منذ أسبوعين - Monday 28 April 2025
AF
إعداد: محمد عادل (صحفي مصري)
تنويه:
جميع الأسماء المستخدمة في هذا التحقيق وهمية بناءً على طلب أصحاب القصص، حفاظًا على خصوصيتهم وسلامتهم الشخصية.
مقدمة:
على أبواب أوروبا، كان الحلم اليمني يحمل حقائب الأمل، لكن داخل الغربة الباردة، تحول الحلم إلى كابوس يقضم الأيام بلا رحمة.
في هذا التحقيق، أجرينا مقابلات مع سبعة يمنيين لجأوا سياسيًا إلى أوروبا خلال السنوات الماضية. جميعهم فقدوا حق العودة إلى وطنهم، ولم يجدوا في المنافي الجديدة سوى الوحدة والخذلان.
قصصهم تحكي تفاصيل السقوط الصامت لأرواح تبحث عن وطن.
س الوصابي (34 عامًا – ألمانيا):
“لما خرجت من اليمن، كنت أتصور أنني أحمي نفسي وأفتح بابًا جديدًا للحياة. اليوم، أنا عامل تنظيفات في فندق صغير في برلين. مش قادر أكمل دراستي، ولا قادر أرجع أشوف أمي اللي توفت وأنا هنا… دفنناها بالفيديو مكالمة! أنا مش لاجئ.. أنا ميت حي. كل ليلة أنام وأبكي بدون صوت.”
منال (29 عامًا – فرنسا):
“كنت معلمة لغة عربية في صنعاء. هنا، صرت أشتغل غسالة صحون في مطبخ مطعم صغير بضواحي باريس. لا أصحاب، لا عائلة، ولا لغة تسندني. لما أسمع الضحك بالشوارع الفرنسية، أحس كأنهم بيحتفلوا بجرحي. أعيش غريبة عن كل شيء.. حتى نفسي ما عدتش أعرفها.”
عارف (41 عامًا – هولندا):
“كان عندي مكتب تصميم هندسي في اليمن. لما طلبت اللجوء، تخيلت أني سأواصل حياتي المهنية. النتيجة؟ أركب دراجة طوال النهار أوزع طرود على بيوت لا يعرفني فيها أحد. صرت مجرد كود توصيل. كل شهاداتي أوراق بالية هنا. أولادي يسألوني: بابا، ليش ما عندنا بيت مثل الناس؟ وبسكت، لأني ما أملك إجابة.”
ب- المخلافي (36 عامًا – السويد):
“السويد؟ يقولون إنها بلد الإنسانية! والله هنا الوحدة أكلتني حيّة. من خمس سنين، ما شفت أمي ولا لمست إيدها. عايشة لوحدي في غرفة بـ”سكن جماعي” بارد زي القبر. لا حب، لا عيلة، لا حتى صديق يقول لي مساء الخير. حتى الابتسامة صارت رفاهية. أتمنى أنام يوم واحد في حضن أمي، بس يوم واحد.”
و- المقطري (30 عامًا – بلجيكا):
“حلمت أن أوروبا بتفتح لي أبواب الدنيا. لكن وجدت نفسي عامل بناء يومي. أرجع للبيت وجسمي مكسر وما معي حتى حق وجبة ساخنة. أسمع كلام جارح من الناس، ونظرات تحسسني أني غريب ومنبوذ. كل شهر أرسل حوالة صغيرة لأمي في اليمن وأكذب عليها، أقول لها أنا مرتاح، وأنا في الحقيقة كل يوم أموت من الحزن.”
ن القباطي (27 عامًا – النمسا):
“أنا مش لاجئة.. أنا تائهة. عشت طفولتي وأنا أحلم أكون طبيبة. اليوم، أقف خلف كاشير سوبرماركت، أعد النقود وأشوف أحلامي تنقص مع كل زبون يمر. لا أحد هنا يسألني مين كنت أو شو حلمي. الحياة في أوروبا قاسية.. واللي ضيع وطنه، ضاع.”
عبدالإله (38 عامًا – بريطانيا):
“بريطانيا.. بلاد الفرص! وأنا هنا، مجرد رقم تأمين اجتماعي. الناس باردة، المشاعر معدومة. حتى الشمس هنا تكره تطلع. فقدت أبي وما قدرت حتى أحضر جنازته. وأطفالي بدأوا ينسوا لغتهم العربية. أحيانًا، أنظر للمرايا وأسأل نفسي: من هذا الغريب؟ اللجوء ما أنقذنا.. قتلنا بهدوء.”
تحليل المشهد:
الحالة النفسية: جميع المشاركين يعانون من اكتئاب، شعور بالغربة، ونوبات بكاء متكررة.
الوضع المعيشي: الكل يعمل في وظائف دنيا لا تتناسب مع مؤهلاتهم، مع دخل محدود بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية.
الاندماج: ٦ من ٧ أشاروا إلى فشلهم في تعلم اللغة أو بناء علاقات اجتماعية فعّالة مع المجتمع المحلي.
فقدان الروابط العائلية: كل العينة فقدت إمكانية زيارة اليمن أو التواصل المباشر مع الأهل، لأسباب سياسية وأمنية، وزاد ذلك من حدة مشاعر الاغتراب والعجز.
خاتمة:
خلف العناوين البراقة عن “حماية اللاجئين” تختبئ قصص وجعٍ لا تنتهي.
هؤلاء اليمنيون، مثل كثيرين غيرهم، دفعوا ثمن الهروب من الموت بموت آخر صامت… موت ببطء تحت سماء لا تعرف أسماءهم، ولا تسأل عن أوطانهم المفقودة