فقدنا عبدالناصر

  • تقارير خاصة AF
  • منذ سنة - Wednesday 28 September 2022

فقدنا عبدالناصر
AF متابعات
متابعات عبر وكالات الانباء 

ظاهرة تاريخية اسمها " جمال عبد الناصر" لايمكن تجاوز اسم الرجل، دون اثارة الجدل والنقاش، فمقولة رجال غيروا مجرى التاريخ، تنطبق تمامًا على عبد الناصر ، بانجازاته واخفاقه.. اليوم ذكرى وفاة رجل لم يمت، لكن الامة العربية تفتقده، ولكن له خصوم وكارهون، لهم اسبابهم ، التي خلقها عبد الناصر بنفسه.

 

اليوم وسط هذا الصراع ، والفتن، والتشتت، تفتقد الامة زعيمًا ، يوحد كلمتها، ويعيد احياء الروح فيها، ويوقض كل حواسها، والاهم يبعث الامل من وسط اليأس ، ويؤكد ان تحقيق الاحلام ليس مستحيلًا ، فهل كان عبد الناصر هذا الرجل 

 

انه ثاني رؤساء مصر، لكنه فعلياً اشهرهم ، قاد الاتحاد العربي الاشتراكي ، ودعا لاتحاد الدول العربية، وتحررها من هيمنة الاستعمار الغربي.

وبعد اكثر من نصف قرن من رحيله، مازال الوطن العربي، بحاجة لفكر وفلسفة عبد الناصر، التي يراها البعض شعبوية، ومبالغ فيها ، وانها غير واقعية

فالتهكم على شخص عبد الناصر مقصود، لخلع الفكرة من جذورها بالاغتيال المعنوي لصاحبها، باعتباره ظاهرة صوتية ليس الا ، فهذا يجعل كل اطروحاته السياسية مجرد حديث بلا قيمة
 فما هي فلسفة عبد الناصر ؟
الثورة، الاشتراكية، القومية العربية ، العدالة الاجتماعية، التحرر من الاستعمار ، وتحرير فلسطين ، كلها عناوين كبيرة فقدت جاذبيتها ، وتم افراغها من محتواها، والسخرية من كل من يعتنقها

 

ولكن لمصلحة من؟ لابد ان لعبد الناصر أعداء كثر، رجل في مكانته، وقيمته، لابد ان يخلق الأعداء عبر التاريخ

وليست فقط التيارات الإسلامية التي تعبتره خصمًا لابد من اغتياله معنويًا بعد موته، بل حتى اقصى اليسار، من الشيوعيين، ويمين الوسط ، والليبراليين، والمتأثرين بالغرب..

اهم فكرة طرحها وطبقها عبد الناصر ، كانت التحرر من الاستعمار ، عسكرياً وسياسيًا واقتصادياً 

ولو لم يكن له الا هذا، لكفته، لكنه غامر لابعد من ذلك، بإعلان المواجهة والحرب، مع كامل المحور الغربي ، حتى بادواته العربية
لذلك دعم تحرر الدول العربية من الاستعمار، كاليمن والجزائر.

اليوم نفتقد الصوت العربي الجهور والواضح ، الذي يقف ضد الهيمنة والاستعمار الغربي قولاً وفعلًا ، ليس فقط بإعلان الكفاح المسلح والثورة الشعبية والانقلابات العسكرية 

بل ايضاً بتحرير الاقتصاد، وإعادة ثروات البلد لابنائها، وتوزيعها بالعدل، والمضي في طريق الاكتفاء الذاتي ، بانشاء المصانع، ودعم المزارع، وإعادة القيمة للقوة العاملة، والطبقة المتوسطة، وموظفي الدولة.

فهيبة الدولة تبدأ باحترام الموظف الحكومي، وهذا ما فعله عبد الناصر 

ان هناك حملة ممنهجة ضده، اليوم من ٥٢ عامًا على وفاته، من خصومه القدامى، الذين يحملونه سبب فشلهم التاريخي ، لاسيما الاخوان المسلمين، والليبراليين، والشيوعيين

 

فجميع هؤلاء مختلفين فيما بينهم، لكن يجمعهم الغيرة من عبد الناصر، ورفض أفكاره، لذلك تمنهج حملات السخرية  بانه "فنجري بق" وراجل بتاع كلام، وانتصارته كلها أوهام

وهي مبالغات تستند على بعض الإخفاقات السياسية، او حتى الهزائم العسكرية ، فليس هناك جيش في العالم لم يهزم، حتى لو كان جيش النبي محمد "ص" فهل جيش عبد الناصر في ٦٧ سيكون افضل حظاً من جيش النبي في احد
وبرغم ذلك ، كانت نكسة ٦٧ التي لها أسبابها الموضوعية ، ومنها استنزاف الجيش المصري في اليمن على مضيق باب المندب، واحدة من عوامل النكسة ، الى جانب الاستخفاف بالعدو

لايمكن ان يكون عبد الناصر بدون أخطاء، بل يجب ان تكون له أخطاء، لان تجربته ليست تقليدياً لتجارب سابقة، بل هي الأولى والمنفردة، انها المسودة الأولى في خطة تحرير الامة العربية

وقد نحج بتحرير مصر، ودعم تحرر الشعوب العربية، فأين هو الإخفاق، وهو رجل مر التاريخ من جواره فتغير مساره فعليًا 

لكن يجب إعادة تقييم تجربته، وتجريدها من القدسية، لاعادتها بشكل افضل ، لأننا مازلنا على خطى التحرر، فالاستعمار يعود باشكال مختلفة
ومازلت الامة العربية لم تتوحد وتستقل، بل ان نار الصراع والتفتت تحرقها

إنجازات عبد الناصر تتلخص بانه بعث الروح في امة ميتة، تفتقده اليوم ، بانه لم يكن عميلًا للغرب، لم يكن فاسدًا ، نعم زج بمعارضيه في السجون، لكنه انقد بلاده من تكالب الأعداء، والعدوان
أخطاء عبد الناصر الأساسية، انه صنع له أعداء في الداخل في وقت كان يصارع فيه الخارج

 

لن نقول لك هنا انه رجل حكم نص العالم كما يتم التداول بحادثة ان جمال عبدالناصر غادر قاعة  الأمم المتحدة،  في نيويورك ، مع القاء المندوب الإسرائيلي لكلمته، لانه لا يعترف بوجود دولة أسمها إسرائيل،  فغادر خلفه 124 رئيس  دولة،  فيصرخ حينئذ الرئيس الأمريكي نيكسون  قائلا "جمال عبد الناصر يحكم نصف العالم"  لانها رواية يشكك فيها البعض 

لكنها ليست مهمة ، حتى لو كانت حقيقية، لانها مجرد رد فعل، لم تغير في التاريخ، ونحن لا نقدس الاشخاص، بل نقيمهم. 

التقييم للفكر والتجربة، وليس لرد فعل شخصي منفعل، ان من يكتب اليوم بسخرية ان انتصارات عبد الناصر كانت مجرد فرقعة إعلامية، يدين بالفضل لهذا الزعيم العربي، في تحرير أجيال عربية من ظلام الجهل، حين قرر مجانية التعليم 
في وقت كان فيه المصري عبد فقير  في بلده، غير قادر على التعليم ، معظم من يشتمون عبد الناصر، تعلم اباؤهم واجدادهم بسبب مجانية التعليم في عهد عبد الناصر

ماذا فعل عبد الناصر بهم؟ ليكرهوه!! لقد بنى المصانع التي تغلق وتباع اليوم كخردة، لقد دعم الاقتصاد الوطني، الذي ينادي به اليوم كل متطلع لتحرر بلاده 

صحيح المعتقلات السياسية، ليست حلًا جذريًا ، لانها السبب بالحقد التاريخي الذي بقى حياً نصف قرن
لقد مات عبد الناصر الرجل الحر الثائر، قبل ان يذهب لمصالحة تاريخية مع خصومه في الداخل من إسلاميين ويساريين

لابد ان مصالحة سياسية لو كانت حدثت، لما جرده  خصومه اليوم من حقوقه، ولقيموا تجربته بكل موضوعية 
بل لذهبوا بعده لتطبيق واكمال ما بدأه من تحرير الامة ، وتوحدها، واستقلالها، ونهضتها، فمن منا يرفض ذلك 

 

على الهامش التاريخي 

فى الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1960، التى سميت بـ"دورة الرؤساء" التى شهدت أول خطاب سياسى باللغة العربية يلقى من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة على لسان عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة وقتها ممثلا لحركة عدم الانحياز، مع العلم أنه منذ أن تأسست الأمم المتحدة سنة 1945 والممثلون العرب يتكلمون فيها بالعربية مع إحضار مترجم، إلى أن صدر قرار فى عام 1973 باعتماد اللغة العربية كلغة رسمية فى أعمال الجمعية العامة فقط، وألقى أول كلمة فيها الرئيس الجزائرى هوارى بو مدين، إلا أن اللغة العربية لم تصبح لغة رسمية كاملة تستعمل فى الجمعية إلا سنة 1983