمناطق الواقعة تحت نطاق نفوذه؛ لذا تعزيز التنسيق والتشاور في العمل، وخلق آلية عمل بيروقراطية صعبة ومعقدة، لا يصب في مصلحة المجلس الرئاسي ليتماسك ويبقى فقط، بل يصب في مصلحة الحياة المدنية أيضاً، ويهيئ لتطبيع الحياة وعودة الإستقرار ولو نسبياً، تمهيداً لمفاوضات الحل السياسي الشامل المرتقبة، وإتفاقية السلام النهائية وإنهاء الحرب .