منذ سنة - الثلاثاء 18 أكتوبر 2022
يهود اليمن (1)
AF
عندما نتحدث عن يهود اليمن فأننا سنتحدث عن مكون أصيل وجزء من التركيبة الإجتماعية اليمنية على مدى سنوات طويلة غير محددة بفترة زمنية معينة، إلا أنها ارتبطت بشكل أو بأخر بوجود اليهودية كديانة.
مع أن الآراء التاريخية تضاربت فيما إذا كانوا من الأقوام العبرية المهاجرة التي هاجرت مع تهدم الهيكل، والتي أتت إلى اليمن كبلد ينعم بالإستقرار وقتها، وهو الرأي الذي تتبناه الصهيونية لتأكد بمشروعية حق إمتلاكها للأراضي الفلسطينية" أرض الميعاد" فهو رأي ليس له سند تاريخي حقيقي مجرد رواية دينية لا أكثر.
بينما الرأي الآخر يقول بأنهم السكان المحليين الذين إعتنقوا اليهودية كديانة، وليسوا وافدون من أماكن أخرى وهو الرأي الذي يتبناه يهود اليمن أنفسهم ومعه بعض المؤرخين، مستدلين بنقوش تاريخية تحمل معاني تدل على الديانة اليهودية وعلى تواجد يهود يتمتعون بمكانة إقتصادية واجتماعية مرموقة، وأقدم تلك النقوش هو نقش جريني "بيت الأشوال "والتي تقع في محافظة إب جنوب العاصمة صنعاء، والذي يعود أصله إلى اواخر القرن الرابع الميلادي إلى عهد الملك الحميري" ذرأ أمر أيمن" اخ الملك الحميري اسعد الكامل.
وبعيداً عن كل تلك السرديات التاريخية يظل يهود اليمن من أهم مكونات النسيج الإجتماعي اليمني التي أثرت فيه ثقافياً وفنياً، ولديهم إرث ثقافي يميزهم عن بقية اليهود في العالم سوى من النواحي الدينية او الموسيقية وكذلك العادات والتقاليد.
فقد إمتهن يهود اليمن العديد من الحرف والمهن التي أصبحت لوقت طويل حكر بهم كصناعة الحلي والمجوهرات من الذهب والفضة، وعلى وجه الخصوص الفضة التى إشتهروا بصياغتها في كل عموم اليمن سوى اليهود في الشمال أو الجنوب.
بالإضافة إلى صناعة ونحت الخناجر اليمنية التقليدية والتي يطلق عليها مسمى "جنابي" ومن المفارقات العجيبة أنه منع عليهم إرتدائه في فترة زمنية معينة بإعتبارهم أقل طبقة من فئة القبائل التى يتميز أبنائها بإرتدائهم للجنابي، والتي تميزهم من قبيلة لأخر وأتحدث هنا عن يهود شمال اليمن وذلك حسب التقسيم الإجتماعي الذي حدث أثناء فترة حكم الأئمة لليمن، أما يهود الجنوب وبالأخص يهود حبان شبوة فقد كانوا يرتدوا الجنابي حتى قبل مغادرتهم اليمن.
كما تعمل نسائهم بجانبهم الخياطة والتطريز والتى إشتهرت بها نساء اليهود بتشكيل نقوش متنوعة ومميزة على الملابس.
وكما عملوا في النجارة والحدادة، بالإضافة إلى عملهم في العمارة والبناء وتميزوا برسم الأشكال الزخرفية على جدران المنازل والنوافذ والأبواب وهو مايفسر وجود رمز "النجمة السليمانية" والتى تعتبر رمز ديني إرتبط اكثر خصوصية باليهود على معظم المنازل اليمنية بما فيها منازل المسلمين وجوامعهم القديمة حتى الأن.
إلى جانب إهتمامهم بالموسيقى والأغاني بالأخص ألحان الشيروت، التي تُغنى في إحتفالات الزفاف والتى كانوا يستوحوها من شعر "سالم الشبزي" ؛ وهو من أشهر شعراء اليهود والذي عاش في القرن السابع عشر ويعود أصله إلى قرية نجد الوليد في مديرية شرعب السلام محافظة تعز الواقعة جنوب العاصمة صنعاء.
ويعد من أشهر حاخامات يهود اليمن كما يعتبر أحد مؤسسي مدرسة الشعر الحميني بحسب مؤرخين وكان يكتب الشعر باللغتين العربية والعبرية، وله ديوان يحتوى على 550 قصيدة فصل فيها العادات والتقاليد والسلوكيات الاجتماعية اليمني، ونقل يهود اليمن أثناء هجرتهم إلى إسرائيل معهم معظم تلك القصائد، التي تعتبرها إسرائيل اليوم إرث ثقافي لها، كما قامت بطبع أول ديوان شعري لقصائد الشبزي عام 1977.
في الوقت الذي لم تكلف فيه الحكومة اليمنية نفسها بإعادة تجميع تلك القصائد ونشرها، ليتم حفظها من السرقة الفكرية أو من النسيان، كما حاولت العديد من الجمعيات الإسرائيلية بمختلف الطرق نقل رفات الشبزي إلى إسرائيل، وذلك بحسب كشف إحدى الصحف الإسرائيلية قبل وقت طويل عن نياتهم الجادة بنقل رفات الشبزي، نظراً لمكانته التاريخية إلا أن حاخم الطائفة اليهودية في اليمن فايز الجرادي صرح وقتها برفضهم الكامل وإستيائهم من مثل هكذا إجراءات وأنه ليس من حق إسرائيل نقل رفات الشاعر والمؤرخ الشبزي من وطنه اليمن.
ويذكر أن ضريح الشبزي يقع في داخل قبة بيضاء في قلعة القاهرة في محافظة تعز، ويعتبر من أبرز المعالم الأثرية والتاريخية اليمنية وأكثرها قداسة، والذي يعتبر مزاراً للمسلمين واليهود على حداً سواء، فقد كان إلى قبل العام ٢٠١١ يتوافد إلى الضريح اليهود من كل بقاع اليمن بمن فيهم يهود الخارج للتبرك والإستشفاء بقبره وببركة الماء الواقعة بجانب القبة التي فيها الضريح، حيث نسجت حول شخصيته العديد من الأساطير وصلت حد إعتبره قديس ونبي من قبل اليهود.
يتبع....عن يهود اليمن في المادة القادمة