عمر علان:لماذا تنظر قوى المحور إلى الكيان المؤقت على أنّه يعيش اضعف مراحله؟

  • منذ 3 أسابيع - Monday 08 April 2024

عمر علان:لماذا تنظر قوى المحور إلى الكيان المؤقت على أنّه يعيش اضعف مراحله؟

AF

 

‏سؤالٌ يردده كثيرون، منهم بنيةٍ طيبةٍ، ورغبةً في الاستيضاح، بينما قسمٌ آخرٌ بدافع المناكفة، والتشكيك برواية حركات المقاومة، وبالتالي في جدوى المقاومة بحد ذاتها.

‏يمكن القيام بمقارنةٍ بسيطةٍ بين حقبتين، يفصل بينهما حرب لبنان تموز 2006، في محاولةٍ للإجابة عن هذا التساؤل.

‏ما قبل حرب تموز 2006:

‏1. لقد ضاعت أراضي فلسطين المحتلة 1948 في تسعة اشهرٍ، إذ تمكن العدو من إلحاق هزيمةٍ نكراء بالعرب آن ذاك.
‏2. هزم الكيان الغاصب الجيوش العربية في ستة أيامٍ فقط في 1967، وضاعت على إثر ذلك الضفَّة الغربية وكامل قطاع غزة والجولان السوري.
‏3. لم يكن العدو يسمح بحصول أي تطورٍ في الجبهات المعادية له، وكان يقوم فوراً ودون تردّدٍ، باجتياحاتٍ وحروبٍ وقتلٍ وتدميرٍ إذا ما شعر بأي تبدّلٍ في قدرات "أعدائه" في المحيط والمنطقة، حتى ولو كان ذلك التبدّل بسيطاً، وكان من ذلك حرب 1967، على إثر صفقة السلاح التي أبرمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكذلك اجتياح لبنان 1982، فقط بسبب حصول الفدائيون على بضعة صواريخ "كاتيوشا"، علماً بأن تلك الصواريخ لم تكن كاسرةً للتوازن بأي حالٍ.
‏4. دأب العدو على التفاخر بأنه قادرٌ على الوصول إلى أي عاصمةٍ عربيةٍ بسرعة الدبابة، ولقد كان محقاً في ذاك التفاخر إبان تلك الحقبة، التي كانت يده فيها هي الطولى.

‏أما عقب الإخفاق الذي مُنِي به العدو في حرب تموز 2006، والذي كرّس بداية تراجع العدو فكان:

‏1. أولاً إخفاقه في القضاء على حزب الله في حرب تموز 2006، أو حتى مجرّد النجاح بالتقدم إلى ملعب مدينة بنت جبيل، الذي أعلن منه أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، خطاب النصر عقب اندحار العدو من جنوبيّ لبنان في 2000، إذ انخفضت طموحات العدو في آخر أيام الحرب إلى الوصول لذاك الملعب، ورفع العلم "الإسرائيلي" هناك، في مشهدٍ يمنحه صورة نصرٍ إعلاميٍ محضٍ.
‏2. مراكمة حزب الله لمصادر القوة، بما فيها تلك الكاسرة للتوازن، من قبيل الصواريخ الفرط صوتية، دون أن يجرؤ العدو على شن حربٍ ضد حزب الله لوقف هذا التطور، وهو الذي كان يشن الحروب لأسبابٍ أقل من ذلك بكثيرٍ.
‏3. يشن حزب الله، منذ 8 تشرين الأول، حرباً على العدو، افرغ فيها معظم مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، ولم يقم العدو حتى اللحظة بشن حربٍ مفتوحةٍ على الحزب، رغم أن ترحيل المستوطنين تعد سابقةً في عمر هذا الكيان القائم على فكرة الاستيطان أصلاً، ورغم كون هذا الأمر يضرب في عمق فكرة الأمن القومي "الإسرائيلي".
‏4. أما في قطاع غزة المحاصر، فلقد كان العدو يتهيَّب من دخول القطاع، خلال السنوات العشر الأخيرة على أقل تقديرٍ، وذلك بسبب الخسائر التي كان يُقدِّر بأنه سوف يتعرض لها، وقد جاء عدوانه البري الراهن على غزة مصداقاً لتلك التوقعات.
‏5. شن العدو عدة اعتداءاتٍ على القطاع لم يستطع في أيٍ منها القضاء على المقاومة، بل لم يستطع حتى وقف تطورها العسكري.
‏6. كانت المقاومة الفلسطينية طيلة السنوات الأخيرة تقيم المناورات العسكرية على مرأى ومسمعٍ من العدو دون أن يحرّك ساكناً، ومن المعلوم بأن المناورات العسكرية تعد أعلى الأعمال الحربية ما قبل الحرب، وكما جاء فقد كان العدو لا يتوانى عن شن الحروب في ظروفٍ أقل من ذلك بكثيرٍ، فماذا عساه تغير؟
‏7. ما شهده العالم، صبيحة 7 تشرين الأول، من انهيارٍ وشللٍ في جيش الاحتلال والكيان عموماً، أمام مقاومةٍ محاصرةٍ، لا تملك سوى مقدّراتٍ عسكريةٍ متواضعةٍ إذا ما قورنت بما يمتلكه العدو.
‏8. هذا الكيان الذي كان يهزم جيوشاً مجتمعةً في أيامٍ أو ساعاتٍ، فشل حتى اللحظة في إنجاز أيً من الأهداف العسكرية التي أعلن عنها في بداية عدوانه الراهن على قطاعٍ صغيرٍ محاصرٍ، برغم استمرار المعارك لستة شهورٍ، لم يدّخر فيها شيءً إلّا واستخدمه، حتى اضطر أخيراً للانسحاب من جنوبيّ القطاع تحت ضربات المقاومة.

‏هذه فقط بعض الوقائع الملموسة للمقارنة بين حال الكيان سابقاً وبين حاله حالياً!

‏لا يعني التقدير القائل بكون الكيان الغاصب يعيش اضعف مراحله أنه لم يَعُد يمتلك قوةً ناريةً مدمّرةً، فالعدوان الراهن على غزة مثالٌ حيٌ على تلك القدرة النارية، لكن واقع الحال يشير إلى أن الكيان لم يَعُد قادراً على حسم المعارك لصالحه من الناحية الإستراتيجية، ولا حتى التكتيكية في الكثير من الأحيان، ولقد بات عاجزاً عن فرض إرادته السياسية على خصومه في دول وحركات المقاومة.

‏يتّبع محور المقاومة أسلوب "الحرب غير المتكافئة" مع الكيان، على طريق تحقيق النصر الكامل بالنّقاط لا بالضربة القاضية، وذلك بسبب القدرة النارية الكبيرة التي لازال يمتلكها، وبسبب حتمية تدخُّل أميركا في الحرب إذا ما وصلت إلى حدود انهياره، ولطالما كانت "الحرب غير المتكافئة" الإستراتيجية الأنجع التي تبنتها حركات المقاومة على اختلافها عبر التاريخ.

‏يقتضي النجاح في خوض "الحرب غير المتكافئة" أن لا تكون ردود قوى المقاومة انفعاليةً، إذ سيكون من الخطأ الجسيم أن ينجح العدو بجرها إلى معارك تكتيكيةٍ تضر بالهدف الإستراتيجي، الذي حدّدته تلك القوى لنفسها، وبالنظر إلى تاريخ صراع دول وحركات قوى المقاومة، التي برزت في هذه الحقبة، مع الكيان الغاصب، يظهر بأن منحنى الصراع بالعموم ماض بالصعود لصالح تلك القوى، وهذا شاهد على كون عزوف قوى المقاومة عن الانجرار لردود فعلٍ، حسب ما يتمنى العدو، أو في غير مصلحة خدمة الهدف الإستراتيجي والنهائي المبني عليه أصل الصراع، كان في العموم قراراً صائباً، وخالٍ من الاندفاع غير المحسوب، والانفعال المؤذي، فالعبرة دوماً بالخواتيم!

‏تجدر الإشارة إلى أنه إذا ما نشبت الحرب الكبرى، فإن تقديرات محور المقاومة، المبنية على الحسابات المادية، تقول بأن نتيجة المعركة ستكون لصالح شعوب المنطقة، وبأن الكيان لن يكون بعدها، لكن هذا يعني دفع تكاليف باهظةٍ لهذا النصر في البشر والعمران والاقتصاد تطال جميع دول محور المقاومة، من إيران والعراق وسورية ولبنان واليمن، فأيهما أكثر حكمةٍ، تحقيق النصر النهائي عبر النقاط وطول النفس بخسائر وأثمان أقل؟ أم الذهاب إلى خيار الحرب المفتوحة لتحقيق النصر ذاته لكن بأثمانٍ باهظةٍ جداً؟ بما في ذلك أثمانٌ حتى على المستوى الفلسطيني، يمكن أن تفوق الأثمان التي دفعتها غزة في العدوان الراهن عليها؟ إن نظرة محور المقاومة بعيدة الأمد، وقراءته للتوازنات السياسية والعسكرية، يختزلها الشعار الذي رفعه أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، نيابةً عن باقي أركان محور المقاومة، والذي يقول "لا نريد الحرب لكننا لا نخشاها".

‏بالمحصّلة، إن عملية إزالة الكيان الغاصب تعني في العمق رفع الهيمنة الأميركية عن بلادنا، وهذا الهدف النهائي الذي يعمل عليه المحور بجديةٍ مطلقةٍ، والذي منفك يتقدّم فيه خطوةً خطوةً، وقد غدت معالم هذا التقدّم بائنةً للقاصي والداني، فلم يَعُد تراجع الهيمنة الأميركية في المنطقة وحول العالم أمراً خاضعاً للجدل، بل إن قليلاً من الأنصاف يقضي بالاعتراف بأن الدماء التي بذلتها حركات المقاومة في منطقتنا، منذ 2003، كانت عاملاً حاسماً في الحالة التي وصلت إليها الإمبراطورية الأميركية.

‏إن محور المقاومة، وفي طليعته فصائل المقاومة المسلَّحة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام، مقبلةٌ على تثبيت مفاعيل القفزة النوعية التي حققتها كتائب القسام صبيحة 7 تشرين الأول، وذلك بعد فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي إنجازٍ عسكريٍ يذكر خلال ستة أشهرٍ من عدوانه الأهوج على غزة، وإن مفاعيل "طوفان الأقصى"، ستكون ركيزة المرحلة القادمة لأجل تحقيق أهداف محور المقاومة النهائية، وذلك بإزالة الكيان الغاصب، واستعادة جميع الأراضي العربية المحتلة، وقطع دابر الهيمنة الأميركية من منطقتنا، لتبدأ بعدها مرحلة بناء أوطانٍ مكتملة السيادة، مسيطرٌ على مواردها، وفتح الباب أمام نهضةٍ عمرانيةٍ واقتصاديةٍ حقيقيةٍ، لا تكون مرهونةً برغبات الاستعمار ومصالحه.