الرئيسية المواضيع تدوير الزوايا

ماذا بعد نقص المخزون الاستراتيجي..؟!

  • منذ سنة - Sunday 25 December 2022

ماذا بعد نقص المخزون الاستراتيجي..؟!

 

نفدت المخزونات الاستراتيجية دراماتيكيًا،الطرفان ليسا بحالة أفضل من بعضهما البعض. 

عبدالرحمن قبعة -AF

شنت روسيا عميلتها العسكرية ظنًا منها بالحسم السريع في غضون أيام،وقدم الغرب ـ بقيادة الولايات المتحدة ـ الدعم اعتقادًا منهم أنهُ سيكون لمرةٍ واحدةٍ أو مرتين..

تفكيرٌ قاصر:

لا يتميز العقل الغربي بأي ميزةٍ عن غيره في الشرق؛ فهو يُخطئ ويُصيب،وقراراتهم ليست دائمًا صحيحة. فقد اعتقد الأمريكان أن أوكرانيا بؤرةٌ مواتية لاستنزاف روسيا،وتشبه لحدٍ ما أفغانستان التي كانت إحدى أسباب تفكك الاتحاد السوفيتي. والفرق ما بين هذه وتلك بسيطٌ جدًّا؛ أفغانستان دولةٌ شرقية ـ إسلامية،وأوكرانيا دولةٌ غربية،فدعم الأولى بالأسلحة كان ممولاً من دول الخليج،حيثُ كان تقديم السلاح لطالبان يُمثل عملية استثمارية،استفادت منها الشركات الغربية،علمًا أن ذلك الدعم كان محدودًا بعض الشيء،واقتصر على تقديم الأسلحة الخفيفة وأحيانًا المتوسطة.أما أوكرانيا فهي حالةٌ مختلفة،دعمها لا يتوقف عند سلاحٍ مُعين،وتمويل صناعتها لا يُموله أحد؛ إذ أن التكاليف تقع على الغرب أنفسهم،والسلاح المُقدم يأتي متوافقًا مع حاجة ميادين القتال،القيادات العسكرية الأوكرانية هي من تُحدد ما تريد من سلاح. في ظل هذا نفدت بعض أنواع الأسلحة لدى الغرب،فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً استفرغت خط الامداد الثالث،ولم يبق لها سوى الأول والثاني؛ واستمرار تقديمها للسلاح لأوكرانيا سيجعلها عاجزة عن المواجهة عسكريًا في المستقبل في حالة حدوث صدامٍ مع روسيا؛ عزو ذلك أن إعادة إنتاج الأسلحة التي دفعت بها للأوكران يتطلب من ستة (6 - 12) لاثني عشر شهرًا لصناعتها،فالأمر ليس بالهين،ويشكل كارثة استراتيجية في دفاعاتها.

خطئية الغرب باعتبار أوكرانيا بؤرة شبيهة لأفغانستان لا تغتفر؛ فهُم لم يأخذوا بالحسبان الفروقات:الزمنية،والمكانية،والنوعية،وحالة العدو،والتقدير المستقبلي؛ ما جعلهم في حرجٍ يُعانون منه بصمتٍ دون درايةٍ شعبية.

لو كان الغرب فكر قليلاً قبل تصعيد الموقف،عند مُقارنته بين: أفغانستان،وأوكرانيا؛ لكان أدرك أن عوامل سقوط الاتحاد السوفيتي ـ روسيا ـ كانت مُتعددة،وليست الحركات الأفغانية هي العامل المُهم في سقوط الاتحاد.

تبايناتٌ استراتيجية:

حسنًا؛ روسيا في حالة حربٍ مع أوكرانيا؛ ولجوءها لاستيراد الأسلحة من إيران أو كوريا الشمالية،ليس عقبة استراتيجية أمامها؛ لأنها تُحارب وبحاجةٍ للسلاح ريثما تجد بديلاً للتكنولوجيا المحظورة عنها بسبب العقوبات الغربية،لتقوم بعدها على إنتاج الأسلحة. حيثُ أنها لديها مساحة واسعة لتفعيل قانون الطوارئ،وإعلان حالة التعبئة العامة؛ من أجل تحويل مصانعها المدنية إلى عسكرية،ولن تواجه أي اعتراض على ذلك؛ لأنها إذا لم تفعل فأمنها القومي في خطرٍ مُحدق.

الغرب في استقرار وأمان،ويواجهون حالة رفض شعبية كبيرة إزاء تصعيدهم للوضع مع روسيا..

ليس بإمكانهم صناعة أكثر مما يصنعون من الأسلحة؛ ونقصانها المُزايد لا يُمكن تعويضه إلا بافتتاح مصانع جديدة،أو تحويل المدنية منها لعسكرية،وهذه لن تتحقق في ظل وضعهم الراهن.

خياران لا ثالث لهما!

أدركت روسيا روعنتها حالما وصل لقيادة الجيش "سرغي سوروفيكين"،الذي غير من الاستراتيجية الحربية. مُعتبرًا الحرب ليست مجرد عملية عسكرية؛ يذهب الجيش الروسي لشنها كأنها في نقاهةٍ ومن ثم يعود بعد تحقيق أهدافه؛ الأمر الذي جعل هذا القائد الروسي ـ المعروف بدمويته ـ بإحداث تكتيكاتٍ جديدة،كَتعديل مسيرة القتال من المواجهة المباشرة إلى التمترس الثابت،في أنفاق ومخابئ سرية؛ معتمدًا على قوات المدفعية لدك قوات العدو.إضافةً لهذا ـ من أجل حفظ الروح المعنوية للجنود ـ أمر بالانسحاب من خيرسون،والتركيز على جبهاتٍ أخرى؛ بغرض إحداث تراخٍ لدى الخصم. ومن جهةٍ أخرى: انهاك الخصم عبر استهداف البنية التحتية،فهوَ اختار الأساس المقوِّم لها،الذي يُعتبر شريانها جميعًا،وهو الطاقة (الكهرباء) وبدأ باستهدافه؛ فتعطيل الكهرباء سيضر بالبنية التحتية كاملةً،فالمصانع تتوقف عن الانتاج،والمستشفيات والمدارس والجامعات ستتضرر،ناهيك عن الانترنت الذي بانقطاعه سينعزل الشعب عن العالم. وهذه الخطة سينجم عنها: الناس تضيق ذرعًا وينصب تفكيرها نحو الهجرة؛ بحثًا عن مقومات الحياة،وهذا أولاً. الحكومة لن تتمكن من صناعة الذخائر أو القيام باجراءات الصيانة لآلتها العسكرية؛ وذلك لأن المصانع بحاجةٍ للكهرباء. ثالثًا وأخيرًا؛ الجنود تتراجع عزيمتهم القتالية؛ كونهم يرون بأيديهم أسلحةً تتدنى فعاليتها،وتاركين أهاليهم في قلقٍ ورعب وخوف.
ومنذُ بدء سريان هذه الخطة مُذ شهرين،والمعاناة بدأت تسري مفعولها،والخيارات الأوكرانية تتضاءل؛ رغم ذلك فالطموحات تكبر شيئًا فشيئًا،فبدلاً عما كانت عليه من مفاوضاتٍ على حدود ماقبل 24 فبراير،صار لدى الأوكران قناعة بعد جدواها،ولن يفاوضوا روسيا إلا على حدود 1991م.

 

 

هذه الطموحات المقابلة للخيارات؛ كأنها معادلةٌ عكسية،تتزايد مقابل تقلص الجزء الآخر للمعادلة؛ ليصبح الخيار العسكري هو الحل؛ شريطة الدعم العسكري الغربي لإمضائه.

ومن هُنا أتت المطالبات الأوكرانية للغرب بتقديم منظومات الدفاع الجوي لها؛ لتحمي البنية التحتية،وتعزز من كفاءاتها القتالية.

الأمر الذي وضع الغرب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تقديم الدعم الذي تطلبه أوكرانيا؛ مما سينقص مخزوناتهم أكثر،ويجعلهم في صدامٍ مُباشر مع روسيا؛ خاصةً بعد التهديدات الروسية الأخيرة التي أعقبت وصول "بطاريات الباتريوت" الأمريكية لأوكرانيا.حيثُ هددت روسيا بتكثيف حربها واستهداف البُنى التحتية أكثر،وذهابها لإجراء مناوراتٍ عسكرية في "بيلاروسيا" في إشارة منها لتوسيع الحرب وإخراجها من أوكرانيا؛ الأمر الذي أثار المخاوف الغربية. الخيار الثاني: عدم تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا؛ الأمر الذي سيؤدي إلى انهزام هذه الأخيرة،ومن ثم تحقيق روسيا لأهدافها؛ مما سيضرب حاكمية الولايات المتحدة للعالم،الحاكمية القائمة على الأحادية القطبية.
ولهذا دواعٍ أخرى منها: تمكين الدول الطامعة بنظامٍ عالمي متعدد للعب دورًا بارزًا على حساب الولايات المتحدة،لعل الصين هي الأبرز والتي ستتنفس الصعداء ويزول عنها الخوف من احتمالية اندفاع الولايات المتحدة لحماية تايوان إن قررت غزوها.

خياران صعبان ولكنهما لن يثنيا الغرب ـ الولايات المتحدة خاصة ـ على ترك الأمر مترهلاً كهذا،بين خيارين إما..أو..؛ ولابد من مراجعةٍ للمواقف والحسابات. 

لا صدامًا نوويًا مع روسيا،ولا تركًا كاملاً لأوكرانيا في مواجهة قدرها المحتوم.

جميع المؤشرات حاليًا تشير لتخبطٍ سياسي ـ غربي،وتناقضٍ في الآراء والقرارات،واختلافٍ ليس لهُ من اتفاق متحد..؛ ولكن هذا بأكمله سيُعاد قراءته لبناء استراتيجية جديدة. واستطيع القول إن الذهاب في هذا المنحنى سيكون ذات آليةٍ متوافقة،تقوم على تعزيز الصناعات العسكرية؛ لتعويض النقص الحاصل..،حتى وإن هي بطئية فلا ضير؛ لأن الركن الآخر: سيكون تقديم الدعم لأوكرانيا بشكلٍ محدد ومحصور؛ ذو مانعين: الأول؛ يمنع  هزيمة أوكرانيا أمام الروس،والآخر يمنع الصدام بين الناتو (الغرب) مع روسيا.
توجهًا كهذا سيكون صعبًا في ظل الخلافات الأوروبية ـ البينية، الأوروبية ـ الأمريكية،ما يضع احتمالات وقوع تصرفاتٍ فردية من كل دولةٍ على حدة مع روسيا.بيد أن الجميع يدرك مغبة ذلك ولابد من أنهم سينساقون وراء استراتيجيةٍ جديدة فحواها المفاوضات لإنهاء الحرب..؛ وهذا سيحدث لا محالة تحت سياسة: لا صدام ولا هزيمة.