منذ 8 أشهر - Wednesday 31 January 2024
AF
بيان صادر من القوات المسلحة.. العبارة التي اعتاد العالم سماعها ، مع كل استهداف يمني ضد اسرائيل وبريطانيا وبالتاكيد ضد امريكا، لتتحول الى تريند عالمي، تخفي في طياتها الكثير من العبارات والجُمل التي لم تقال، ولم ترد في بيان المتحدث العسكري يحي سريع.
حين تتعامل كدولة، وتضرب كجيش وتتحدث باسم اليمن، وليس كطرف او جماعة، فأنت تُجبر المجتمع الدولي عاجلا ام اجلاً يتعامل معك كدولة، وليس كجزء من الدولة.
هذه الطريقة الحوثية الخاصة والخالصة،،ليست رائجة كثيراً في طريقة واسلوب الجماعات المسلحة، التي تتعامل وتتحدث وتُظهر نفسها فقط كجماعة.
نموذج الحوثيين في اليمن يختلف في هذه النقطة عن بقية حلفائه في العراق ولبنان، الذين مازالوا برغم قوتهم ونفوذهم جزء من الدولة، والكيان الكلي، وليسوا هم الدولة وحدهم ، الذين يستأثرون وحدهم بقرار الحرب والسلم، وهو اعلى قرار سيادي للدولة.
الحوثيون استأثروا وحدهم بهذا القرار الرفيع المستوى، ودخلوا في مواجهة دولية مع اكبر الدول في العالم، وسلبوا خصومهم حيازة هذا القرار باسم اليمن.
وهذا له عدة دلائل ، منها ما يخص الجماعة الحوثية وحدها، ومنها ما يخص جموع اليمنيين، فهو يُعد دليل على استقلالية القرار الحوثي عن المحور الايراني ، وتحدي، ورسالة داخلية وخارجية، للحلفاء قبل الخصوم ، ولها سلبيات وايجابيات.
من ايجابياتها اظهار الروح الوطنية الجامعة، باعلاء اسم اليمن كبلد ودولة فوق الانتماء لاي جماعة، والإيجابيات ستكون اكثر عند تعدادها، اما السلبيات فهي توحي باختطاف القرار، وعدم الاعتراف بالشركاء، وهذا لم يعد سراً ، فالجماعة لا تعترف بخصومهم المحلييين كصناع قرار مستقلين، او انهم يشاركونها في حكم اليمن، وطالما اعلنت ونظرت لهم " كمرتزقة" وتابعين لا يملكون قرارهم، لذا اظهرت عمداً تفوقها عليهم في فكرة " استقلالية القرار.
ففكرة التبعية لايران ، كانت ومازالت تُهمة تريد الجماعة اليمنية نفيها بكل الطرق، نفيها لايران قبل نفيها لامريكا، لذلك كان القرار بالحرب دائما هو قرار صنعاء اكثر من كونه قرار ايران، سواء كانت حرباً داخلية او خارجية على مستوى امريكا شخصياً.
وهنا لا يتحدث سريع او يصرخ في بيانه بصفته المتحدث العسكري للجماعة المسلحة، بل باسم الجيش اليمني الذي خاض حرب التسع سنوات ضد التحالف العربي بقيادة السعودية، نداً لند، وحصل بطريقة او باخرى على هذه الندية، رغماً عن الجميع.
هذه الطريقة اليمنية الخالصة، التي اعتاد اليمني فيها تقديم نفسه، بصفته نداً، وليس تابعاً، بصفته الكل وليس جزء، انه تحدي كبير تخوضه هذه الجماعة المذهلة في تجربتها، وتاريخها الحربي.
لحد الان لم تحصل جماعة انصارالله الحوثية على الاعتراف الدولي بها كدولة، لكن اليمن يملك هذا الاعتراف الرسمي، فهو دولة معترف بها ممثلة في المجتمع الدولي، ولكن الجماعة لا تمثل مقعدها في الامم المتحدة او حتى الجامعة العربية، او اي من المنظمات الدولية، حتى ان ايران حليفها القوي لم تملك شجاعة كسر العُرف الدولي للاعتراف بها كممثل لليمن، ولكن هذا لم يعني للجماعة في صنعاء الشيء الكثير وهي تعلن كل صباح ومساء عن بيان صادر باسم القوات المسلحة اليمنية.
ان كنت تؤمن او لا يهمك الامر، فان ما تقوله وتؤمن به ستكونه يوماً ما، هذا ما يلخص ما تقوم به الجماعة التي اصبحت تحظى بشعبية داخلية وخارجية لا مثيل لها، وظهرت خلال الحرب على غزة، المؤثر الاقوى في الاحداث بعد حماس في الداخل، متفوقة على كل حلفائها في المحور، ممن تثقلهم الحسابات والتحركات.
انها بطريقتها هذه تجبر المجتمع الدولي على التعامل معها كجماعة مستقلة عن القرار الايراني، او الارتباط الفعلي باي حسابات اقليمية، لايهمها ان جرت المنطقة برمتها لمواجهة مع امريكا، وكذلك هي تجبر خصومها المحليين على التعامل معها بصفتها الاقوى والأكثر نفوذاً، وسيدة القرار اليمني ، وهذا ما حدث
فالكل يتحدث عن اليمن ، ويشكر اليمن، سواء كانت المقاومة الفلسطينية، أو الشعوب العربية، او حتى الانظمة العربية، حتى وان ورد في البيانات الامريكية ( ذراع ايران) فهذه الجملة لم تعد صائبة كثيراً.
وهنا يأتي تصنيف الجماعة الحوثية كمنظمة ارهابية من قبل امريكا، في سياق تحجيمها " كجماعة" وليس كدولة، في واحدة من اهم الحروب وهي حروب الاعتراف والسيادة، فيكون الرد تبعاً لمدرسة الندية، كما صنفتني فسوف اصنفك ايضاً كدولة ارهابية، وان كنت لا تعترف بي فلن اعترف بك، وان كنت تضغط علي فسوف اتحدى واصعد.
هذه الطريقة في المواجهة الندية، رأس لرأس ، ستكون خسائرها محدوده، مقارنة بالمكاسب التي ستحصل عليها مع الوقت، خاصة امام حلفائك واصدقائك، الذين يجدونها طريقة مُجدية لتشجيعهم للاعتراف بك، ومعاملتك كند، وليس كتابع، لذا قد تعيد روسيا والصين وحتى ايران تصنيفها للحوثيين، كجماعة تشكل جزء من النسيج اليمني، وتحفزها جرءة الحوثيين على الاعتراف بهم كممثل لجموع اليمنيين، وكحليف موثوق لكن هذا بحاجة لخطوة سياسية على صنعاء الاهتمام بها، وهي الظهور كدولة تحتوي كل الاطراف.
فان كان الخطاب السياسي والعسكري لصنعاء، يضمن ان صاحب القرار هو جماعات واحزاب وتيارات يمنية مختلفة اجتمعت حول هدف واحد وهو التصعيد العسكري ومواجهة امريكا، وليس فقط جماعة وحيدة تخطف القرار السياسي والعسكري، فان هذا بحاجة لاعادة تشكيل جهازها السياسي، ليضمن دخول اطراف جدد من تيارات سياسية مختلفة.. وهنا تكون الضربة السياسية.
التكتيك السياسي لا يقل اهمية عن التكتيك الحربي من اجل الوصول لهدف استراتيجي بعيد المنال وهو الاعتراف الدولي ، فالظهور كدولة يحتاج لتطعيم الطقم السياسي بشخصيات "ليست حوثية" لكنها تتفق معها على المبدأ والهدف الكلي، الاحتفاظ بالاختلاف السياسي طريقة اليمنيين المعتادة للظهور السياسي، واجبار المجتمع الدولي على التعاطي والتعامل معهم كدولة.
ان التكتيك العسكري يتبعه او يلازمه تكتيك سياسي، بان تُعلن حكومة يمنية جديدة في صنعاء، تحتوي كل الاطراف والاحزاب وليس فقط حزب المؤتمر في صنعاء ، فتظهر الجماعة جادة وصادقة بالتقارب مع احزاب اخرى كالاصلاح، وعدد من الاحزاب القومية واليسارية، وحتى المستقلين، بهذا تقطع المسار السياسي على خصومها الذين لا يحوزون على شرعية الامر الواقع ولا الشرعية الشعبية، ولا يملكون الا الاعتراف الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الاميركية، وهذا التحدي شبيه بالتحديات التي تخوضها كل الدول المارقة والمتمردة على النظام الامريكي، سواء في اسيا او امريكا اللاتينية.
ان ظهور الجماعة كدولة، يحتاج لاكمال الديكور السياسي باظهار اكبر قدر ومساندة من كل ممثلي الاحزاب والجماعات والنخب اليمنية، في اطار برنامج وطني ومشروع جامع، يجبر العالم على الاعتراف بهم جميعاً كممثلين حصريين لليمن.
سلام