العنصرية والمقارنة بين قاعة المحكمة ومجلس القبلية..العنصرية في المجتمع الراقي الذي سبق البدائي بسنين ضوئية كالسقوط من شاهق

  • منذ سنة - Wednesday 21 December 2022

العنصرية والمقارنة بين قاعة المحكمة ومجلس القبلية..العنصرية في المجتمع الراقي الذي سبق البدائي بسنين ضوئية كالسقوط من شاهق
منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

AF

المقارنة بين بلد غني ، سقفه من حجر وقرميد، بناؤه مستقر، ثابت، ويغرس اقدامه في الارض، كفرنسا، ستكون مفلسة، حين يكون على الطرف الاخر.. بلد سقفه من جذوع النخل ، يطير من هبة هواء، كخيمة في الصحراء ، مشتت، فقير، ومقلوب راساً على عقب.. اين المقارنة بين جبل وصحراء وصخرة وخيمة؟ 

 

المقارنة الطفولية تطبيل فاقع..ومزعج

 

فالادانة بالعنصرية لفرنسا مضاعفة، اكثر من اي بلد نامي ، فحين يكون بلد الحريات، ومهد ميثاق حقوق الانسان ، وام الثورات الفكرية، يعاني من العنصرية ، ضد المهاجرين الافارقة، فلن يكون مساويًا كحالة، عند الحديث  عن العنصرية في بلد بلا دولة اساساً، وليس فقط قانون وقيم

فحين تسقط الدولة، تسقط القيم ، وتنحدر الفنون، والاداب، ويسود العبث كم يفيد بذلك مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون احد استاذة الغرب.

فان تقارن بيتك المدمر ،وهو بيت  بلا سقف، ولا ابواب، منهوب بلا  اثاث، وقد ضاعت كل معالمه، ببيت جارك المبني بالخرسانة المسلحة، ذو الواجهات الزجاجية اللامعة، واثاثه الفخم، وسجادة الانيق، وتبدو مستاء لانه لايوجد ماء ساخن في صنبور الحمام ! سيبدو علمك وثقافتك وفكرك وشهادتك، مكانها الملائم .. الحمام 

فرنسا الحريات اليوم ، التي يندهش بها بعض ممن يقال عنهم "مثقفين " مع ان كلمة مثقف اصبحت إهانة ، هي ذاتها فرنسا الاستعمارية قبل ١٠٠ عام، وهي ذاتها فرنسا في العصور الظلامية، وهي ذاتها فرنسا العنصرية في كل وقت 

لكن عنصريتها في عصور الظلام  والاستعمار قد لا يحسب عليها،، كما هي عنصريتها في عصر النور والحريات والقرن ٢١، فهي ليسن بلداً بتاريخ نظيف، تماماً ، كاي بلد في التاريخ الانساني.

لكن هذا التبجيل العربي من بعض فاقدي الثقة والهوية ، ممن يعانون اساساً من عقدة  النقص، يثير الشفقة والقرف، فبدلًا من عقد المقارنات الفارغة، قوموا بدروكم في نهضة مجتمعكم ودولكم، يمكنكم تقليد مثقفي اوروبا بدورهم بنهضة بلادهم. 

فرنسا التي تحبون لم يحاربها  مثقفوها في عصورها المظلمة، بل بقيوا فيها ودفعوا ثمناً من حريتهم وحياتهم ودماؤهم ، ليروا ويقدموا للعالم فرنسا الحرة. 

اما بلدي اليمن ، فقد حاربها   بعض مثقفوها في عصرها الظلامي الحالك الحالي، وفضلوا اللجوء في اوروبا، عقلياً وذهنياً وفكرياً قبل ان جسدياً وفيزيائياً، لمواصلة نقد المجتمع اليمني والثقافة اليمنية! بدلاً من النهضة بها ، وتحمل مسؤوليتهم. 

 

 

كل المجتمعات عنصرية.. لكن العبرة بالقانون والعقاب

هذا الدور الجبان للمثقف هو الدور السهل، اصعد الى الطائرة، اصل الى مطار اوروبي، امزق جواز سفري، احصل على اللجوء بصفتي مثقف مضطهد لايستحق المجتمع المتخلف علمي وفكري وعبقريتي، وابدا بنقد هذا المجتمع المتخلف العنصري، الوضيع، وهذه الثقافة التي لا تتماشى رورح العصر والانسانية!

نعم اليمن في أسوأ مراحله ، وتاريخه، وليس ابسط دليل، الا وجود أسوأ طبقة حاكمة لليمن من مليشيات وعصابات ومافيا فساد وجماعات متطرفة، وهمجية، كل هذا القبح في اليمن، يدعوا للتمسك بها اكثر..
فاخر ما يحتاجه هذا اليمن، هو المثقف الخواجة .. وتلك المقارنات الغربية ؟ بين دولة ودويلات ، بين نهضة وانحدار، بين نظام القانون ، وسلطة الغابة.

فالمقارنة تكون بين قانون وقانون، بين دولة ودولة ، وليس بين  قاعة المحكمة ، ومجلس القبلية. 

ما يحتاجه اليمن فعلاً، واي دولة نامية، هو الايمان بها في اشد مراحلها كفراً، وحلكة وظلمة وقسوة وفشلاً، ان يكون الخطاب النقدي متطلعاً للمستقبل دون مقارنات غبية، فالعنصرية في اليمن ٢٠٢٢ ليس هي العنصرية في فرنسا٢٠٢٢

فهذا يمن بلا دولة ولا قيم ولا قانون ولا طبقة حكم محترمة، ولا محترفة، وتلك دولة بكل ما تمثله من قيم وقوانين ! فأين وجه المقارنة.

نحن تحكمنا عصابات، وجماعات خارج تاريخ اليمن، والعصر والمنطق، تحكم بالقوة بالسلاح ، وعنف الفكرة ، ودعم الخارج، فكيف اقارنها بنظام انتخابي ، ونقابي، ومؤسسات، وحرية اعلام؟ 

فظهور العنصرية وارد في اي مجتمع راقي او بدائي، لكن ظهوره في المجتمع الراقي علمياً وثقافيًا ، والذي تجاوز المجتمع البدائي بمئات السنين الضوئية.. مرعب.. كالسقوط من شاهق 

العمل الحقيقي يكون، بان يتحول اليمن اولاً الى دولة، بالعمل لوجود طبقة حكم محترمة، تحمي القيم ، والقوانين، وقتها فقط ستكون العنصرية جريمة يتم المحاسبة عليها، لكن بدون قيم ، وحماية لها فقد لا تستطيع ادراجها كجريمة اصلا، ولتتحول اليمن الى دولة نحتاج الى معجزة، او الي ايمان وعمل يفوقان قوة المعجزة. 

ثم ان اليمن في ٢٠٢٢، وما بعدها والى اخر يوم في الدنيا، معفي من المقارنة بغيره، سواء الافضل او الاسوأ، اليمن فقط يقارن باليمن، بافضل حالة يجب ان يكون عليها اليمن ، كحالة خاصة، ونموذج منفرد بذاته.

اما مثقفي عقدة الخواجة ، وعقدهم النفسية، ومركب النقص، ومشاكلهم الشخصية التي يفرغونها على مجتمع باكلمه، ليشعروا بالقوة والتضخم الذاتي، فهم يعلمون انهم اقلية في المجتمع الاوروبي، وجزء من طبقة محتقره، ويتم النظر لهم بشفقه وتعاطف، باعتبارهم ضحايا 
ان مثقفي الانبهار الغربي ، سعداء  بدور الضحية، ولقد كانوا دائما يفضلون هذا الدور، داخل وخارج اليمن، والانبهار الكاذب بالغرب، ليس الا وسيلة افراغ لحقد غير مبرر على اليمن كيمن، وكيان وثقافة وليس كمجموعة حاكمة


فلو اختفى الحوثيون والاصلاحيون السلفيون والداعشيون، والجنوبيون والشماليون ، من الحكم، وجاء ماكرون لحكم اليمن بالقانون الفرنسي ، فهذا لن يرضيهم، لان المسالة من منطلق علم النفس عقدة شخصية قديمة ، ليس لليمن علاقة بها.


ولعلمك الدول لا تنهض بالمثقف الضحية، الذي يحتاج اولاً لعلاج وتأهيل نفسي ، قبل ان ينطق بكلمة، بل بالمثقف الواقعي المنطقي ، الذي يرى الخلل ويصلحه، الذي يؤمن ان هذه المرحلة المنحطة ستمر، ولن تستمر، وان هذه البقعة المظلمة من التاريخ ليست نحن، ولا هويتنا ولا شخصيتنا ولا قيمنا، تمامًا كما تؤمن ان فقدان الاتصال بإشارة النت لا يعني عدم وجودها.

لستم بحاجة في هذا المقال، ان اخبركم اننا نملك اعلى وارقى القيم الانسانية ، وان العنصرية ضد اللون والعرق والدين، والمنطقة، التي طفت على مجتمعنا في عصور وحقبات مختلفة، ليست هي الاصل ، حتى لم عمرها مائة سنة، فكما كان في اوروبا نبلاء وعامة، كنا كذلك في اليمن نفرق بين الطبقات، ولعلها احدى عيوب تشكل الدول والحضارات عبر الانسانية، لكن المجتمع النقي مثل البحر، ينقي نفسه بنفسه، فلا تراقب فقط تاريخ العنصرية اليمنية، بل راقب حركات التحرر الفكري والسياسي من هذه العنصرية ، وادرس لما اخفقت، وكيف علينا ان نكملها. 

العنصرية أحدى النتائج  المنطقية للانهيار، والسقوط، ولكن توافر عوامل النهضة ، يجعلها ممكنة التحقيق، وسيأتي وقتها، وزمانها، وحينها ستظهر قيمنا الاخلاقية الحقيقية والرفيعة.

فاللص الفقير، لا يحاكم محاكمة اللص الغني ، نعم ، العنصرية جريمة ، لكنها في بلد منهار سقطت كل قيمه، لدرجة اصبح اللحم الحي يُباع في الطرقات، ليست جريمة بحجم العنصرية في بلد خمس نجوم مستقر، يفتخر انه الاب الروحي لميثاق حقوق الانسان، لديه قيم وقوانين لم تسقط!! 

والمقارنة في هذه الحالة بين اليمن وفرنسا.. ستكون لصالح اليمن .. لكنها بكل الاحوال طفولية وغير منطقية.