منذ سنة - الثلاثاء 11 أكتوبر 2022
الإرث اليهودي العربي ما بين التمسك بالهوية ومحاولة التجريف الصهيونية( 2)
رشا كافي
AF
كما وعدناكم في المادة السابقة خلال حديثنا عن فتح ملف اليهود العرب والإرث اليهودي العربي، الذي تحاول إسرائيل نسبه لها، من خلال سلسلة حلقات اسبوعية، فأننا وقبل الخوض في تفاصيل اليهود العرب في المشرق والمغرب العربي وإرثهم الشعبي بحاجة لطرح أسباب عملية تهجيرهم، والطرق التي تم تهجيرهم بها.
في الوقت الذي لا توجد فيه رؤية موحدة حول سبب هجرة اليهود العرب مهما كان الطرف الذي يدعيها سوى عربي او صهيوني، إلا أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من تلك الهجرة لحصولها على احتياطي سكاني كبير بعد خسارته الاحتياطي السكاني، الذي كانت تعول عليه في بناء دولتها.
وذلك بسبب النازيون الذين قاموا بإنشاء معسكرات إبادة للتخلص من السكان اليهود في أوروبا، بعد عزلهم عن المجتمع في أحياء وتجمعات إجبارية وضع فيها اليهود، ولعلى محرقة الهولوكوست كانت مثالاً للإبادة الجماعية، التى راح ضحيتها مجموعة كبيرة من اليهود فقط لمجرد إنتمائهم العرقي والديني.
صحيح بأن اليهود في معظم أوروبا وبالأخص في ألمانيا وروسيا عانوا من كل أنواع القمع والعنصرية والتعذيب، لكنهم لم يغادروا أوطانهم بشكل جماعي خلال فترة زمنية قصيرة، كما حدث لليهود العرب.
إذاً لماذا اليهود العرب دون غيرهم كانت عملية تهجيرهم بتلك السرعة وبذلك الشكل مع أن مظلومياتهم مقابل مظلوميات اليهود الغرب في أوروبا لم تكن بذلك الشكل الكبير ؟
كما أوردنا سلفاً لايوجد رؤية واحدة مؤكدة، لكن هناك العديد من الحقائق والعوامل التي يتم إغفالها من الطرف العربي المتزمت وكذلك من الطرف الصهيوني المتعصب.
وما نحتاجه الأن هو التخلي عن تلك الروايات المتعصبة لحساب الحقيقة فقط، وإظهار كل أسباب التهجير من جميع الزوايا دون إي تحيز وبشكل موضوعي.
بداية بالرأي السلبي للحكومات العربية التي أثرت على الرأي العام العربي، وكانت لها الدور الأكبر في التأثير على هجرة اليهود، وليس إنتهاء بالدور الذي لعبته الحركة الصهيونية من تزييف للحقائق وإثارة الفتن .
فلقد نصبت مشانق الإتهام والعداء لكل يهودي حتى وإن لم يكن له علاقة بالصهيونية، مع تصاعد خطاب القومية العربية وأهمية الوحدة العربية لمواجهة إسرائيل خصوصاً بعد أحداث النكبة الفلسطينية التى قام بها الكيان الصهيونى.
ومع تصعد ذلك الخطاب انعكس ذلك على الرأي العام العربي الذي تم شحنه بالكراهية لليهود وتسبب بحدوث نكبة يهودية لحياة اليهود العرب دفعوا ثمنها بأرواحهم وممتلكاتهم.
ففي مصر سنة 1948 أعلنت الحكومة المصرية قرار بمصادرة ممتلكات كل من تهدد أعماله ونشاطه أمن الدولة، وبناء على ذلك القرار صادرت السلطات المصرية أملاك الكثير من اليهود، جراء على أثر ذلك قتل 53 يهودياَ.
وقبل ذلك في عام 1945ومع حلول الذكرى السنوية لوعد بلفور قتل العشرات من اليهود وجرح المئات، ليزداد الأمر سوء بتصريح لرئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي: " كل يهود مصر هم شيوعيون وصهاينة على حد سواء" ومع إستمرار حالة العنف الممنهجة ضد اليهود من قتل وهدم للبيوت ونهب للممتلكات لم يأتي عام 1950 إلا وقد هاجر 20 ألف يهودي من مصر .
اما في العرق فقد كان الحال بالنسبة لليهود أسوأ من مصر، فقد شهد العام 1941 مذبحة الفرهود الشهيرة التي راح ضحيتها 197 يهودياً وجرح فيها أكثر من ألف شخص، فقد عمد النظام وقتها إلى طرد وملاحقة اليهود ومحاكمتهم تحت تهم عدة ومختلفة.
في ذلك الوقت لم يكن يسمح لليهود بمغادرة العراق وكانوا برغم ما يحدث لهم تحت الإقامة الجبرية، حتى عام 1950سمح لهم بالرحيل بشرط التخلي عن الجنسية العراقية ومصادرة جميع أموالهم وممتلكاتهم، وبعد عام من السمح لهم من المغادرة قامت السلطة العراقية بمصادرة جميع أملاك العائلات اليهودية ممن لم ترحل وفضلت البقاء في العراق رغم كل ما حدث لها، لم يأتي عام 1952 ولم يتبقى من يهود العراق إلا 10% فقط فحين غادر 90% منهم العراق .
لا يختلف الحال كثير بالنسبة ليهود المغرب مما حدث ليهود العراق، فقد شهد عام 1984 أعمال عنف ضدهم وكانت أحداث مدن اوجدة و جردا خير دليل والتي راح ضحيتها حينها 42 يهودياَ، استمرت أعمال العنف والقمع على يهود المغرب حتى عام 1954_ 1955 في الدار البيضاء و مزجان وصافي، فلم يتبقى من اليهود في المغرب إلا بضع آلاف بعد أن كان يقدر عددهم برع مليون .
الحال نفسه تكرر مع يهود سوريا فقد راح 75يهودياً ضحايا أعمال عنف ضدهم سنة 1945، لتتجدد تلك المضايقات من جديد عام 1947 فقد دمرت مئات المدارس والمحلات والمنازل كذلك الكنائس اليهودية، فلم يأتي نهاية عام 1949 إلا وقد رحل يهود سوريا بعد ان صودرت ممتلكاتهم وجمدت جميع أموالهم.
أما في عدن جنوب اليمن، والتي كانت وقتها تحت حكم الإحتلال البريطاني فقد شهدت أعمال عنف كانت هي الأبشع على الإطلاق.
أبرز تلك الأعمال محرقة يهود عدن التي حدثت عام 1947 والتي استمرت لمدة ثلاثة أيام راح ضحيتها أكثر من 90 يهودياً وجرح فيها أكثر من مئة منهم، إلى جانب ذلك تم تدمير أكثر من مئة محل تجاري بالإضافة إلى مئات المنازل التى أحرقت والتى كانت لمالكين يهود فما كان منهم إلا أن يهاجروا حفاظاً على ما تبقى منهم.
فأما ليبيا فقد قتل في مدينة طرابلس أكثر من مائة يهودي وذلك خلال نهاية الحرب العالمية الثانية خلال أعمال عنف سلطت عليهم، إستمرت تلك السلسلة من الأحداث العنيفة بشكل متقطع حتى نهاية 1952، حيث فرضت الحكومة الليبية وقتها قيود إقتصادية على اليهود الليبيين، وجمدت ممتلكاتهم ليرحل على أثر تلك المضايقات من نفس العام 31 ألف يهودي .
في المقابل عملت الحركة الصهيونية على إذاعة بربجاندا فكرة أرض الميعاد بين أوساط اليهود كنوع من التأثير الديني عليهم، خصوصاً على اليهود المتشددين لتحببهم بترك أوطانهم والتوجه إلى فلسطين.
كما إستغل الكيان الصهيوني أحداث العنف والقتل التي حصلت لليهود في الوطن العربي أثر إعلان إقامة دولة إسرائيل، وبدأت بإذاعة أخبار تخويف بين أوساط اليهود العرب بأنهم سيتعرضون إلى إبادة جماعية جديدة، وتبنت عملية نقلهم إلى إسرائيل بشكل جماعي تماماً كما حدث مع يهود اليمن في رحلة بساط الريح سنة1948 فقد رحل وقتها 39 ألف يهودي وكان أكبر عدد ليهود عرب يصل إلى إسرائيل في ذلك الوقت .
كل حالات العنف التي ذكرناها والتي حصلت لليهود العرب، كانت محصورة ما بين إعلان وعد بلفور ومابين إعلان قيام دولة إسرائيل، وليست هي الرؤية الوحيدة للعنف القائم على أساس الدين والعرق.
والتى لها جذور قديمة سنتطرق له بالتفصيل في الأيام القادم، أثناء حديثنا التفصيلي عن يهود المنطقة العربية وإرثهم الشعبي، فحالة التهجير والعنف المركزة التي حصلت خلال إعلان قيام دولة إسرائيل، كان ضحيتها اليهود العرب والفلسطينين معاً ويتحمل تبيعتها الكيان الصهيوني وأنظمة الحكم العربية .