ازمة التيارات الاسلامية في الوطن العربي

  • منذ سنة - Thursday 15 September 2022

الكاسر بن مسيبع
كاتب يمني مستقل 
في مثل هذا اليوم (الثالث عشر من سبتمبر / ايلول) كان الإعلان عن تأسيس حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، كحركة إسلامية محلية وامتداداً لفكر الإخوان المسلمين، رغم حداثة نشأته، إلا أن هذا الحزب لعب أدوار هامة ومحورية في الساحة اليمنية فيما بعد، وكان في قلب المعادلة السياسية اليمنية كإحدى أهم ركائزها، إلا أنه اليوم يعيش أصعب أيامه، حاله كحال بقية التيارات الإسلامية وفروع الإخوان المسلمين في الوطن العربي بعد مرحلة "الربيع العربي"، حيث كانت تلك الفترة ذروة مجد فروع الإخوان المسلمين في الدول العربية، وأيضاً كانت إنتفاشة للحركات السنية السلفية، التي كان لها نفوذ منذ حرب أفغانستان في الثمانينات.
 
لكن ما سر الصعود السريع والإنهيار الأسرع للحركات الإسلامية في الدول العربية عقب الأحداث التي عُرفت إعلامياً بـ "ثورات الربيع العربي"؟
 
يقول الدبلوماسي الروسي "ديمتري ترافيموف" في مقال له نُشر سنة ٢٠١٧ على موقع مجلة الشؤون الخارجية التابعة لوزارة الخارجية الروسية :
"‏لا تفهم ‎أوروبا أن ‎العالم الإسلامي مازال حديث نسبيًا، هناك فارق ٥٠٠ عام بينه وبين المسيحية، ولم تسقط الإمبراطورية إلا منذ أقل من 100 عام,بينما سقطت وحل محلها الدولة القومية في الغرب منذ قرون" .
لعل هذا يكون تفسيراً لصعود التيارات الإسلامية في الدول العربية، حيث أنه يوجد فجوة كبيرة في الوعي بالعلوم السياسية بين العالم العربي والعالم الغربي، حيث لم يعرف العرب قوانين المواطنة إلا متأخراً مقارنةً بالغرب - قانون الجنسية العثمانية ١٨٦٩م -، هذا فضلاً عن الشعور القومي الذي لم ينشأ إلا في إتون الحرب العالمية الأولى، لذا من المنطقي أن تكون لتراكمات التاريخ الإسلامي اليد الطولى في تحديد توجه العقل الجمعي العربي، على حساب الأفكار السياسية الحديثة كالإشتراكية والليبرالية وغيرها، التي لم يعرفها العرب إلا في منتصف القرن العشرين، بينما كانت موجودة في الغرب منذ القرن السابع عشر والثامن عشر؛
فقبل قرن واحد فقط، كانت هناك دولة خلافة إسلامية ثيوقراطية تحكم العالم العربي بمنهج لا يختلف كثيراً عن مناهج دول الخلافة السابقة، بينما في اوروبا قد إنتشرت أفكار الإشتراكية والليبرالية والعلمانية وغيرها، وأصبحت هناك عدة دول قومية، وإضمحلت فكرة الإمبراطورية المسيحية الواحدة منذ زمن طويل، لهذا يظهر الفرق بالإلتزام الديني بين المجتمعات الغربية والعربية، والميول للتيارات الدينية، حيث أن المجتمعات الغربية لم تصبح بيوم وليلة أقل تديناً وأكثر علمانية، بل أصبحت على هذا الحال بعد مراحل وتجارب كثيرة وطويلة، تشكّل على إثرها هذا النمط الذي لا يعطي أهمية كبيرة للدين في الحياة السياسية والإجتماعية، بينما عربياً فلم يمر العرب بعد بمراحل وتجارب كهذه، لا يزال الإسلام كفكرة وثقافة، دين "شاب" كما وصفه ترافيموف في مقاله، لهذا لا يزال تأثير الإسلام روحانياً وسياسياً كبير للغاية في المجتمعات العربية، بينما يظهر جلياً تضاؤل تأثير الديانة المسيحية على المجتمعات الغربية، وهذا لا يعني بطبيعة الحال عدم وجود مظاهر دينية في اوروبا وحتى أحزاب سياسية مسيحية، لكنها ليست بنفس تأثير ونشاط الدين والأحزاب الإسلامية العالم العربي .
 
 هذه العوامل، تشكل بيئة مناسبة لصعود التيارات الإسلامية للسلطة في الدول العربية، ولكن مع ذلك، لم يستطع أي تيار إسلامي عربي إدارة مرحلة الصعود للسلطة بشكل مستقر، لماذا؟
التيارات الإسلامية، ومع الأسف، يتميز قادتها وصناع القرار فيها بالجمود الفكري الشديد، حيث لا مكان للبراغماتية عندهم، ولا يملكون خطة عمل منظمة تتكيف مع المتغيرات في الواقع، لعل الجميع يتذكر تحركات الرئيس المصري السابق محمد مرسي على الصعيد الخارجي، حيث بدأ مرسي فترته الرئاسية بتصادم كبير مع دمشق، وأعلن دعمه الصريح للمعارضة السورية، وفي قمة عدم الإنحياز في طهران، كان جزء من خطابه فقرة تمجد الخلفاء الراشدين، يظهر جلياً فيها أن غايتها إستفزاز طهران، وذلك بالإستطراق لمسألة حساسة في المذهب الشيعي، وخليجياً، أمضى مرسي قُدماً في إجراءات ملاحقة رموز نظام مبارك، وأصر على إبقاء مبارك قيد الإحتجاز، دون الإلتفات للإشارات السعودية المعارضة لهذه الإجراءات، والتي لا تريد أن تستمر القاهرة في التماشي مع رغبات الدوحة التي كانت داعمة بشدة للتغير الجذري وتصفية رموز نظام مبارك، وهذا ما كان يعاكس توجهات الرياض وابو ظبي؛ يعلم الجميع نهاية مُرسي كيف كانت، لم يجد أي حليف يستند عليه، ولم تكن قطر بالقوة التي تمكنها من مواجهة الجيش صاحب النفوذ المتغلغل في مؤسسات الدولة المصرية منذ تأسيس الجمهورية، إلى جانب دول الخليج الأخرى التي أيدت الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في ٢٠١٣م. 
 
وبنفس الجمود، كانت تسير فروع الإخوان المسلمين الأخرى في دول "الربيع العربي"، فضلاً عن التيارات الإسلامية الأخرى، هذا الجمود الفكري يمنع التيارات الإسلامية من تكوين تحالفات محلية مع المكونات الأخرى ويمنعها أيضاً من تكوين تحالفات خارجية قوية أو حتى إقامة علاقات دبلوماسية متزنة، وهو ما يجعلها في النهاية وحيده دون حلفاء أقوياء وموثوقين .
 
لهذا، يكون الخطر الحقيقي على التيارات الإسلامية ليس خصومها، كالليبراليين أو الإشتراكيين وغيرهم، بل الإسلاميين نفسهم !
 
فمما يكاد أن يكون مستحيل، رؤية تيار إسلامي ينضوي تحته شخصيات من كل المذاهب الإسلامية، فقد أصبح لكل تيار توجه ومذهب معين، على سبيل المثال :
 
‏- الإخوان المسلمين (صوفية - سلفية أشعرية)
- حزب الله (شيعة جعفرية)
 
فلوا إنتصر مثلاً الإسلاميين على الليبراليين والماركسيين والتيارات اليسارية بشكل عام، ستكون الخطوة التالية هي الإقتتال فيما بينهم، في حرب إستنزاف طويلة حتى تعود الحركات اليسارية للواجهة من جديد جراء يأس المجتمعات العربية من صراعات التيارات الإسلامية، وهذا قد حصل فعلاً، فعقب سقوط الإتحاد السوفياتي، إنهار نفوذ الحركات اليسارية بشكل شبه كلي في جميع الأقطار العربية، وسيطرت الإيديولوجيات الإسلامية على كثير من أنظمة حكم الدول العربية، وفي دول أخرى كانت ذات نفوذ كبير، على سبيل المثال :
 
- السعودية (سلفية وهابية)
 
‏- اليمن (إخوان مسلمين - سلفية)
 
- العراق (شيعة جعفرية)
 
- إيران (شيعة جعفرية)
 
- السودان (إخوان مسلمين)
 
- الصومال (سلفية جهادية)
 
- مصر (إخوان مسلمين)
 
قامت هذه الجماعات تتقاتل فيما بينها، العراق تنظيم القاعدة بدعم من البعثيين والسلفيين السنة تقاتل مع المليشيات الشيعية المسلحة، اليمن دخل الحوثيين في حروب متقطعة
مع الإخوان المسلمين والسلفيين، في مصر إصطدم الإخوان مع السلفيين، الصومال تصادمت التيارات السلفية الجهادية مع بعضها البعض لأسباب مختلفة .
 
محلياً، حتى الان، أهم سبب لإندلاع الحرب في اليمن، هو الصراع الإيديولوجي بين التيارات الإسلامية، الإخوان المسلمين (إصلاح) في تحالف هش مع السلفيين، بمواجهة بمواجهة أنصار الله الحوثيين (شيعة زيدية)، وتحوّل الصراع مؤخراً بين السلفيين والإصلاح، وحتى في شمال إفريقيا، دخلت ليبيا في صراع محموم بين الإخوان والسلفية المدخلية لا يزال مستمراً حتى اليوم.
 
كل الأمثلة في الأعلى، تدلنا على أمر واضح، وهو أنه لن يُكتب التوفيق للحركات الإسلامية، طالما أصرت على البقاء بنفس المنهجية الدوغمائية، تحتاج التيارات الإسلامية  التخلص من نزعة التعصب الطائفي والفكري والتخلص من نزعة الحماس الأعمى واللامنطقي، وأن لا تحصر نفسها وفقاً لمذهب أو فكرة بحجة أن هذه هي النسخة الأصلية للإسلام فقط وما دونها إنحرافات أو كفر، وتؤمن بدولة مدنية ذات هوية عربية - إسلامية، وليس بالدولة الدينية الكهنوتية ذات المذهب الواحد والفكر الواحد !
 
عدو الإسلاميين هم الإسلاميين، لا اليساريين، الذين حتى اللحظة
‏لا يملكون قوة حقيقية وقواعد جماهيرية كبيرة، إنما تواجدهم الحالي الذي يُعد رمزياً في الواقع يعود إلى تكيّفهم مع الأنظمة التي تقمع الإسلاميين، وعدم معارضة هذه الأنظمة في الحرب ضد الإسلاميين، ولو كان هذا يعاكس قواعد إيديولوجياتهم أو لا يتوافق معها .
 
من غير الصحي إقصاء أي تيار سياسي مهما كانت إطروحاته عن المشهد السياسي، ولكن، تفرض بعض التيارات الإقصاء على نفسها بسياستها وطريقة إنخراطها في العملية السياسية، كما هو الحال مع معظم التيارات الإسلامية، لذا من الضروري أن تعيد التيارات الإسلامية قراءة المشهد بواقعية وإتزان، وتعيد تقييم نفسها بناءاً على المعطيات الحالية، لكي تستطيع بناء نفسها بشكل متزن ومعتدل وأكثر نضوجاً، وبالتالي تعود للمشهد بشكل أكثر بريقاً وتماسكاً وأكثر قابلية في الرأي العام .