منذ أسبوعين - Sunday 27 April 2025
Af
المقدمة
هل تتخيل ان القمح مرتبط بكل شيء في حياتنا منذ فجر التاريخ ، منذ نشوء الانسان وانتقاله من الصيد الى الزراعة، مرتبط بالاستقرار والنمو والنهضة ونشوء الدول ، والحضارات ، ومن ثم بالتجارة والصناعة والاقتصاد، والتنافس الدولي، ومرتبط بالفن والموروث، والعادات والعبادات والتقاليد ومواسم الحصاد
هذا الكتاب هو ابحار غزير في كل هذا، يربط الجغرافيا بالتاريخ، والقديم بالمعاصر، والثقافة بالاقتصاد، والسياسة بالخبز.
انه لايحكي قصة القمح، ولكنه يحكي القصة منذ خلال القمح، منذ ظهوره في الهلال الخصيب وانتقاله الى الصين، لنعرف ماذا حدث.. وماذا يحدث!
٩٥٠٠ق-م
القمح الملقى على الطرقات ، في مخازن الحبوب والحقول، وشاحنات النقل، وسفن الشحن ..
رحلة حياته سر من اسرار الحياة، منذ بدايته الغامضة كنبته برية جذبت اليها اول يد بشرية، والى وجودها كايقونة اقتصاد الدول الكبرى.
طوعتها كما طوعت الطبيعة وكل ما حولنا، ولكن جرب ان تفصل تاريخك عن مسارها، ستجد انها هي من تستدرجك .. من بداية الثورة الزراعية والى الثورة الصناعية.. وثورة المواصلات التي اثرت عليها، وحتى ثورة المعلومات اليوم.
هل تتخيل الحضارة دون غلال القمح وسلال الخبز ومخازن الحبوب وشحنات الدقيق، وهل ستحدثنا عن انجازك دون ان تكون احد الناجين من مجازر الجوع حول العالم وعبر التاريخ!
فتحت الشمس الذهبية، في نهار ربيعي وقفت سنبلة قمح وحيدة ناعمة تهزها الرياح، غير ان هذه السنبلة الأولى قبل ٩٧٠٠ ق م ما كانت تعلم انها ستيعش الى يومنا هذا
القرن ٢١ يناير ٢٠٢٠ سفينة ضخمة ترمي حمولتها من القمح في البحر.
القمح هو المحصول المفضل في أمريكا، فزراعته مهمة للمنافسة الاقتصادية.
القرن ١٧
المستعمر الأبيض يحصل على أراضيجديدة، وهجر أوروبا ، فالارض هنا شاسعة، لقد جلب معه الماشية التي ستحتاج للطعام، والرعي، حيث ستدمر عملية الرعي بحد ذاتها الأعشابوالنباتات المحلية في القارة الجديدة.
سوف تستبدل لاحقًا بانواع أوروبية ، وتدخل أنواعًا جديدة، مع تعرية وانحسار الغابات بسبب الرعي، وتربية الماشية ، إضافة لقطع الأشجاروالاعمار والاستيطان ، تدهورت التربة.
مصدر- كتاب كورون وليان تغيير الأرض- cronon william changes in the land 1983 التغييرات في الأرض
بسبب الحراثة العميقة ، تم استنزاف العناصر المغذية للتربة، لقد افسد ارضه الجديدة.
سيحتاج الان الى فلاحين يزرعون الأرض! فمع الوقت انتشرت المزارع في الولايات المتحدة ، تم استعباد الأفارقة للزراعة.
القمح المحصول المفضل، في أراضيالمستوطن الجديد.. لقد ناقش الادب والفن حالة الاذلال والاستعباد التي عرفتها امريكا.
فيلم لديزل واشنطن علي استعراضه هنا لانه يثبت لي صورة ذهنية، وكذلك فيلم اخر ظهرت فيه اوبرا وينفري ، فلندخل الى السينما الامريكية لنرى
فيلم 🎥
Years a Slave يدور الفيلم حول معاناة رجل أمريكي من أصل إفريقي لمدة 12 عاما عمل خلالهم مزارع في ولاية لويزيانا، بعد أن تم اختطافه من أسرته في واشنطن وبيع كعبد وفقد حريته ومكانته الاجتماعية. الفيلم من إخراج ستيف ماكوين وبطولة تشيوتيل إيجيوفور، وسارة بولسون وبراد بيت، تم إنتاجه عام 2013، وحقق مبيعات وصلت إلى 187 مليون دولار.
فيلم ستيفن سبيلبيرغ ١٩٩٧ يستعرض قصة حقيقة لاحداث ماعرف بسفينة العبيد
وافلام سينمائية وتسجلية عن ماكلوم اكس.
فيلم بيلوفد بطولة اوبرا وينفري
الفقر ،مثل العبودية والتفرقة العنصرية،ليس حالة طبيعية وإنما هو من صنيعةالانسان ولهذا فإن مواجهته والقضاءعليه بيد الانسان.
نلسون مانديلا
القمح ولد والشعير بنت
…
جبهة القمح
القمح محصولنا الرائع استعبدت زراعته المزيد من الافارقة، فقد كان النظام الزراعي معقدًا ، وكثير من الممارسات لا ادمية
لقد شهد القمح هذا الفصل من الحضارة ، مأساة اذلال العبيد في أمريكا.
( تاريخ العبودية في أمريكا)
هذا الاذلال الذي حدث في القرن ١٨ و١٩ ميلادي ، وصمة في تاريخ البشرية وجزء من صيرورتها وتطورها، ثقافة الاستعباد عرفتها كل بقاع الأرض والعوالم القديمة والحديثة
ومع تطور الفكر الإنساني بدا ينتفض على هذه الممارسات التي كانت اعتيادية!
فما كان معتادًا اصبح جريمة ، هنا سنعرج على تاريخ التحرر آو تحرير العبيد في إمريكا ، كيف غيرت أمريكانفسها.
هكذا يتصور الانسان، العنصرية اليوم يجرمها القانون هناك ، وتحرمها الأديان!
غاندي كان عنصريًا ، لقد كانت ثقافة مقبولة، غاندي المناضل الهندي كان يحتقر الافارقة!
حقيقة ام إشاعة؟
الموت جوعًا مازال الشبح الذي يهدد البشرية، ومازال تصنيفه الأعلى لدى منظمة الصحة العالمية
لهذا فالتجويع سلاح فتاك ضد الأعداء، مازال يستخدم في الحروب
لكن المجاعة وانتشار الجوع، وموت الناس جوعاً دليل على اختلال التوازن البيئي ، انها علامات اختلال الحضارة، او فقرها، في أي مرحلة مرت وتمر بها
ففي عصر الازدهار يكون الرخاء، الذي يقاس أولا باشباع البطون.
ولكن كما اشرنا مازالت المجاعة منذ فجر التاريخ تستخدم كعقوبة، حيث يتم حصار الناس ليموتوا جوعًا
ففي المجتمعات الرومانية واليونانيةالقديمة، كان أسلوب التجويع يستخدم كسلاح ردع وعقوبة ، واستمر ذلك الى عصرنا الحديث.
وحديثاً فاقت نسب الموت جوعًا فيالعام ٢٠٢٠ وهو عام انتشار الجائحة "كورونا" ارقام الموت بكورونا نفسها! بحسب اوكسفام البريطانية ، فا١١ شخصًا يموتون جوعًا كل دقيقة!
ان ارقام الجوعى تتزايد حول العالم ، فبحسب الأمين العام للأمم المتحدة فان ٨١١ مليون شخص واجهوا الموت جوعًا في ٢٠٢٠
وانه على الدول العمل للقضاء على الجوع مع ٢٠٣٠؟ فهل يمكننا فعلا انهاء شبح الجوع والمجاعة والتجويع من كوكبنا ؟ الكوكب الأخضر كوكب المزارعين؟؟
الأرض مليئة بالحقول والمزراعين، والزراعة منذ ١٠ الف سنة مهنة أساسية، وحين تمت زراعة الحبوب لأولمرة قبل التاريخ، وهي تعتبر انها سلع استراتجية ، وكان الهدف البشري الأول على هذه الأرض هو انهاء الجوع ؟
فكيف لم يصل لهذا الهدف! بعد كل هذا التاريخ، والتطور، كيف وصل المريخ والقمر! ولم يصل لهدف القضاء على الجوع؟؟
اذا منذ اول سنبلة زرعها الانسان قبل عشرة الف سنة وحبوب القمح ارتبطت بالتطور الإنساني.
لها قصة طويلة تروى، مع الطقوس والعادات والاهازيج والأديان والعلوم.
مؤامرة البقاء جوعى
طالما والجوع سلاح، فلن ينتهي..
منذ اكتشاف الانسان للقوة الم الجوع، وان البقاء دون طعام يمكن ان يقتله، وهو يصارع للحصول على طعام ، واستخدم سلاح حرمان الطعام " التجويع" ضد اعدائه
لذلك سيبقى سلاح التجويع في العالم ،الى نهاية العالم، بعد ان فقد الانسان السيطرة عليه، فالجوع اليوم يلتهم ملايين البشر ، ولكن هناك دول تفضل حكم الجوعى وان تبقى الشعوب جائعة وخاضعة
وسيتم اخضاع دولاً بأكملها، بمنعها وحرمانها من الزراعة ، وخاصة الحبوب وعلى رأسها القمح، فقط ليتم التحكم بها عن طريق طعامها ، وتتسول خبزها.
سياسة تسول الخبز
كيف تصل حبة قمح من استراليا، الى قريتنا الصغيرة "الصفا" وسط جبال تعز، لتخبزها جدتي في تنور الحطب!
هل لدولتك سطوة وسيادة وقوة وهي من زراع القمح! ام من مستورديه؟؟ تذكر الجوعى لا يصنعون حضارة، ولا يخلفون إرثًا ،ولا يخلقون انتصاراً، ان شعوب وجيوش من البطون الخاوية يمكن استعمارها بسهولة، فلقد عاش الانسان منذ خلق على هذه الأرضيسعى وراء الطعام، ولم يبني الحضارة والحصون والقصور، الا حين اشبع بطنه، الجائعون دائمًا في كل عصور التاريخ كانوا هم العبيد في القصة.
هكذا يرتبط الغذاء بالتاريخ، الغزوات الاولى في تاريخ البشرية كانت للاستيلاء على الأرض الثرية ، وهياغنى المناطق بالغذاء، الثروة الأولى، قبل ان يكتشف الانسان مصادر أخرىللثروة وأسباب أخرى للحروب وللغزوات.
وحبة القمح تصنف انها من اهم أسبابنشوء واستقرار الحضارة الإنسانية، حين ادرك الانسان مبكرًا أهمية تلك السنابل البرية، فابتكر طرقاً للحفاظ عليها وتطويرها، مع اكتشاف الزراعة، التي جاءت على يد النساء في بداية تكون المجتمع الامومي.
فبدون الزراعة لا حديث عن الحضارة، وتشييد القصور والجسور والسدود، والمعابد، والقطع النفيسة التي تمتليء بها المتاحف اليوم.
كل هذا يرتبط بحبات قمح الذهبيةالصغيرة، التي كانت ومازالت المصدر الأساسي لغذاء الانسان، وتجويع الشعوب، واذلال الدول وتطويعها، وحفظ امنها القومي.
القمح محصول سيادي، فالدولة التي تزرع القمح اليوم تملك قرارها السياسي، فكما كان له دور في نشوء نواة الحضارة قبل الاف السنين، مازالت نواة القمح تلعب ذات الدور المؤثر في القرن الواحد والعشرين.
لقد خلقت
منذ اول سنبلة ظهرت بشكل غامض قبل عشرة الف سنة، دون زراعة او اهتمام احد، وحبة القمح مرتبطة بتطور الجماعات الإنسانية، وقصتها تطول مع قصة نشوء الحضارة وتطورها.
حبة صغيرة امتلكت من الذكاء لتتعايش مع محيطها،وتتقبل التغييرات،وتسمح لجيناتها بالتطور
علاقتها ستصبح متينة بكل ماحولها،وستكون ملهمة، لتشكل نواة عالم جديد، وتصبح جزء من ابتكار مهن جديدة ،أهمها الزراعة، لتقود ورفاقها من النباتات الثورة الزراعية،التي غيرت شكل البشرية، واسست للمجتمعات والمدن والحضارة.
تاريخ جديد بدا يكتب منذ ظهور اول سنبلة قمح، فتخيل تاريخ العالم الضخم والثري، والممتد والمتخم بالبطولات والانتصارات، لولا حبة قمح، وبعض النباتات والثمار البسيطة التي تطوعت بالظهور قبل الالاف السنيين
تلك السنبلة ارتبطت بالمهن والحرف التي امتهنها الانسان منذ فجر الحضارة، وبالعادات والتقاليد، الثقافات وتنوعها وتطورها،وشهدت ثورة ونشوء الأديان وتناسخها،واختراع وتمجيد الآلهه، والتضرع اليها لحفظخصوبة الأرض،وحماية المحاصيل، فكانتعدد الالهة ،إله الرياح والخصوبة والماء والمطر عند اليونان والرومان والهندوسوالسبئيين والفراعنة، فمن تنوع النباتات والطبيعة تعلم الانسان التنوع، قبل ابتكار المركزية والتوحد والتوحيد كرمز للقوة.
حبة القمح تخزن داخلها مراحل تطورالتاريخ الإنساني، باشكاله وتنوعاته، فقد عاصرت كل تلك الحضارات وسافرت معها حتى وصلت الى عصر بورصة القمح، وصراع الدول على تصدر قائمة الدول المصدرة للقمح، الذي اصبح ثروة قومية، وقرار زراعته سيادي، ونظام اقتصاده استراتجي.
فمنذ ابتكار الزراعة الى تاريخنا هذا،مازلت سنبلة القمح جزء من المعاملات التجارية، ومن دورة الاقتصاد، وعلاقات الدول، وقوتها وضعفها، متأثرة ومؤثرة، وقريبة من قصص بثخ الشعوب وثرائها، وكذلك مآسي فقرها ومجاعتها واذلالها، وثورات شعوبها، وتغير مسار تاريخها، فاعظم الثورات في التاريخ كانت بسبب الجوع، بسبب عدم توفر الخبز، هنا ستقولماري أنطوانيت " لماذا لا تاكلون الكعك!"
الحقل الشاسع مقياس السيادة والقوة ،ارتبط بطرق الفلاح البدائية التي أصبحت نظم اقتصادية وسياسية تطورت مع الوقت، لتشكل نظامًا عالمياًصلباً وطاغيًا .
الحقل أسلوب الحياة،وثقافة الطعاموتنوع مذاقه واشكاله،واقتصاده ،وطرق حفظه، ونظم استهلاكه، تشكل مجتمعة قوام الامن الغذائي، المرتبط بالامن القوي للدول، ووزرات التجارة والاقتصاد، وأسواق البورصة في النظم الراسمالية، والحصص التموينية في النظم الاشتراكية ،ومنظمات الإغاثةوالغذاء الدولية في الدول المكنوبة.
حبة قمح من يد المزراع الى الطحان ، والفران، وصاحب المعمل، وسوق الحبوب ، وللمؤسسات الاقتصادية، ملايين الايادي العاملة، تدور حول نواة واحدة وهي قصة نشوء وتطور الحضارة.
القمحة الأولى
كل هذا بدأ في احدى صباحات الربيع، قبل الالاف السنيين في الهلال الخصيب في بلاد مابين النهرين، تحت حرارة شمس دافئة، في رقعة ممتدة بين العراق وسوريا اليوم، حيث وقفت السنابل الرقيقة في العراء تهزها الرياح، وسط حقول شاسعة، لتعكسبلونها القمحي اشعة الشمس الذهبية،بعد موسم شتوي ماطر.
انها البداية، التي لم يبدأها الانسان ، ففي هذا المشهد يظهر الجد الأوللسنابل القمح التي ستزرع بعد ذلك في الحقول الكندية والروسية، والأمريكيةوالصينية،حيث التنافس الدولي المحموم للسيطرة والسيادة على سوق القمح.
فكيف خُلقت اول حبة قمح، وشقت الأرض واثمرت وانضجت سنابلها وتناثر حباتها في الأرض كبذورلسنابل جديدة، هل التهمتها الحيونات قبل ان تصل اليها يد الانسان، وتجمعها وتخزنها وتاكلها!
فترتبط منذ ذلك الوقت بعلاقة خاصة مع الجنس البشري، وتصبح اغلى الحبوب واهمها.
القمح إيمر
المحصول المؤسس للحضارة
كانت يد مزارع بسيط تسمد له الأرض، بعدما تنثر الحبوب، التي ستستقر في التربة كبذور، حرارة الشمس لم تكن عالية، انه أوائل الخريف، وبيدين خشنتين يفرك التربة الرطبة، بقليل من السماد الحيواني، ومع الصيف القادم سيكون حقل السنابل جاهزاً للحصاد، حيث سيعيد هذه العملية مرات أخرى.
كانت المعجزة البشرية البسيطة في تطويع السنابل البرية " قمح وحيد الحبة" ليصبح "قمح ثنائي الحبة"
جزء من المهمة الأولى للإنسان على هذه الأرض، مهمة تطويع الطبيعة، لتصبح تحت امرته
شوالات القمح والدقيق التي ستشحنها منظمات الغذاء الدولية لبلدان المجاعة والحروب، اوتلك التي ستبيعها بيوتالتجارة لدول شحيحة الموارد الزراعية، ليبعها تاجر محلي لسلسلة افران شهيرة ، تصنع منها الفطائر والكروسون، ماكانت لتواجد لولا استئناس تلك القمحة البرية.
لقد أصبحت القمحة البرية، بعد تدخل الانسان، اكثر صلابة وقوة، فلم تعد تتناثر حبوبها في الحقول، وتفقد اكثر من نصف محصولها، انها القمحة التاريخية الشهيرة (إيمر او ميرا، ميري )
٥٥٠٠- ٤٥٠٠ ق-م
ظهرت هذه القمحة كاول قمح ثنائي الحبة، وبحسب الاثار المادية فقد تم ادخال هذه الحبة الى مصر
وكانت جدتها القمحة البرية وحيدة الحبة قد انتقلت الى أوروبا قبل ٨٠٠٠ الف سنة .. تحديدًا في بريطانيا
لقد تتبع العلماء اثار الحمض النووي، للقمح في ارض رخوية قديمة، حيث جرى تداوله هناك كنبته برية، قبل فترة طويلة من زراعته
البحث المنشور في دورية العلوم البريطانية " ساينس"
بريطانيا والاتحاد الأوربي في العصر الحجري
اذا كانت بريطانيا جزء من الترابط الثقافي والحركة الاقتصادية في أوروبا قبل ٨ الف سنة فهي وقتها لم تكن جزيرة منفصلة.
وهي الان تنفصل عن الاتحاد الأوربي كانت بدايتها متشبثه به وجزء من القارة الاوربية ، وهذا ظهر من خلال تتبع رحلة القمح
فقد انتقل القمح من جنوب أوروبا الى بريطانيا العصر الحجري في العصر الحجري الثاني
هذا ما تقوله الاكتشافات وتفشي سره،حيث يكشف الكثير من تاريخ تكون بريطانيا.
٢٩ مارس ٢٠١٧
حكومة المملكة البريطانية تحتج على معاهدة الاتحاد الأوروبي وتقدم طلب انسحابها الذي سيحدث بعدها بعامين.
في ٢٠١٩ مارس
فالدليل الاثري يعزز ان بريطانيا كانت متصلة بالقارة مادياً، وانفصلت بعد ان أصبحت جزيرة.
حيث سجلت ولادة صناعة اول قطعة خبز، والذي كان عبارة عن حبوب قمح مبللة بالماء، فنحن لم نصل لمرحلة الطحن بعد او "عصر الطاحون".
لكن قمح اليوم جينيًا هو قمح هجين مابين القمحة ايمر والقمح البري الأول.
وعملية " استئناس القمح" سمحت لهذه النبتة البرية تصدر قائمة الاحتجاجات الأولية للإنسان ، فاصبحت اعلى قائمة الاختيارات، وفي قاعدة هرم الاحتياجات كغذاء، ومما لاشك فيه ان تطويع بناة الاهرامات لها مكنها من البقاء لالف السنين.
*صورة لهرم ماسلو او هرم الاحتياجات الأساسي للإنسان والذي تاتي الحبوب والقمح في قاعدته كاكبر احتياج انساني
القمحة ايمر موجودة الى اليوم بنسختها الأولية في احد متاحفالدراسات الأوروبية، كدليل على تطويع الانسان الأول للطبيعة، قبل ٩٧٠٠سنة قبل الميلاد
في يناير ٢٠٢٠ ستعبر سفينة ضخمة المحيط وتفرغ حمولتها من القمح في أعماق البحار، الاف الاطنان من محصول القمح من المزارع الامريكية والكندية، والأوروبيةوالاستراليية، يتلف ويرمى سنويًا في البحر للحفاظ، على أسعار القمح العالية، فتوفر القمح بكميات كبيرة سوف يخفض من قيمته، ويسبب خسارة كبيرة لمنتجيه.
وفي مكان اخر باحدى أسواقالحبوب في قرية سودانية، هناك نقص باكياس الطحين إضافةلغلاء أسعارها، ان الارفف في البقالات شبه فارغة.
سيعود"صلاح" الى منزله بكيس طحين صغير فهو لا يستطيع دفع ثمن شوالة دقيق كبيرة ، لتتمكن زوجته من صنع بعض أقراص من الخبز لاطفالهم.
الافران في السودان تبيع الخبز الجاهز، حتى في القرى، حيث لم تعد كثير من النساء يجلسن ساعات طويلة فوق تنانير الخبز، لكن تكلفة اعداده في المنزل ستبقى اقل كلفة، واكثر توفيرًا لاسرة محدودة الدخل.
حتى في قرى اليمن، حيث ابتكرت المدرجات الزراعية قبل اكثر من ٣٥٠٠الف عام لتطويع قسوة الطبيعة وحدة تضاريسها، من اجل الزراعة، أصبحتالافران هي الموفر الرئيسي للخبز،برغم بقاء عادة خبزه في المنزل بطرق مختلفة، لكن الافران توفر الرغيف بسعر مناسب وتجعل من المهمة اليومية أسهل.
الاختفاء التدريجي لصناعة الخبز في المنازل، ارتبط بالتقاليد المدنية، حيث صنفت عادة صناعة الخبز المنزلي بانها عادة قروية، فالمدن لاتصنع خبزها في المنازل ، انها تشتريه من المخابز والافران المتناثرة بين احياء المدن .
لذا ستبقى الدول التي فيها المدن والقرى والنجوع بخير ، طالما مازالت النساء يخبزن في البيوت، والمزارع تجود بما يحتاجه السوق من حبوب وخضروات.
الاكتفاء الذاتي يبدا من البيت، ولا علاقة للمدنية بنمط الحياة الاستهلاكي،غير ان الامر ارتبط بعمل النساء خارج المنزل، لذلك، قل حضورهن في مجال صناعة الطعام المنزلي، وهي مهمة ليست سهلة، مع انهن كمزارعات يعملن خارج المنزل من مئات السنين، فهن اليد الأولى التي اكتشفت الزراعة.
النساء يزرعن الخبز والحرية
لقد اكتشفت المراة الزراعة، في الوقت الذي كان في الرجل مشغولًا بالصيد، ولولا اكتشاف الزراعة، لما حدث الاستقرار، الذي اصبح جزء من طبيعة تكوين المرأة، التي تنشد الاستقرار، لذلك ترتبط النساء بالبيوت، بالعائلة، فهي من اعادت الرجل من رحلات الصيد الطويلة الخطرة، ليبقى معها في الحقل بجوار الكوخ، ليتقاسما الأدوار، وبفعل هذا الاطمئنان الذي وفره الاستقرار، وعدم الخوف من فقدان الطعام، بدا التفكير بتوسيع الحقول، وتشييد البيوت.
اليوم تركت النساء الزراعة، ففي مجتمعات زراعية كثيرة، سُجل غيابًا ملحوظاً للمرأة الريفية منذ عقود قليلة، ولم تعد هذه المهنة مرتبطة بالنساء بشكل رئيسي.
لم تعد النساء يعملن بكثرة في الحقول كالسابق ،لاسباب كثيرة، منها ماهو متعلق بالزراعة نفسها، فقط أصبحت اسهل بفضل الالات ولم تعد بحاجة لكل تلك الايادي العاملة في الحقل من نساء ورجال.
ومنها ما هو متعلق بطبيعة المجتمعات وتطورها ، واخرها متصل بطبيعة المرأةالمعاصرة اليوم، التي خرجت للتعليم والعمل، اوبقين في المنزل بعيداً عن الحقل، تهتم بشؤون أخرى .
هناك مرحلة عاشتها كل الشعوب الزراعية غرباً وشرقاً، تم فيها تأنيث الزراعة، حيث كانت النسبة العظمى للعاملين في المزارع هم من النساء، حيث وصلت الى اكثر من ثمانين في المئة.
فالمراة الريفية امراة عاملة وكادحة، لكنه عمل بدون اجر، تصنفه المنظمات الحقوقية النسائية انه عمل غير منظور، فلا يتم حساب نسبة عمل النساء في الحقول كجزء من نسبة عمالة النساء في المجتمعات.
وبرغم تناقص اعداد تواجد النساء الريفيات في الحقول ، الا انهن مازلن مفتاح لعالم خالٍ من الفقر والجوع بحسب توصيف الأمم المتحدة.
فهي تشكل اليوم اكثر من ٤٠في المئة من القوى العاملة في الحقل الزراعي، في البلدان النامية، فتلك المراة التي كانت تجمع الثمار خارج الكوخ، بانتظار عودة الرجل بصيد حيواني، أصبحتالمجتماعات الفقيرة تعول عليها بسد الاحتياج المتزايد للغذاء.
انهن اهم ابطال التاريخ في معركة محاربة الجوع، لذا فتحسين حياة المرأة الريفية من اهم اهداف التنمية المستدامة في المجتمعات النامية.
ان المجتمعات التي اعادت النساء للمنزل، ومنعتهن من الخروج والمساهمة في العمل، خكمت على نفسها بالموت، انها تعمل عكس الطبيعة وضد قوانينها، فللمراة دور في هذا الكوكب، وهذه الحضارة لم تنشاء لان الرجل خرج للصيد وهي بقيت داخل الكوخ تنتظر عندته، بل نشات لانها خرجت ولم تنتظر الموت جوعاً قبل ان يأتي ، لقد ابتكرت حلا بديلا ، لم تكن عالة ومخلوقاً كسولاً ينتظر من يطعمه، بل عملت على اطعام نفسها وكل من معها ، ومن ثم كانت سبباً بتوفر حصة من الطعام تعفي الرجل من رحلات الصيد الطويلة، كل ذلك لتلبية الاحتياج الأهم.. احتياج الطعام.
ارتباط القمح بالنساء
صوت الحبوب المتناثرة هذا الصباح، وامي تقوم بتنقية الحبوب يضفي صباحًا نشطًا ،تلقي حبات القمح بظلالها الدافئة على البيوت، وصوت ارتطامها الصغير ببعضها وامي تسكبها ليطير القش، يسجل حضوراً غنيًا في المنزل
هذه المهمة الدورية لتنقية القمح والحبوب الأخرى قبل ارسالها للطاحون، يضفي الكثير من الحميمية على عملية صناعة الخبز.
مازالت امي ونساء يمنيات يقمن بها في المدن الكبيرة، كلما وصلت شحنة حبوب صغيرة من القرية
لكنها ليست المصدر الأساسي للدقيق ، فمعظم شوالات الدقيق يتم شراؤها، حيث تقوم بالمهمة مطاحن كبيرة، وللأسف تقوم بطحن حبات القمح المستورة من الخارج.
هاهي اليوم الفجوة الغذائية أمامنا مع تزايد معدلات الفقر الغذائي في الدول النامية لاسيما الدول العربية " السودان، اليمن، سوريا العراق لبنان، والصومال"
السودان في القرن الواحد والعشرينيعاني
شحة في الطعام ف ٢٠ في المئة يواجهون انعدماً حاداً في الامن الغذائي ،بحسب تقيمم برنامج الغذاء العالمي التابع للأممالمتحدة.
ان تاريخ السودان مع المجاعة طويل، ولعل اشهرها مجاعة سنة ستة .
سنة ستة
انه العام الهجري ١٣٠٦ الموافق١٨٨٨حيث سيرتجف قلب الصغار من قسوة الجوع في أجسادهم مع مغادرة اخر نفس، انه الم الموت جوعاً
مجاعة من الأسوأ تاريخيًا في بلد هو سلة الغذاء العربي، والافريقي!
لقد تحولت مجاعة سنة ستة الى امثلة وحكايا شعبية سودانية
كانت اسر بكاملها تتوفى، مازال الناس يرون قصص
مبكية ومؤلمة، كانت أبواب البيوت تُفتح لتجد اسرة كاملة قد اسلمت الروح،والأطفال فيها مقيدين، حتى ان مات الاب والام قبلهم لا يخرجون للتسول، بسبب الأفكار المتداولة عن العيب والفضيحة وعزة النفس، فتسول الطعام في قرى كانت باذخة بإنتاج الطعام لهو فضيحة لم تجعلها المجاعة استثناءا
لقد قتل الجوع أناساً في منازلهم، لتخلد المجاعة السودانية الشهيرة ، قصص الجوعى الذين قضوا لانهم لم عجزوا عن زراعة محصولهم السنوي، بسبب الجفاف، وموجات الجراد
الزراعة، كلمة السر في التعوذية الأبديةلرغد الحياة الكريمة، ازرع لتاكل لتعيش.
المجاعة التي ضربت شرق وغرب ووسط السودان ، ومعظم الساحل الافريقيقبل قرنين من الزمن، لم تكن بسبب نقص الاهتمام بفلاحة الأرض بل كانت بسبب شحة الامطار، وجفاف محاصيل الحبوب، إضافة لاسباب عدم استقرار الوضع السياسي، تكررت مئات المرات في التاريخ الإنساني.
ان مجاعة اهل النيل لم تكن الأولىوالأخيرة ، وان كانت قد امتدت الى منتصف القرن العشرين، حيث اربعينيات القرن الماضي
فهناك في بداية القرن العشرين كانت هناك مجاعات أخرى مشابهة، كمجاعة جبل لبنان ١٩١٥-١٩١٨ وهي فترة التجويع العالمية في الحرب العالمية الاولى، وجزء منها ارض لبنان وهيارض زراعية خصبة، بل هي المحيط الجغرافي لظهور سنبلة القمح الأولىفي التاريخ.
مجاعات اهل الأرض
تاريخ سلسلة المجاعات يمتد عبر التاريخ، منذ زمن القحط الأول، الى المجاعات الأوروبية والروسية مع الحرب العالمية الثانية، لكن السؤال كيف تجوع ارض زراعية، ويموت الناس من الجوع في بلاد تنتج الطعام؟
محصول القمح السوداني بحسب تقرير الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "اوتشا"وصل في ٢٠٢٠ لربع استهلاك البلد فقط!
وهو ما يقارب ال ٧٠٠ الف طن، لبلد يستهلك ٣ مليون طن سنويًا ، مما يعني ان القمح الأمريكي والكندي والروسي والاسترالي هو الذي يقدم على المائدة السودانية، ومن يدري قد يكون كيس الطحين الذي اشتراه "صلاح" لزوجته، طحين فرنسي، يباع في بلد يمتلك مئات الالاف الهكتارات الصالحة للزراعة، ويعتبر بيئة زراعية ملائمة المواصفات ليشارك بمد العالم باحتياجه السنوي، فالسودان سلة الغذاء الافريقية!
المنطق يقول ان الطحين السوداني هو يجب ان يقدم على المائدة الفرنسية وليس العكس، وان مخابز الفرنسية الشهيرة يجدر بها استيراد أجود أنواع القمح من مصر والسودان واليمن، ولبنان وسوريا، وتونس الخضراء.
تونس التي سميت تاريخيًا بمطمرة روما او سلة الخبز الروماني، لانها كانت تزرع القمح والحبوب وتنتج الغذاء للامبراطورية الرومانية كلها على اتساع رقعتها الجغرافية ، لكنها اليوم كشقيقاتها تستود القمح ، من أمريكا، فرنسا، المانيا، بولندا،وكندا، والأرجنتين، وروسيا، واوستراليا،ورومانيا.
فمالذي حدث في ميزان العالم الغذائي ، كيف تبدلت الأدوار؟
حروب، جفاف، سياسة تجويع، أزمات ، سوء استغلال الموارد، كلها أدت بعد الثورة الزراعية ، الى موت ملايين البشر بسبب الجوع.
اخرج المزارع من داخلك
في مارس ٢٠٢١ قالت السلطات المحلية في السودات انها تعمل على تشجيع المزاعين المحليين، بزيادة قيمة شراء محصولهم الزراعي من القمح والحبوب، لزيادة توسع الرقعة الزراعية * الشرقالأوسط ٨ مارس
٢٠٢١
حيث بلغت المساحات المزروعة هذا العام ٥١٠ الف فدان،ليكون الهدف ان يغطي الإنتاج اكثر من الإنتاج المحلي اكثر من ستين ٪
اذا لدينا هنا علاقة طردية بين الاكتفاء الزراعي او الغذائي ، والاستقلال السياسي، فالدول النامية ستبقى كذلك طالما المجاعة مازالت تضربها، ولا تستطيع سد خانة احتياجها الغذائي، فالامن القومي مرتبط اساساً بالامن الغذائي، لا تستهن بالقيمة السياسية والاقتصادية لما تشتريه من البقالة المجاورة لمنزلك.
هذا هو سبب تفوق بلد كاميركا ، وبقاء تصدره كبلد اول له نفوذ وسيطرة خارجية، فقط لانه سد احتياجه الغذائي، وغطى مائدة طعامه، ليصدر للعالم الفقير احتياجه من الطعام وعلى راس القائمة "شحنات القمح"
المحافظة على سوق القمح، وارتفاع وانخفاض أسعاره، ومواصفاته، امر تتحكم به الدول الكبرى اليوم، ولكن قبل ان يصل القمح للقارة الجديدة مع المستعمر الأوروبي في القرن السابع عشر، كان الانسان الأول في بداية التاريخ قد ادرك الأهمية الاقتصادية للغذاء
مدافن القمح والحبوب عند الفراعنة ، دليل بسيط على ذلك، فلقد تتبع فريق من الباحثين في ١٩٢٤ في جنوب مصر "أسيوط" ، التسلسل الجينوميلعينة من القمح المصري، جرى العثور عليها ضمن استكشافات اثرية.
فهي ماتزال محفوظة الى يومنا هذا في المتاحف، فالزراعة هي الوصفة السحرية لعامل الاستقرار وبناء الحضارات
فارتباط القمح وسائر الحبوب والمزروعات ببناء المدن، ونشوء الحضارات، وتكون الدول، ليس ارتباطا عرضيًا
فالزراعة هي الاستقرار، لقد هجر الانسان طرقه القديمة في الترحال، وتعلم مع الأشجار الثبات في ارض واحده
استقر فانت شجرة
الزراعة هي المقدمة لقصة نشات الحضارة ، فقبل عشرة الف سنة، ظهر الفلاح الأول، الذي هجر أدوات الصيد الحادة، فلم يعد مضطرا لملاحقة الحيونات في الجبال، والنوم وسط الغابات على الأشجار في الليالي الباردة، والغياب لايام واسابيع واشهر، ليعود بوجبة تكفي موسم هذا الشتاء، لقد اصبح يمكنه العودة لمنزله كل مساء، دون خوف ان يفترسه حيوان جائع وان يتحول هو لوجبة طعام.
القمح يظهر مع الشعير في اول صورة زراعية لحضارتنا الإنسانية، كمحصول اول مازال متربعاً على القائمة، وذو علاقة وثيقة باستقرار الصياد الأول،الذي سيتحول الى فلاح.
الفلاح يتحكم بنوعية غذائه ومحصوله ووقته، والدول الكبرى التي ستنتج القمح ستتحكم باسعاره، وبسياسة الغذاء في العالم، فالاستقرار في عالم الاقتصاد قوة.
لكن تطور النموذج البشري للاستقرار، ترافق مع التطور الجيني للقمح، ومحاصيل الزراعة.
في دراسة نشرت في نوفمبر ٢٠١٩ تتبع فريق من الباحثين في كلية لندن الجامعية، التسلسل الجيونومي للقمح للمصري القديم لأول مرة،
حيث حدد الباحثون لأول مرة الخارطة الوارثية لعينة من القمح زرعت وحصدت قبل ٣٠٠٠ عام ، وعثر عليها في المقابر الفرعونية ، وتعرض منذ ٩٠ عاماً في متحف كلية لندن الجامعية.
قمحة الفلاح التونسي!
التتبع والتطور الجيني للقمح ربما لم يتوقف بعد ففي يناير ٢٠٢٠ وقبل أسابيع من انشغال العالم بفيروس كورونا، اعلن مزارع تونسي انه توصلبعد ٢٥ سنة من البحوث والدراسات الجينية والتطوير، لحبة قمح تنتج ١٩٤ سنبلة!
لن ينشغل العالم بهذا الخبر الذي تداولته وسائل اعلام محلية، سيمر ويطمر، ويبقى السؤال كيف تحولت افريقيا سلة غذاء العالم الى دول تتسول الغذاء، لماذا مازالت تونس وجوارها الافريقي حيث تضرب المجاعة، تسورد الخبز من أوروبا؟
لماذا يموت الفلاحون وهم يتوسلونكسرة خبز!
صياد ام مزارع
ستروي قصة القحط وانت تروي قصة الأرض ، وحين تتحدث عن تاريخ الزراعة ستتطرق لتاريخ المجاعة، ومع كل حبة قمح ستروى قصص مروعة عاشتها الإنسانية.
العالم الجديد يستعمر العالم القديم، لقد كان العالم القديم حيث نسكن اليوم مشغولًا بالزراعة ، بالاستقرار
لقد بقي في ارضه كشجرة، لم يطمح لاكثر من الاستقرار ، حتى ان الحروب والغزوات لم تكن للاكتشاف، بقدر ما كانت لتثبيت الحكم والاستقرار
انهم ليسوا تجارًا عبر البحار، ليسوا قراصنة، ليسوا صيادين يتنقلون بين الجبال، انهم مبتكري الاصنام والمعابد والقصور وقنوات الري والسدود، وكل عوامل الاستقرار، لقد ربطوا البقاء والاستمرار بالاستقرار، فأسسوا القرى والمدن والمجتمعات، التي ستصبح ممالك كبيرة، تتوسع وتكبر وتمتد، لكنها لا تنتقل، حضارة سيبقى اثرها وشواهدها الى اليوم.
ان القوة في عالم المزارعين هي الاستقرار، انتظار مواسم الحصاد، تخزين المحصول، اتقاء شر البرد والجفاف، وان مرت سنوات عجاف، فانت لن تغادر ارضك، بل ستموت جوعاً داخل حقلك او في بيتك، لكن الصياد والقرصان سيغادر.
الزراعة بلا شك هي الحلقة الأهم في مسلسل نشأت الحضارة، لذا ارتبطت سنابل القمح بنمو واشراق الحضارة الإنسانية.
الصياد القادم من العالم الجديد حيث الصقيع، سيغادر بحثاً عن ارض جديدة، فهو ليس شجرة، لن يهتم بخلق صنم يعبده، ويطوف حوله، ويجعل حياته تتمركز حول سلطة يحميها، سيغادر مع الرياح، ويطير مع السحاب ، سيكتشف عالمًا جديداً ، وقارات لم نسمع بها من قبل، ويصبح هو سيدها، ويحضر عبيده من العالم القديم، أفريقيا قلب العالم، الفقيرة جداً والتي حولت بفقرها أهلها لعبيد
لماذا سيصبح المزارع فقيرًا ، ثم عبداً، ثم يموت من الجوع!
أكتوبر ٢٠١٨
صورة فتاة هزيلة،على صفحات "نيويورك تايمز"، امل حسين الفتاة اليمنية، التي التصق جلدها بعظمها، ستهز جدار الصمت العالمي وتلفت نظرالعالم، للمجاعة في اليمن.
لم يستطع هذا العالم بدوله الغنية ومؤسساته الدولية، ومنظمات الإغاثةانقاذ "امل"، لقد توفيت بعد أيام من نشر الصورة، قبل ان يكرم فريق الصحيفة الامريكية على نشره الصورة بجائزة التاثير العالمي في ٢٠١٩
لقد تحولت "امل" الى ايقونة للمأساة اليمنية وهي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، حيث حدثت مجاعات مشابهة في روسيا وأوروبا، ففي " لينينغراد" بطرسبرغ حاليًا قبل تسعة عقود كانت طفلة أخرى يلتصق جلدها بعظمها تصارع الموت، قبل ان تموت جوعا وبردا بسبب حملة عكسرية فاشلة من قبل دول قوات المحور بقيادة هتلر والجيش الألماني للاستيلاء على ليينينغراد
ماتت "انوشكا " دون ان يلتقط لها احد صورة وقتها، ودفنت في مقابر جماعية،
ان صور الجثث المتكدسة في الطرقات بسبب المجاعة، ووجوه الأطفالالموتى جوعاً وبردًا مازالت عالقة في الذاكرة الإنسانية، انها مشاهد تتناثر عبر التاريخ الإنساني، تغير موقعها او زمنها لكنها المأساة واحدة.
سيسرقون رغيفك
كثير من الدول حُرمت من زراعة الخبز، فزراعة القمح ، في الدول يخضع لسياسة دولية، تمامًا مثل قرار استخراج النفط.
فكثير من الدول لاسيما العربية منعت مزارعيها في مراحل مختلفة من زراعة القمح
سجلت قبل أعوام مناشدة مزارعين سعودين للملك السعودي ليسمح لهم بزراعة القمح، وقال المزارعون ان كان الامر متعلق بشحة المياه فزراعة التبن تستهلك ماء اكثر!
وفي ديسمبر ٢٠١٨ قررت اللجنة الزراعية السعودية العودة عما اسمته قرارًا خاطئاً، وقررت زراعة القمح في المملكة السعودية.
باعتبار القمح سلعة استراتجية ، وفعلا سمحت وزراة الزراعة بعد نداء المزارعين بزراعة القمح ووقف زراعة الاعلاف التي تستهلك ٦ اضعاف كمية المياه التي يستهلكها مزروع القمح.
فقد كان العام ٢٠١٤ هو العام الأخيرلزراعة القمح السعودي، بحجة انه يستهلك ستة عشر مليار متر مكعب من المياه، في بلاد قاحلة شحيحة المياه.
فالاراضي السعودية صحراوية، وتحتاج توفير كل قطرة ماء، فالزراعة هناك بحسب احصائيات رسمية تستهلك أربعة اخماس من المياه الموفره للشرب.
لقد مر مشروع زراعة القمح السعودي، بمراحل كثيرة منها مرحلة ذهبية تمثلت بدعم المزراعين سنويا بمبالغ كبيرة، وصلت أحيانًا الى خمسة واربعون مليار ريال سعودي &$! مقابل انتاج قمح يمكن استيراده بعشر هذا المبلغ،حيث يستورد من أمريكا وكندا وأستراليا وفرنسا، فتم التنازل عن توفير الاكتفاء الذاتي،والامن الغذائي امام لغة الأرقام، في بلد لم يُخلق ليزرع!
وبلغة الأرقام لماذا لا تزرع الحصة السعودية للقمح في اليمن او السودان ، حيث الأراضي الزراعية ووفرة المياه، وهذا سيوفر مليارات زراعته في السعودية، وكذلك مليارات استيراده من الغرب، فيكون هناك استثمار سعودي في الجوار العربي، لمزارع سعودية تُزرع بالقمح والحبوب وكل المزروعات الأولية الزراعية، مقابل تبادل تجاري او اتفاقيات اقتصادية، ضمن خطة تكامل اقتصادي بين هذه الدول.
ازرعوا برسيم
وفي مصر حالة أخرى، برغم ان البلد زراعي وتاريخياً قامت حضارته على الزراعة، وكان اول من استئنس القمح، الا انه في مرحلة ما مُنع من زراعة القمح
بحسب ما قاله باحثون بعد سنوات من انهاء حكم محمد حسني مبارك.
فالقمح في مصر قضية امن دولة، وكما قلع السعوديون القمح وزرعوا العلف، كذلك في مصر تناقصت حصة مزارع القمح لصالح البرسيم.
انه الاهتمام بمستقبل الثروة الحيوانية واكتفائها الذاتي، ولكن على حساب الاكتفاء الذاتي للمزراع اولاً!
لقد تناقصت المساحات المزروعة بالقمح في ٢٠٠٩ الى خمسة وعشرين في المئة، وفضل الفلاحون البرسيم!
لتصبح مصر اكبر دولة في العالم تستورد القمح، وهي التي رسمت سنابله قبل الالاف السنين على جدارن المعابد، إدراكًا لاهميته، حيث اطلق الفلاح القديم اسم ميرا على القمح.
تؤرخ مصر لبداية مشكلتها مع القمح ، مع كل بداية جديدة لمرحلة سياسية، فبعد ثورة يوليو ١٩٥٢ أراد الرئيس جمال عبد الناصر رفع مستوى الفقراء، فامر ان يصنعون رغيف خبزهم من القمح بعد ان كان يصنع من حبوب اقل جودة.
وهذا رفع نسبة الاستهلاك المحلي للقمح، فاضطرت الدولة المصرية لاستيراده.
لقد كانت معادلة الاستقلال والعزة عكسية الاتجاه، فلا استقلال بخبز القمح المستورد من بره!
هذا ماذُكر في صحيفة المصري اليوم – مايو ٢٠٠٩ بحسب الدكتور عبد السلام جمعة الملقب "ب أبو القمح"
بمعنى ان عبد الناصر وهو يخوض معركته المصرية لنصرة الفلاح المصري، في طريق العزة والكرامة والحرية، جعل مصر تستورد القمح!
ليأكل الفلاح الفقير رغيفه من القمح تمامًا كما ياكل الاغنياء، مما يعني ان هناك قصور في مفهوم الحرية والكرامة، فالاولى ان يزرع الفلاح رغيفه، وان تصدر مصر القمح.
لقد بقي القمح لعقود خارج اوليات حكومة ينخرها الفساد، وسوء التنظيم،احمد الليثي وزير الزراعة السابق انتقد اكثر من مرة عبر الاعلام المصري سياسية الحكومة التي بقيت على مدى ٤٠ عاماً فير مهتمة بالاكتفاء الذاتي
فخلال نصف قرن لم يهتم بتحقيق الاكتفاء الذاتي المصري من القمح الا وزيري زراعة فقط، الأول مصطفى الجبلي في ١٩٧٢، والوزير الثاني كان د. احمد الليثي ٢٠٠٤
لا تطعمني قمحاً كل يوم ..علمني ازرعة
لقد كانت السياسية الزراعية في مصر على مدى عقود متذبذبة تتداخل بها عدة عوامل ، فهناك من القى باللوم على اتفاقية كامب ديفيد " اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل " والتي بموجبها تحصل مصر على معونة القمح.
فبعد الحصول على هذه المعونة السنوية لم تفكر مصر بالتوسع بزراعة القمح،رغم امتلاكها للحقول الشاسعة،والطقس المناسب من شمس وحرارة، وحصتها الوفيرة من مياه النيل، التي تكفي بحسب الخبراء لزراعة مليوني فدان إضافيين من القمح، لكن الضغوط الامريكية على نظام مبارك كانت اقوى
فكان النظام العربي ان فكر بالاكتفاء الذاتي من القمح ، كمن يعلن الحرب على أمريكا، التي بقيت وحدها لعقود سيدة القمح العالمي قبل ازاحتها من قبل روسيا والصين.
لكن مبارك فعلها في ٢٠٠٤ مع تولي د. الليثي حقيبة الزراعة، والذي بدى متحمسًا لكسر الاعتماد على القمح الأمريكي.
لقد زُرع ٣ مليون فدان إضافي وقتها، لكن الرقم بدا بالتناقص بعد عامين فقط.
فلم تكن هناك سياسية زراعية قومية ثابتة ، بل كانت السياسة الزراعية تتغير بتغير الوزير.
هذه هي علة الدول العربية، وما القمح وزراعته والاكتفاء منه وتصديره ، ماهو الا معيار، برغم أهميتها في حفظ الامن القومي للدول ، لكن الاهتمام بها ضعيف، فهي رمز السيادة والاستقلال
ان حبة القمح معيار تارجح وعشوائية السياسة الاقتصادية العربية ، انها تعلب القمار فيما يخص امنها القومي واكتفائها الذاتي، نزرع ولا ما نزرعش، حيث الزراعة مازالت تحت التجربة والاختبار، اما اذا توفر القمح الأمريكيبالمجان، فسوف تطمر حقولك وتدمر نفوذك، فامريكا لا تعطي شيئا مجانيًا ، وهذا ما ستدركه الأنظمة العربية، لكن مع ضمور النفوذ الأمريكي، الذي قام على فكرة الاستعباد بشتي الطرق ومنها " معونة القمح" ، فالفلاح الذي زرع القمحة قبل الالاف السنين عاد ليمد يده لمعونة القمح من أمريكا التي تعلمت زراعتها منذ بضع قرون!!
هجرة القمح الى أوروبا وامريكا
في مساء بارد، انتهى جمع محصول القمح من المزارع قرب النيل، ووضعت في سلال محكمة ، من هناء سينتقل القمح لأول مرة الى أوروبا، ليتعرف الاوروبين لأول مرة على الخبز
هذه المخابز الفرنسية الشهيرة بمخبوزاتها اللذيذة، واطباق الاسباجيتي الإيطالية الساخنة، تدين بالفضل للفلاح المصري الأول الذي استأنس نبته برية، نمت في وديان الهلال الخصيب، ونقلت من يده الى شرق افريقيا وغرب اسيا وجنوب أوروبا، ومنها بعد قرون الى أمريكاوأستراليا.
أشرقت الحضارة، مع غرس النباتات وتعلم زراعتها، والتعامل مع الطبيعة، واليوم اقوى الدول هي التي تملك مزارعها الخاصة قبل ترسانتها العسكرية
فلا قوة ونفوذ واستقلال دون امتلاك الخبز، وان تاكل مما تزرع.
وبسبب قوة وثروتك الزراعة يمكنك التحكم في سياق التاريخ ، واستبعاد الناس، وإظهار نفوذك الاقتصادي والسياسي.
لقد حصل المستعمر الأوروبي منذ القرن الثامن عشر على ارض جديدة، واستعبد الافارقة ليخدموا في الحقل، هذه الأرض الامريكية الشاسعة ستحتاج لمن يزرعها اليوم.
لقد جلبت سفن المستوطنيين الجدد اسراب الماشية، التي ستدمر الأراضيالمزروعة بعملية الرعي ، وستحتاج للزراعة لتحافظ على التوازن الغذائي ، هذا هو النظام الغذائي الاقتصادي، لنظام حديث يتكون ببطء ويتشكل عبر الوف السنين.
وستحتاج تبعًا لذلك للايدي العاملة، فستحمل السفن من القارة الافريقية الفقيرة، لتحصل على خدمات مجانية من أناس سوف تستعبدهم، وتحصل على محصول ومخزون وافر من القمح والحبوب، لتضمن به استقرارك وبقائك حتى اليوم.
عبيد الحقول
الاذلال الذي حدث في القرن الثامن والتاسع عشر، لم يكن طفرة، بل كان جزء طبيعيًا من نمو وتراكم الحضارة الإنسانية، التي عرفت اشكالاً متنوعة من العبودية، كنظام اجتماعي ، في زمن لم تظهر فيه بعد ثقافة حقوق الانسان.
فنحن أبناء حضارة يستعبد فيها القوي الضعيف، ويُرضخ فيها الغني الفقير، بأشكال متنوعة
ومنذ فجر التاريخ وتنظيم المجموعات البشرية بشكل مجتمعات متعايشة ، الى يومنا هذا بعد قرون على تشكل الدول
فلقد استعبد الفلاح الأول قبل التاريخ في مصر القديمة، او بعد ذلك في القرن السابع والثامن عشر في القارة الجديدة ،ليبدو ان الاستعباد والعبودية سمة إنسانية تتسق وطبيعة الانسان نفسه ككائن استيطاني.
لذا فإننا الان في القرن الواحد والعشرين نعيش العبودية المعاصرة ، عبودية سطوة ونفوذ اقتصاد السوق،والنظام العالمي وسياسة الدول الكبرى، حيث تستعبد الدول الفقيرة، وتسحق بلقمة عيشها
لقد تحولت الدول الزراعية، لدول المجاعة، والمزارعين لعبيد، ومتسولين
وحفنة من المعتاشين هلى مساعدات المنظمات الإنسانية وهي الخدعة الأكبرفي عملية الاحلال واذلال الانسان.
القارة الجديدة حيث عالم يولد ويتشكل، عرفت أنواعًا جديدة من المزروعات ومنها القمح ، هنا سيزرع القمح في أمريكا التي ستصبح بعد ما يقارب المئتي سنة دولة عظمى تتربع على عرش انتاج وزراعة القمح في العالم، وتخوض منافسة شرسة مع روسيا التي ستخطف منها اللقب لاحقاً.
جبهة القمح
استعبد القمح الأمريكي منذ ولادته المزيد من الفقراء القادمين من افريقيا ، انها لعنة ستصيبه لاحقاً
لقد اختلط عرق المذلولين السُمر، مع حبات القمح الذهبية، لقد شهد القمح في هذا الفصل من فصول تطور الحضارة ، فصلًا مأساويًا ، قبل ثورة تحرير العبيد، والتي ستصارع فيها أمريكا ثقافة الاستعباد، لتقدم للعالم ثقافة التحرر.
القرن الثامن والتاسع عشر الأمريكي، كان فصلًا مهمًا في سلم التطور الفكري، فلولا الفجوة الساحقة التي تركتها قصص عبيد الحقول ، لما انتفض العقل الإنساني على نفسه، وأعاد تصويب مسار البشرية ، ومازال يفعل.
صحيح مازالت هناك ممارسات عنصرية، لكن ما كان طبيعيًا ، اصبح جريمة قانونية، فحقول المزارع الامريكية شهدت ممارسات لاادمية، قبل ان تصبح للمزارعين حقوق.
وهكذا تطور الانسان من صياد ومن ثم مزارع ، وباني حضارة ومكتشف لينتهي
الى ناشط حقوقي.
نفط القمح
ازاحت روسيا أمريكا من تصدر سوق القمح، لقد انتصرت عليها قمحياً، سوف يغزو القمح الروسي مخازن الحبوب في المدن العربية، والافريقية، والأوروبية ، بل ربما والأمريكية نفسها!
رائحة الخبز والفطائر التي تخبز في المنزل تضيف عليها دفئًا، ان علاقة الانسان بالخبز دافئة وقديمة، حتى في اصعب الأوقات لم تترك يد الانسان العجينة
حتى في أوقات الحروب، يزداد الطلب على الطحين، انه رغيف العيش، الذي تقاسمه الفلاحون مع الملوك.
وبسبب هذا الارتباط تتنافس الدول للحصول على الحصة الأكبر في عالم القمح
فانتاج وتجارة القمح مربحة، انه ذو قيمة اقتصادية للدول، تقارب القيمة التي يحققها النفط، بفارق ان النفط مرهون بزمن محدد في تاريخ البشرية ، تأخر اكتشافه، ونهايته ليست مستحيلة
قي حين يبدو القمح أزليًا كاسطورة اغريقية، بلا بداية ولا نهاية غارقًا في الزمن الغابر، مستقبله اكثر وضوحًا ، فالمنظمات والدول تتجه لاحلال الطاقة البديلة، بدلا من النفط، والاقتصاد البديل لموارد الدولة بدلا من موارد النفط
لتسير السيارات بدون بنزين، مع تسويق السيارات والقطارات الكهربائية، تمامًا كما انتهى عصر الفحم ، وقطارات البخار
اكن القمح كان قبلها، وبعدها ، لانه مرتبط بمعدة الانسان ، بحاجته للغذاء، بل لعنصر أساسي في الغذاء
هذا يبرر اهتمام فلادمير بوتين بزراعة القمح، منذ اول يوم له في الكرملين.
نفط الكرملين
لقد اصبحنا رقم واحد في انتاج القمح ، أخيراً اعلنها ضابط المخابرات الروسي السابق، استغراق الامر ١٤ عاماً، ليطلقها بوتين كطلقة كاتيوشا في وجه أمريكا .
ففي ٢٠١٤ تصدرت روسيا قائمة انتاج القمح العالمي، لأول مرة، مزيحة المعسكر الغربي برمته وعلى راسه أمريكا وكندا وفرنسا
قبل ان تصل للقمة، كانت روسيا قد مرت بفترات عصيبة، مراحل قاسية، وموجات مجاعة، وازمات اقتصادية، ومواسم كساد، وازمات اشهرها ازمة القمح خلال
١٩٢٨
فبعد هذه الازمة الغى الاتحاد السوفيتي سياسته الاقتصادية الجديدة، التي سمحت بالتجارة الحرة، فلقد فتح مزارعه للاستثمار التجاري المحلي والاجنبي في
١٩٢١
التراجع المؤقت عن سياسة المركزية ،باطلاق حرية التجارة، أدى لازمة عرفت بأزمة القمح ١٩٢٨ أدت الى الغاء هذه السياسة الاقتصادية في ١٩٢٩
السوق الاستهلاكية تكبر، التحدي امام الرفاق الشيوعين يزيد، الافواه الجائعة لن تنتظر المزيد من التجريب في السياسيات الاقتصادية!
الجوع الوحش الذي تخشى الحكومات مواجهته، فسياسة الشيوعين الاقتصادية لم تكن تحظى بكثير من القبول لدى الفلاحيين المنتجين للحبوب في روسيا، فكان هناك موجات من الاضطرابات والمظاهرات أدت الى تهديد استقرار النظام بعد الثورة البلشفية ١٩١٧
لقد اصطدمت زراعة القمح والحبوب باشكالية أيديولوجية في روسيا الشيوعية، فمع الانهيار المستمر في الاقتصاد، فرغت المدن من سكانها بعد عودة الفلاحيين الى قراهم، فكانت روسيا الجديدة تتجه الى نمو اقتصادي من خلال إنشاء المصانع ، والاهتمام بالتصنيع الحربي، ومختلف المنشآت الصناعية لتلبية الاحتياجات العسكرية للدولة الجديدة.
لهذا انخفضت محاصيل الحبوب الحكومية ، ١٩٢٧ بعد موسم الحصاد للقمح، فلم تكن الكميات كافية لتغطية الاحتياج المحلي لتغذية المدن وأعضاءالجيش الأحمر.
رحلة القمح متعبة، المسافة التي قطعتها أطول من عمر الحضارة البشرية، لكنها في موسكو في القرن العشرين ١٩١٧، ليست هي ذاتها في ذات المدينة بعد ١٠٠ عام ..
موسكو يوليو ٢٠١٧ الحصاد الان في المناطق الجنوبية للبلاد، في وقت اتفقت فيه موسكو على توريد كميات هائلة من القمح الى مصر، اكبر مستورد للقمح في العالم.*اليوم السابع المصرية
حيث تتنافس روسيا وفرنسا على امداد السوق المصرية، وبعد ٩ أسابيع من النمو في أسعار القمح الروسي، بدات بالانخفاض
حيث ستستعد روسيا لتسليم مصر شحنتها الشهر القادم – أغسطس٢٠١٧ – بمقدار ١٩٦ دولار للطن الواحد
لكن السفينة الروسية فوب سوف تبحر من البحر الأسود الى المتوسط خلال أسبوع لتسليم الشحنة بزيادة دولار واحد على الطن.
ان القمح الروسي يستعد الان ان يكون خلال السنوات المقبلة قيصر القمح العالمي، بعد ارث ثقيل وتاريخ مزعج ورثه من علاقة القمح بالنظام السوفيتي السابق.
فروسيا لأول مرة تتصدر بورصة القمح، والمناقصات الحكومية للدول،واسعارها التي ترتفع لم تعد تتضمن تكلفة الشحن.
برغم تأخر الحصاد بسبب الامطار وبرودة الطقس، الا انها خلال الثلاث السنوات القادمة ستسجل ارتفاعا عالميًا قياسيًا.
فعلًا في نهاية العام ٢٠٢٠ اظهر تقرير لمركز أبحاث روسي ان حجم صادرات القمح الروسية في ٢٠٢٠- ٢٠٢١ سيقترب من المستوى القياسي التاريخي الذي وصل اليه في ٢٠١٧-٢٠١٨ وهو اعلى مستوى على الاطلاق في تاريخها الزراعي.
هذه هي الدول التي تريد ان تنهض، ان نهضة الدول قرار.. قرار ليس الا.
وجاء تقدير مركز البحوث الروسي سوفيكون" متوافقًا مع توقع الخبراء في هذا المجال بالنظر الى حصص التصدير الروسية المتزايدة.
فنهضة روسيا لم تتضمن فقط تفوقها العسكري، واسلحتها ونظام صواريخها وحربها في سوريا وال إس ٤٠٠ وصفقات السلاح مع تركيا ومصر، بل شملت ايضاً ارتفاع الإنتاج الزراعي ٢٠ في المئة خلال السنوات الماضية * روسيا اليوم – صادرات القمح الروسي على وشك تحطيم رقم قياسي
٢٠ في المئة فقط من زيادة الإنتاجقدمتها سيدة القمح العالمي، ان الامر ليس بحاجة لمعجزة اطلاقاً ، مع ان روسيا لا تملك وفرة اليد العاملة الزراعية مقارنة بالعمالة العربية مثلًا ، وطقسها ليس افضل من طقس مصر واليمن وسوريا ولبنان، بل هو الاسواوالاقل جودة لزراعة القمح! لكنها الإرادة السياسية
من يريد يستطيع، سواء قبل التاريخ ، حين جمع الحبوب البرية المتناثرة وزرعها، او بعد مجيء الحضارة والحداثة، حيث صنع الالات الزراعية والماكنات التي تحرث وتحصد بكبسة زر
سواء كان امراة بداية في العصور القديمة قبل ٩ الف سنة جمعت الحبوب وزرعتها بالصدفة على سبيل التجربة ولا تعلم كيف ستكون النتيجة، او كانت دولة كبيرة وضعت خطط واستراتجية مقصودة ومحددة للوصول لهدف تعرفه.
لقد شاء قدر القمحة ان تعرف وتعاصر وتكون جزء من كل هذا.
الى السماء
هذه السنابل المغروسة في الأرض ، الفارغة الى السماء، حيث تسمح لاشعة الشمس باختراق اغصانها الرقيقة عميقاً، دون ان تحرقها، ولهبات الرياح ان تهزها دون ان تقتلع جذورها، ولمياه الامطار تنساب بين تفرعاتها دون ان تغرقها، كانت درس الطبيعة الأهم عن أهمية المرونة
فالاستمرار والبقاء سره التكيف، والمرونة، المخلوقات التي تكيفت عاشت، والتي تحجرت انتهت، وهاهو القمح يتكيف مع كل الظروف يزرع في بلاد الثلوج والصحارى وفي التربة الحلوة والمالحة، في عصر الفراعنة والسوفييت، في عهد الراسمالية المتوحشة كسلاح اقتصادي تذل المقهورين ، وفي ارض الأنبياء الطيبين كسنبلة خير للمساكين.
السنبلة للجميع ، ليست حكرًا على احد، الكل قادر على زراعتها وامتلاكها، ولكن لا يستطيع الجميع فعل ذلك، وهنا التحدي.
الامر متعلق بالهدف، ماهو هدفك بالضبط من زراعة سنبلة القمح! هل تريد حصادها لتاكل وتعيش، وتستمر الحياة، ام لتذل بها شعوبا وتحكم دولاً وتتحكم بالعالم، وتصبح انت الأعظم، ام لتنافس على حكم العالم، هل لتقدم الخير للاخرين، ام فقط لتشبع بطنك، هل لتكون اله الحصاد والمطر، ام عبد المواسم والمحصول!
حدد موقفك من حبة القمح، فهي مسخرة بالكامل لك وستلبي احتياجك ، سواء كنت تهدف للاكتفاء الذاتي والاستقلال ، ام للطفرة والوفرة والاستعمار
القمحة الرفيقة
تناقص الشعارات التي تكشفها الرفيقة القمحة في الاتحاد السوفيتي صاحب شعار المنجل وسنابل القمح ، ام شعار الزراعة والحصاد وأدوات الحرث التي وضعت على العلم والشعارات الشيوعية، لم تكن لتنعكس على حقيقة الواقع
فلم تكن هناك نهضة زراعية في المجتمع الشيوعي السوفيتي!
لقد ظل تغلغل الحزب الشيوعي في الريف ضعيفًا ،لقد بلغ النسبة شيوعي ريفي واحد مقتبل ٦ ريفيات سوفيتيات.
*ازمة شراء الحبوب السوفيتية
فلقد اهتموا بالتصنيع على حساب الزراعة واردوا جمعهما معاً!!
هذا حال الدول الاشتراكية في عصرها الذهبي مع الامن الغذائي ولقمة العيش، الاسياسية لكل مواطن، فما هو حال الدول الراسمالية ؟
خصخصة لقمة العيش
السعودية مع نهاية ٢٠٢١ تخصخص مصانع الغلال، وهذا بدوره سينعكس خلال اشهر على أسعار الخبز
ففكرة بيع الدولة لحصص القطاع العام، للقطاع الخاص او ما بات يعرف مع نهاية القرن العشرين بالخصخصة ، هو بيع لاصول الدولة، بتخلي عن مسؤوليتها تجاه المواطن
وهو اجراء اقتصادي عارضته القوى اليسارية واعتبرته تخليلا عن دور الدولة الحكومي تجاه المواطن
والعراق مهبط حبة القمح في ٢٠٢١ يطرح مناقصة لاستيراد اكبر شحنة قمح ! موقع رويترز ينشر في ديسمبر ٢٠٢١ هذا الخبر " العراق يطرح مناقصة لشراء ٥٠ الف قمح!" وطلب عددًا محدودًا من الشركات / البيوت التجارية لتقديم عروض أسعار.
هذه البيوت هي كندية وامريكية،واسترالية، حيث سيكون العالم مع موعد لمناقصة اكبر في ديسمبر ٢٠٢٢ لشراء العراق ٥٠٠ الف طن من القمح بحسب رويترز نقلا عن وزارة التجارة العراقية.. لماذا ؟
لان العراق لم يعد يزرع كفايته من القمح ؟ لماذا؟؟ هل بسبب حرائق حقول القمح والحبوب ، ام الجفاف، ام الإهمال، الفساد الحكومي، الصراع السياسي، الاحتلال، الحرب، المؤامرة الكونية، الغزو الفضائي ؟؟ لماذا لم تعد حبة القمح الى موطنها، لماذا خرجت من هنا من جوار دجلة، وذهبت في رحلة طويلة لتستقر في كندا وامريكا ، وتعود بشحنة تجارية مقابل ملايين الدولارات!
ازمة القمح العراقي.. أصبحت زراعة القمح مكلفة في العراق، أيضًا وليس فقط في السعودية، وبرغم ان بيئة العراق اكثر خصوبة ومناسبة للزراعة، وهي بلد زراعي تاريخيًا
لولا الزراعة لما كانت هناك آشور وبابل، هذه حقيقة، لكن مالذي حدث!
هل خانت الأرض أهلها، الأرض القديمة ، حيث المزارعين الأوائل تحولت الى ارض بور، لتجار يستوردون طعامهم من أستراليا وامريكا.. وش هذا الكلام ما يصير هيج
العراق مازال يفاوض على حصته في المياه مع ايران وتركيا، اضف هذه المعلومة لحصتك اليومية من الخبز.
يعني اذا قراء المواطن العراقي التقارير الحكومية عن ازمة المياة وجفاف المحاصيل ، وهجرة المزارعين للمدن، والله دا يبكي
حال الحكومة يحزن، وما يقدر مصطفى الكاظمي يفعل اكثر من اللازم، واذا ودك تدخل الصراع الإقليمي في ازمة زراعة القمح في العراق ما يخالف سيدي دخلها.
البشير شو في حلقة من برنامجه السياسي الساخر، كان قد أشار الى حوادث الحرق المتعمدة، وبطريقة ساخرة أشار لإيران! فقد تم استيراد شحنة من ايران! طريقة ذكية لتسويق وبيع القمح آو المحصول الإيراني، بس ايران عليها عقوبات سيدي! ما يخالف!
لهذا هل نعتبر طرح الحكومة رسميًا لمناقصة عالمية وحددت بيوت تجارية أمريكية وكندية بعينها، تمرداً على السياسة الإيرانية والنفوذ الإيراني في العراق!! خاصة خلال مرحلة حكم الكاظمي! وهذا الخبر جاء بعد محاولة اغتياله الفاشلة!
القمح والسياسة مرتبطان، وواضح من هذا الكتاب المتآمر انه يحاول ربط شيطان السياسة ، بملاك القمح عنوة!
عمومًا بعيداً عن الأفكار التامرية وصراع الأقطاب والمحاور، اطمئنك أيها القارئ العزيز، هذه المناقصات ليست جديدة على سياسة الدولة العراقية ، حتى في عز علاقتها الجيدة مع ايران قبل الكاظمي
ثم ان ايران بغنى من رفد العراق بالقمح، فهي أيضًا تحتاج ان تستورد القمح، لكنها سوف تستورده من روسيا.. صديقة المحور!
فهي ذاتها المشكلة في كل مكان في ايران والسعودية ومصر والعراق، تكلفة زراعة القمح اعلى من ايراده، والارخص استيراده!!
منذ ارتبط القمح بالاقتصاد، كمزروع استراتجي وهو مش جايب همه!
محور القمح الإيراني الروسي
هاهي إذاعة إيرانية تستغيث، وتنقل بؤس وغضب المزارعين الإيرانيين، وعزوفهم عن زراعة القمح