منذ سنة - الأحد 30 أكتوبر 2022
يهود اليمن (3)
AF
بدأت هجرة يهود اليمن بشكل فعلي وبأعداد كبيرة مع قيام دولة إسرائيل، وذلك كما تحدثنا في المواد السابقة يعود إلى زيادة العداء لليهود مع تصاعد الخطاب القومي العربي، ومع ترويج الصهيونية إشاعات حول شكل أورشليم المتخيلة وأن جدرانها تقطر عسلاً وذلك بحسب مؤرخين مما جعل بعض يهود اليمن المتدينين تصديق مثل تلك الإشاعات.
ونظراً لتلك الأسباب العدة التى أدت إلى هجرة يهود اليمن فقد استغلت الصهيونية الوضع وبتنسيق مع السلطات البريطانية التي كانت تسيطر على جنوب اليمن حينها، إذ ساعدت بريطانيا في عملية تجميع اليهود من كل أنحاء اليمن، وعمل مخيم لتجميعهم فيه، سمي مخيم" حاشد" في عدن، كما نسقت الصهيونية أيضاً مع سلطة الحكم في شمال اليمن والتي كانت تحت حكم الإمام أحمد حميد الدين من أجل ممارسة الضغط والسماح لليهود بالمغادرة إلى عدن وذلك بحسب تحليلات لمؤرخين.
حيث تعتبر عملية نقل يهود اليمن إلى إسرائيل عام 1948 أكبر عملية نقل في التاريخ لجماعة دينية في وقت قصير، سميت بعملية "بساط الريح"، حيث بلغ عدد تلك الرحلات اربع مائة رحلة، نُقل من خلالها أكثر من 50 ألف يهودي بحسب ما نُشر.
فقد كان يتم ممارسة إجراءات صارمة لليهود الذين يتم تجميعهم في المخيم وإتخاذ تدابير صحية ملزِمة قبل عملية نقلهم، فيتم تعقيمهم وتطعيمهم إجبارياً، ولا يتم ترحيل أحد منهم إلا بعد أن يثبت خلوءه من أي أمراض، ومن وجد بأنه مريض لا يٌسمح له بالسفر مع عائلته ويُلزم بقائه في المخيم حتى يتم التأكد من صحته، فقد كان يُنظر لليهود العرب بنظرة إزدراء وإحتقار ودونية من قبل يهود الاشكناز الغربيين أصحاب الهيمنة الأقتصادية الثقافية والسياسية في إسرائيل.
وذلك لأنه كان من الصعب عملية دمجهم في المجتمع الإسرائيلى الجديد نظراً لتمسكهم بهوياتهم وثقافتهم الشرقية التي جأوا منها، فقد شكل يهود اليمن داخل إسرائيل مجتمعاً خاص بهم يحمل كل العادات والتقاليد التي قَدموا بها من موطنهم الأم، حتى التي تغيرت مع تأثير موجة الحداثة في موطنهم الأصلي، ظلوا على تمسك بها والتي تختلف تماماً عن نوعية الحياة الجديدة في إسرائيل .
مع رحلة بساط الريح عام 1949 فُقد ما يقارب عن أكثر من ألف طفل يهودي يمني من مخيمات اللاجئين التى كان يقطنها يهود اليمن، وبحسب إتهامات أهالي الأطفال المفقودين فقد تم اخذ أطفالهم على أساس أنهم بحاجة للرعاية الصحية العاجلة، ثم تم تسليمهم لعائلات إشكنازية تتبناهم حتى يتم تنشئتهم تنشئة بثقافة غربية تحمل روح إسرائيل الجديدة، ولكي يتم سلخهم من هويتهم الشرقية، دون علم أهاليهم وتم إبلاغهم بأنهم توفوا نتيجة المرض، وهو مالم تصدقه العائلات اليهودية اليمنية حيث لا أدلة مادية على وفاة أولادهم.
وظل لغز إختفائهم دون إجابه حتى تم فتح هذه القضية عام 1995 ونفت الحكومة الإسرائيلية صلتها بحادثة إختفائهم، لكنها أقرت أن الواقعة التي حدثت كانت حادثة فردية من قبل أخصائيين اجتماعيين ولم يكن توجه سياسي عام للحكومة ضد يهود الشرق المهاجرين، إلا أنها انكرت العدد وقالت أن معظم الأطفال ماتوا فعلاً نتيجة الأمراض، حيث تمثل هذه الحادثة نقطة مفصلية مهمة في حساسية العلاقة بين يهود العرب ويهود الاشكناز.
يمتلك يهود اليمن إرث ثقافي نادر ومخطوطات توراتية نادرة وقديمة لا يملكها غيرهم، فالكثير من هذه المخطوطات هاجر بها اليهود معهم أثناء خروجهم من اليمن سواء إلى إسرائيل أو إلى الولايات المتحده وبريطانيا، حيث يعتبرها اليهود أرث شخصي لهم ورثوها من أجدادهم، فحسب العرف السائد بينهم فأن لكل عائلة يهودية مخطوطة خاصة بها فيها تعاليم التوراة، وغير مسجلة في وزارة الثقافة والآثار، فهي شخصية متوارثة لم يتم إيداعها في أي متحف وطني، بينما هي أرث وطني شعبي ومن حق الدولة المطالبة باسترجاعها حتى وإن كانت شخصية وغير مسجلة في وزارة الثقافة.
وأهم تلك المخطوطات التي تم تهريبها في مارس 2016 إلى تل أبيب مع عائلة يهودية من صنعاء حيث تعتبر أقدم مخطوطة للتوراة، وليست وحدها المخطوطة الإرث المادي الوحيد الذي تعتبره اليوم إسرائيل جزء من مورثه الشعبي فهناك مخطوطات قديمة وقطع أثرية تم تهريبها أثناء الحرب ضمن الآثار التي تعرضت للنهب والتهريب الممنهج تعود أصلها إلى ممالك اليمن القديمة.
فبحسب الباحث في الآثار عبدالله محسن على صفحته على فيس بوك ظهرت قطع أثرية يمنية نادرة في إسرائيل أهمها تمثال" برونزي كبير ونادر تم عرضه في مزاد خلال شهر سبتمبر من العام المنصرم، ويعد من أهم التماثيل التي اقتناها جامع الآثار الإسرائيلي شلومو موساييف".
كما أوضح أن التمثال لفارس يحمل سيف في حزامه ويمتطي حصان، ويذكر الباحث أيضاً انه في تاريخ عشرة الفائت من هذا الشهر قد تم عرض قطعة أثرية وهي عبارة عن دورق برونزي فريد بنقوش مسندية من آثار اليمن " وتم بيعها في مزاد لشركة المركز الأثري وهي شركة مرخصة لجميع وبيع الآثار في إسرائيل " .
كما أقيم قبل عامين معرض مفتوح لعدد من القطع الأثرية من العصر الحميري، ولأول مرة يتم عرض الآثار اليمنية المنهوبة في إسرائيل.
وبحسب وسائل الإعلام الاسرائيلية فأن المعرض الذي حمل عنوان" من سبأ إلى القدس"، قد احتوى على العديد من اللوحات والخرائط والصور لممالك اليمن القديم، كما ظهرت فيه بعض صور كتابات بلغة المسند السبئية بالإضافة إلى عدد من القطع الأثرية المتنوعة.
فخلال فترة الصراع التي تعيشه اليمن حالياً تم تهريب عدد كبير من القطع الأثرية إلى خارج اليمن، ولا يوجد إحصائية دقيقة بعدد تلك القطاع، إلا أنها تتجاوز آلاف القطع بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين يمنيين، ويرجع ذلك إلى تزايد تجار وتهريب الآثار خصوصاً أن التشريعات القانونية في هذا المجال ضعيفة جداً، فعقوبة من ثبت إدانته بقضية تهريب دفع مبلغ عشرة ألف ريال يمني وهي عقوبة غير رادعة على العكس تشجع على تهريب الآثار.