الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

ولادة قطب إقليمي جديد: بعد إيقافه للحرب .. اليمن يرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط

  • منذ أسبوع - Friday 09 May 2025

منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

AF

 


“اليمن بعد الحرب: هل يُعاد تشكيل موازين القوة في المنطقة؟”

 

 

 

حين تُطوى صفحة الحرب، لا يُكتب النصر فقط بل يُعاد رسم خرائط النفوذ. واليمن، الذي صمد أمام واحدة من أعقد الحروب المركّبة، لم يكن يخوض معركته على أرضه فحسب، بل كان يُخوض عنه – وفيه – صراع إقليمي ودولي أراد أن يُعيد ترتيب أوراق المنطقة. فهل يمكن لليمن، بعد انتصاره في مواجهة تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، أن يتحول إلى لاعب استراتيجي حاكم في الإقليم؟ وهل سيكون سيد المرحلة القادمة في الخليج والقرن الإفريقي؟

 

 

 

1. اليمن بوصفه محورًا جيوسياسيًا لا غنى عنه

 

 

 

لطالما كان اليمن يُنظر إليه كأرض ملحقة بالصراع الخليجي أو بوابة خلفية للتدخلات الإقليمية. لكنه الآن يعود ليؤكّد موقعه كأصل في المعادلة لا كفرع. يسيطر على أحد أهم المعابر البحرية في العالم (باب المندب)، ويملك عمقًا حضاريًا وثقافيًا يضرب في جذور التاريخ، وشعبًا تمرّس في مواجهة الحصار، والغارات، وحروب الوكالة.

 


ومع الانكشاف الواضح للضعف الأمريكي في فرض أجندته، سواء عبر الحرب المباشرة أو بالوكالة، ومع الانهيار الأخلاقي والسياسي للسردية الغربية حول “الشرعية”، بات من الواضح أن من صمد هو من سيملك شرعية ما بعد الحرب.

 

 

 

2. هندسة جديدة للقوة: اليمن كقوة مركزية لا محورية

 

 

 

ما بعد الحرب ليس استعادة للوضع السابق، بل إنتاج لنظام إقليمي جديد. وإذا استمر مسار القوة اليمنية في التبلور – عبر تحالف إقليمي متماسك مع محور المقاومة، وعبر إسناد شعبي داخلي متجذر – فإن اليمن لن يكون مجرّد طرف في المعادلة، بل أحد مهندسيها. أي أنه سينتقل من كونه جبهة استنزاف، إلى مركز إشعاع سياسي وعسكري وأيديولوجي.

 


والأهم أن هذا الصعود لم يُبنَ على دعم خارجي بل على تضحيات داخلية، ما يمنح شرعيته قوة مضاعفة، تجعل منه قادرًا على أن يُصدّر نموذجًا في الصمود، ويؤسس لعقيدة ردع إقليمية تتجاوز حدوده.

 

 

 

3. ارتدادات الانتصار: الخليج تحت المراجعة، والقرن الإفريقي تحت النفوذ

 

 

 

لا شك أن انتصار اليمن في مواجهة مشروع أمريكي سعودي إسرائيلي، سيدفع الأنظمة الخليجية إلى إعادة النظر في مواقفها، بل وحتى في شرعياتها المرتبطة بالغرب. وسيضطرها – تحت ضغط الداخل والخارج – إلى مقاربة أكثر واقعية، وربما تبعية ضمنية، أمام قوة يمنية صاعدة تتحرك بعقلية المنتصر.

 


أما في القرن الإفريقي، حيث تتقاطع خطوط التجارة العالمية والممرات العسكرية الحساسة، فإن لليمن، بوجوده الجغرافي الممتد، وبقدراته البحرية المتنامية، فرصة حقيقية لفرض معادلة جديدة، تُضعف النفوذ الإماراتي والإسرائيلي، وتفتح المجال لمرحلة جديدة من التوازنات.

 

 

 

4. التحدي الأكبر: هل يستطيع اليمن أن يحكم لا أن يحارب فقط؟

 

 

 

غير أن السؤال المفصلي لا يكمن فقط في القدرة على تحقيق النصر، بل في القدرة على ترجمته إلى مشروع حكم رشيد. فالنصر العسكري لا يكفي إن لم يُتبعه بناء مؤسسي، اقتصادي، وتحالفات استراتيجية ذكية.

 


سيتطلب اليمن إعادة هندسة نظامه السياسي الداخلي بما يتجاوز منطق الثورة والمقاومة إلى منطق الدولة، من غير أن يفقد روحه. كما سيكون مطالبًا بإدارة فائض القوة بتواضع استراتيجي، يضمن الاستقرار الإقليمي بدلًا من استعداء الجميع.

 

 

 

 

 

 

خاتمة: اليمن سيدٌ جديد أم ميزانٌ للقوى؟

 

 

 

قد لا يحكم اليمن المنطقة بطريقة إمبراطورية مباشرة، لكنه – بلا شك – سيكون واحدًا من أعمدة القرار الإقليمي. لم تعد صنعا تُدار من الخارج، بل بات الخارج مضطرًا للحساب لها. ومع كل ضربة بحرية، وكل خطاب سياسي يعبّر عن سيادة مكتملة، يتبلور في اليمن مشروع سيد لا تابع، ميزان لا هامش، وطن لا ساحة.

 

سلام