الإرث العربي اليهودي ما بين التمسك بالهوية ومحاولة التجريف الصهيونية (3)

  • منذ سنة - الجمعة 14 أكتوبر 2022

الإرث العربي اليهودي ما بين التمسك بالهوية ومحاولة التجريف الصهيونية (3)
رشا كافي
صحافية يمنية وناشطة سياسية-محررة  في AF

الإرث العربي اليهودي ما بين التمسك بالهوية ومحاولة التجريف الصهيونية(3)
AF

في الوقت الذي تفخر فيه إسرائيل بالتنوع الثقافي والشعبي والموروث المتنوع الذي تزخر به، والتي تتدعي ملكيته، وهو في الأصل يعود ملكيته إلى البلدان التي قدم منها اليهود المهاجرين وبالأخص اليهود العرب، فقد كانت في بداية تأسيسها تحاول بكل الطرق محو هذا الإرث، بل كانت تنظر له بنظرة إزدراء وإحتقار وتهميش لمن يتمسك بإرثه الثقافي ويمارسه في حياته اليومية .

 


وبالرغم أن إسرائيل أعطت أهمية كبيرة لهجرة اليهود العرب فقد كسبت إحتياطي سكاني من هجرتهم إليها وترك بلدانهم، والتي عرضنا أسبابها في المادة السابقة إلا أن اليهود العرب تم التعامل معهم بعنصرية كبيرة من قبل اليهود الاشكناز، الذين يعتبروا مؤسسي دولة إسرائيل، ولم ينعموا بالراحة والرخاء الذي كانوا يتخيلوه أو التي كانت تروجه له الصهيونية وقتها.

 

فقد واجهوا شتى أنواع التمييز والعنصرية لكونهم عرب يحملون هوية شرقية وعادات وتقاليد لا تتطابق مع هوية دولة إسرائيل ذات الروح الغربية، فقد كانوا محل شك وعدم ثقة طوال السنوات الأولى من قيام دولة إسرائيل، كونهم لازالوا يحملون الولاء لبلدانهم الأم التي جأوا منها.

 


وينعكس ذلك جلياً على ملابسهم وعلى لهجاتهم وأيضاً على طريقة تعاملهم مع بعضهم، والتي تختلف تماماً عن ثقافة يهود الاشكناز وهم اليهود الذين هاجروا من أوروبا.

فيقول ديفد بن غوريون اول رئيس وزراء إسرائيل في مذكراته بحسب ما نشر: " أن يهود أوروبا شكلوا شخصية الشعب اليهودي في العالم بأسره، والصهيونية في الأساس حركة اليهود الغربيين" 

 ظهر بن غوريون عنصريته الواضحة ضد اليهود العرب ورغبة كيانه الصهيوني من التخلص من الثقافة الشرقية لليهود الشرق ليتمكنوا من دمجهم في المجتمع الإسرائيلى من خلال قوله أيضاً :

" لا نريد أن يصبح الإسرائيليون عرباً، من واجبنا أن نقاتل ضد روح الشرق التى تفسد الأفراد والمجتمعات، وأن نحافظ على القيم اليهودية الحقيقية كما تبلورت في الشتات " . 

 


فقد كان يُتهم اليهود الشرقيون دوماً  بالتخلف البدائي،وينظر لهم بدونية، مقابل تقدم ورقي ثقافة يهود الغرب بحسب ما كان يذاع وقتها، وهذا ما سبب بعد ذلك وجود إنقسام عميق داخل مجتمع إسرائيل، بين ثقافتين مختلفتين.


مما أدى الى إنفجار الوضع عام 1971 وخروج إحتجاجات كبيرة لليهود الشرق ضد العنصرية التي تمارس عليهم، أهم تلك الإحتجاجات التي قادها بما يسمون أنفسهم" بالفهود السود" مستخدمين قنابل المولوتوف للإحتجاج و كانوا يلقونها على الشرطة والمراكز الحكومية بحسب إتهام السلطات الإسرائيلية لهم وقتها.

 أدى الى قمع تلك الإحتجاجات بالقوة، والتي أدت إلى إعتقال الكثر من الناشطين ممن يقودون تلك الإحتجاجات، بحسب ما نشرته وسائل الإعلام.

 


فقد تعرض اليهود العرب عقب وصولهم إلى إسرائيل إلى الإضطهاد من قبل السلطات الأشكنازية، التي حاولت التخلص من الثقافة الشرقية لليهود العرب، من خلال عملية محو للذاكرة، وذلك من خلال فرض  نمط حياة معينة لهم بداخل مخيمات مؤقتة تعمل على تأهيلهم قسرياً بالنمط التي تريده دولة إسرائيل. 

 


لم تتوقف العنصرية والتميز ضد اليهود العرب عند الجيل الأول الذي هاجر بل طالت حتى جيلين ممن ولدوا في إسرائيل، فقد ظلت السلطة بيد اليهود الاشكناز وظلوا هم المسيطرين على مفاصل الحكم، من خلال تطبيق سياسة التمييز على يهود  الشرق.

 

فقد تعمدت على تفريقهم في مستوطنات بعيده عن المدن الكبيرة، كما تم تأطيرهم في مهن محددة كالعمل في الزراعة والبناء وينالون مقابل ذلك أجور ضئيلة، بينما ظلت المناصب القيادية والأكاديمية بيد يهود الغرب والذي ينالون مقابلها الأجور المرتفعة.

 


رغم كل محاولات الكيان الصهيوني في بداية تأسيس دولة إسرائيل من محو الثقافة الشرقية لليهود العرب إلا أن يهود الشرق واجهوا صعوبة كبيرة في عملية الإدماج تلك، فمنهم لم يستطيع أن يندمج مع الحياة الجديدة التي فرضت عليه وأن تأثر بها بشكل بسيط.

 

 مثل على ذلك يهود اليمن والذي سنتطرق لهم بشكل مفصل في المادة القادمة، فقد شكلوا لهم مجتمع خاص يحمل كل العادات والتقاليد التي قَدموا بها من موطنهم الأم، حتى التي تغيرت مع تأثير موجة الحداثة في موطنهم الأصلي، ظلوا على تمسك بها والتي تختلف تماماً عن نوعية الحياة الجديدة في إسرائيل.