منذ 3 أسابيع - Wednesday 23 April 2025
في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تبدو زيارة السعودية الأخيرة إلى طهران وكأنها بداية جديدة في مقاربة الرياض لملف اليمن. هذه الزيارة ليست مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل مؤشر على رغبة حقيقية في إنهاء الحرب التي طال أمدها، وإعادة ترتيب الأوراق على أسس براغماتية جديدة.
ما لفت نظري كمراقب هو أن المملكة لم تكتفِ بإعادة فتح قنوات التواصل مع إيران، بل استأنفت أيضًا مسار المصالحة مع صنعاء، عبر لقاءات مباشرة بين السفير السعودي محمد آل جابر ولجنة المصالحة الوطنية. الرسالة واضحة: الرياض لم تعد راغبة في استمرار المواجهة، بل تبحث عن مخرج مشرّف من مستنقع الحرب اليمنية.
والسؤال الذي أطرحه هنا: لماذا الآن؟ ولماذا بهذا التنسيق العلني مع طهران؟
الإجابة تكمن في جملة من المتغيرات:
أولًا، التحولات داخل المملكة نفسها، التي لم تعد ترى في الحرب اليمنية “أولوية استراتيجية”، بل عبئًا على مشروعها الاقتصادي والنهضوي الطموح. ثانيًا، التراجع الأمريكي الملحوظ في التأثير على مسار الحرب، خاصة بعد الضربات التي طالت مصالحه في البحر الأحمر، فتح المجال أمام الفاعلين الإقليميين لاستعادة زمام المبادرة.
ثالثًا، وربما الأهم، النضج السياسي المتأخر لدى الأطراف اليمنية. حكومة صنعاء، بعد سنوات من الصمود، باتت أكثر انفتاحًا على التسويات السياسية، وحكومة عدن، المدعومة من الرياض، تجد نفسها أمام خيارين: إما اتفاق شامل، أو تفكك محتوم.
اللافت أن إيران، التي كانت تُتهم طيلة سنوات الحرب بأنها تعرقل أي مسار تفاوضي، أصبحت اليوم شريكًا في الحل. والسعودية، التي قادت تحالفًا عسكريًا ضد صنعاء، أصبحت راعيًا لحوار سياسي قد يفضي إلى اتفاق تاريخي. هذا التبدل في الأدوار ليس فقط تكتيكًا مرحليًا، بل تجسيد لتحول بنيوي في طبيعة الصراع الإقليمي.
لكن، لا يزال أمامنا طريق طويل. نجاح المصالحة يتطلب ضمانات حقيقية تضمن الشراكة في السلطة، إعادة الإعمار، وتحييد الفصائل المسلحة. كما أن الولايات المتحدة قد تلعب دور المعرقل، خاصة إذا رأت أن الاتفاق يعزز نفوذ خصومها في المنطقة.
ما أؤمن به أن اتفاقًا شاملًا بين صنعاء وعدن، بدعم من الرياض وطهران، لم يعد مجرد حلم. لقد أصبح خيارًا واقعيًا تفرضه الضرورات السياسية، والمصالح الإقليمية، وإرادة الشعوب التي أنهكتها الحرب.
لقد آن أوان السلام، فهل تحسم صنعاء والرياض القرار؟ وهل تكون طهران بوابة الخروج من آخر الحروب الإقليمية المفتوحة في القرن الجديد
سلام