عن الاغتيالات السياسية في اليمن : اقتلني وجهاً لوجه

  • مقال منى صفوان نشر في صحيفة المصدر 25 نوفمبر 2013
  • منذ شهر - Sunday 24 November 2024

عن الاغتيالات السياسية في اليمن : اقتلني وجهاً لوجه
AF متابعات
متابعات عبر وكالات الانباء 

AF

اقتلني.. ولكن وجها لوجه
 
منى صفوان
٢٥ نوفمبر ٢٠١٣ 
اسوأ ما يمكن ان يحدث في جريمة اغتيال، هو استمرار استغلال الحدث الدامي لإذكاء نار الصراع السياسي، وهذه المرة بوقود الطائفية او المذهبية التي لم تكن المساحة السياسية اليمنية تستخدمها، كأسلوب ثأر سياسي.

 

اغتيال النائب جدبان، بغض النظر عن الطرف السياسي الذي ينتمي إليه، يعيد التجربة الممزقة ذاتها التي عاشها اليمن في خضم الأزمة السياسية التي سبقت حرب 94، بمعنى ان أي فترة انتقالية في بلد مسلح لا تعني سوى اعادة التموضع بالحرب والاغتيالات، انه مرة أخرى درس الإجهاز على الخصوم بقتلهم، وليس بحرقهم أو دحرهم سياسياً بوسيلة أقل عنفاً كالانتخابات مثلا، والتي من المفترض بعد سنوات الديمقراطية المكلفة مالياً، ان نكون قد أحسنا تمثيل الدور بأننا دولة معاصرة، لكن ان تكون سيد الساحة في البلد النامي - الدامي، يعني ان تستخدم رصاص الاغتيال، الاكثر كلفة، وعادة في هذا البلد «المعاصر» يتم التمهيد لأي انتخابات أو انتقال سلمي للسلطة، ببضعة اغتيالات وحربين الى ثلاثة، ليقال وبكل ثقة: نحن في بلد يمارس نقل السلطة سلمياً.

 

ان العمر الافتراضي للساسة اليمنيين، للتعلم من الاخطاء السابقة، نفذ، وكل ما كبروا بالسن يؤكدون انهم يصغرون ويصغر معهم البلد، لكن كل ما كبروا بالسن تكبر خبرتهم الدموية، وتجاربهم في القتل، ليؤكدوا انهم مازالوا في مرحلة المراهقة السياسية. نعم.. لا يجدر بأي منهم استلام أمور القيادة في مرحلة حساسة كهذا، تؤسس وتمهد لما بعدها لأن أخطاء التسعينات الفظيعة التي ارتكبت من قبل جماعات وأطراف مازالت موجودة حتى الآن، واضيف إليها حالياً أطرافاً جديدة، هي الاخطاء التي اوصلتنا اليوم الى ما نعيشه بين الشمال والجنوب، الذي نعرف جميعنا انهما لم يعودا بلداً واحداً، حتى وان قالوا هذا في الاعلام الرسمي.

 

الهوة الاجتماعية تزيد ولا يعمل أحد على ردمها، في هذا البلد التعيس، الشرخ ايضا يزيد بين طرفي الصراع الجدد، الطرفان اللذين نعرفهما جيدا، وبرزا على الساحة كطرفي صراع يجران كل مساوئ المرحلة السابقة، وعشنا سوابقهما الدامية في صعده ثم في دماج، والآن في صنعاء بطرق مختلفة، والمفارقة ان كلاهما معا على مائدة الحوار، ياللخراب المكلف... اذا لما كل تلك المليارات التي صرفت على مائدة الحوار، يا سادة.. الفقراء اولى بها.

 

القتل الجبان هو الذي يأتي من الخلف، وايضا هو الذي يزيد حدة الصراع السياسي، بمعنى انه لا يقتل فردا، بل يمهد لسلسلة عنف أفظع.. لا يمكن وقفها.

 

الآن كل طرف يكيل التهم للآخر، حتى ان هناك من يتحدث عن المقتول بانه أحد مؤسسي جماعة مسلحة، اي انه يستحق ما حدث له، والطرف الآخر بكل حرقة قلبه على فقيده، يسعى للثأر بتصعيد الأزمة وترشيح قتله ومقتولين آخرين، انها المأساة المزمنة، التي ينتج عنها مئات ألوف النازحين مع كل حرب، انها حادثة القتل التي تؤكد لنا بوجه وقح ان حرب دماج لن تتوقف بسهوله، إنها الجريمة الاجتماعية التي تزيد تدهور البلاد اقتصاديا، وترفع نسبة الفقر.. والعوز، وتزيد وجع البلاد، انه الظلم.. الظلم الحقيقي لليمنيين.

 

هذه ليست اول حادثة اغتيال منذ بدء المرحلة الانتقالية، وربما ليست اخرها، الذي قتل لم يكن يحمل السلاح في الجبال، كان عضوا في الحوار الوطني، وكان خارجا من الصلاة في الجامع، الغدر يقول حرفياً: لن نسمح بأي محاولة لتجاوز الازمة بالطرق السلمية.

 

الغدر بالمناسبة لا حزب له ولا جماعة انه رداء الساسة اليمنيين.. الرداء القديم المهترئ.. رداء بمختلف الالوان والانتماءات السياسية فقط.. الرحمة على من مات، بل الرحمة على من سيتحمل عبء ما يحدث.. من اناس لا نعرفهم.