الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

لماذا تحولت اليمن من دولة مُساندة.. الى دولة مواجهة ؟

  • منذ 11 شهر - Friday 15 December 2023

منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

AF

سؤال الاستهلال .. هل كان الدور اليمني سيجد هذا الصدى، والتأثير على كل المستويات ومنها الدولية ، ان كانت مصر تقوم بجزء ضئيل جداً من دورها تجاه الامن القومي العربي ومايجري في غزة؟

فراغ كرسي القيادة

خلال العقد الاخير ظهرت التنافسية العربية على موقع قيادة الامة والمنطقة العربية ، وظهرت اقطاب عربية كثيرة ، وجسد النزاع ، بين دول ذات ريادة تاريخية كمصر، ودول الخليج العربية التي لم تكن لها سابقة في قيادة المنطقة 
فكان من الطبيعي ان تحدث ازمات عربية من هذا النوع، وكان تفسيرها وقتها انها ازمة قيادة، وان دولاً غنية مستقرة تريد السطو على مركز القيادة والقرار العربي ،  ومازال هذا التنافس ظاهراً بين مصر والسعودية .

اليمن، لم ينافس على هذا الدور ، وركز على دوره  في دعم ومساندة القرار العربي ، في كل القضايا المصيرية ، فموقع اليمن التاريخي والجغرافي، اهله لدور  مساندة قوي، لكن أزماته  الداخلية وضعف موقعه السياسي ، جعلت من دوره المساند اقرب للتابع، سواء لمصر او للسعودية.

من موقع المساندة الى موقع المواجهة

عودة لسؤال الاستهلال.. فالاجابة : لا ، كلا ماكان للدور اليمني في العدوان الحالي على غزة، ان يأخذ كل هذا الزخم ، والثقل والتأثير ، ويسرق الضوء، والمسرح، لو كانت مصر قامت ب١٠٪؜ فقط من دورها الطبيعي، ودعمتها السعودية.

لكن فراغ دور القيادة، هو ما اضطر اليمن ، للتصدي، والقيام بدور لم يكن مكلفاً به على الاطلاق منذ بدء الصراع العربي الاسرائيلي.
ففي هذه الحرب، توارت منافسة القيادة بين الدول العربية ، لتظهر ازمة القيادة، برغم وجود مظاهر منافسة من خلال السباق في استضافة قمم بلا معنى، واصدار بيانات بلا مواقف، وادعاء مساندة بلا مواجهة  ، وترويج دعائي بلا دليل.

فعلى ارض الواقع لم تستخدم اي قوة ضغط عربية، ليس لحماية غزة واهلها ومقاومتها، بل لحماية الامن القومي العربي نفسه ، والأنظمة العربية ذاتها !

 

اليمن ليس من دول المواجهة والطوق العربي ،وقراره بحصار اسرائيل، كقرار منفرد، وليس قراراً عربياً . يضعف الدور العربي، ويهز  الثقل العربي في ميزان القوى،بالصراع العربي الإسرائيلي ،حتى وان قوى موقف اليمن، فانه يضعف الموقف العربي لصالح اسرائيل

 

 

هذا الفراغ، سمح لليمن بالظهور على المسرح وحيدة، واخذت الدور المناط بها بحصار اسرائيل، من خلال باب المندب ، والذي كانت مصر تتواجد فيه لاخذ هذا القرار نيابة عن اليمن، لكن دورها المحوري تراجع منذ زيارة تل ابيب معاهدة كامب ديفيد .

انهيار المركز .. وتقوية الاطراف

في انهيار الدول، تسقط الدول المركزية لتظهر دويلات الاطراف، هذا ما حدث في اليمن، وقبلها الاندلس، والان يحدث في الامك العربية كلها.
ظهور اليمن وهي دولة في أطراف الخريطة، مكنت مصر تاريخياً من ادارة الصراع العربي في جنوب البحر الاحمر، واكتفت بدو المساند، يعني ان كل دول المواجهة تراجعت للوراء

اليمن في الصراع العربي الاسرائيلي دولة مُساندة وليست دولة مواجهة ، دول المواجهة هي مصر، سوريا ، لبنان، الاردن، ثم العراق ودول الخليج، وهو ما اصطلح عليه في السبعينات بدول الطوق العربي.

انفراط الطوق العربي

لم يكن اليمن من دول الطوق العربي ، لا هذا موقعه ولا مكانه، وقراره  بحصار اسرائيل،  وسط تراجع الدور العربي، سينظر اليه دولياً  كقرار  يمني منفرد، وليس قراراً عربياً ، وهذا يضعف الدور العربي، ويهز تاثيرات الثقل العربي في ميزان القوى، و في خارطة الصراع العربي الإسرائيلي ، حتى وان قوى موقف اليمن، لكنه يضعف الموقف العربي لصالح اسرائيل.... نعم اسرائيل كفتها تغلب على المدى الطويل ببقاء القرار العربي معزولاً عما تقوم به اليمن. 

وهذا يشي ان دول الطوق جميعاً ، خرجت من الصراع مع اسرائيل ، وسمحت للدول الطرفية بتصدر المشهد، بالاصح سمح موقفها العاجز لدول الاطراف بالتصدر، أو ساعد السقوط العربي لجماعات صغيرة بالمواجهة.

وهنا برز موقفين لدول الاطراف، موقف داعم للقضية ، ودور داعم لاسرائيل ومشروعها باعتباره شريكاً ، وهذا اجهز على ما تبقى من رماد الصراع العربي مع اسرائيل.
 
ليصبح صراع جماعات مع اسرائيل ، صراع حماس مع اسرائيل ، وصراع حزب الله وليس لبنان مع اسرائيل ، وصراع جماعة صنعاء وليس اليمن مع اسرائيل ، وهذا بسبب تراجع دول المواجهة .

فلو كانت دول المواجهة بقيادة مصر ودعم السعودية ، شجعت قرار جماعة صنعاء ولبنان ، لاصبحت المعادلة دول عربية لبنان واليمن تواجه اسرائيل ، في اطار الصراع العربي الاسرائيلي وهذا لم يحدث ، انها طريق تفريق العصي.

وهناك الموقف الطرفي الاخر ، الدور الداعم لاسرائيل من قبل الدول الطرفية الامارات والبحرين وحتى المغرب ، الذي برز بقوة في وجود حياد رسمي لدول المواجهة ، بسبب معاهدات السلام مع دول المواجهة  التي شرعت لمعاهدات التطبيع، مع دول المساندة.

انهيار مركز الامة العربية وقيادة اليمن

في هذه المرحلة، تبدو فرصة اليمن لقيادة الامة العربية اكبر من فرصة القائد العربي التاريخي (مصر) وفرصة جماعة صنعاء للتخلص من الاطراف اليمنية الموالية للتطبيع وإسرائيل ، واستعادة القرار اليمني المستقل اقوى من فرصة اي من الجماعات الاخرى حتى حزب الله في لبنان 

لذلك ففرصة اليمن في مواجهة اسرائيل كبيرة، لكنها دون عمق عربي او حتى اقليمي، انها مواجهة وحيدة ، تصمد بدعم الموقع الجغرافي الضاغط، وقدرة اليمنيين على الصمود الاستراتيجي .
لذا فهي واحدة من أعقّد المراحل، والتي قد تثير القلق والغيرة العربية ، للتخلص من الدور اليمني البارز الذي يظهر ويؤكد الانهيار العربي.

ان القلق من رد الفعل العربي ، يجب ان يكون اكبر من رد الفعل الاسرائيلي ، حين انهارت الاندلس حدث ما نراه اليوم، من صراع الامارات والطوائف العربية، ضد بعضها بعد انهيار المركز، للاجهاز على اخر الامارات العربية التي قاومت الاجتياح الاوروبي، وتم ابعاد حكامها الى المغرب

هذا ما الهم ابن خلدون اليمني الاصل العربي النشأة ، لتأسيس علم الاجتماع ، فيحدث الان انهيار مشابه في الوطن العربي، الذي يتداعى حرفياً.


وهذا قد يعني مؤامرة عربية للتخلص من اي موقف عربي يواجه الغزو الجديد للمنطقة 

اسرائيل ليست وحدها، والمشروع الاسرائيلي اصبح حاضراً فعلا في الاطراف العربية، لكنه يلقى الدعم في المركز، مما يعني سقوط المركز، مركز الدولة او القرار العربي او الحضارة العربية 

حديث السعودية عن الموافقة على التطبيع نتيجة سقوط المركز العربي، المنطقة تتشكل بشكل مرعب، ببقاء الدول العربية فارغة من المشروع العربي ، وانتهاء حقبة " العالم العربي" بعد انتهاء زمن " الوطن العربي " لتتحول المنطقة الى تجمع بشري غير متجانس يجمعه مشروع واحد بقيادة اسرائيلية.

الخلاصة

الجماعات في لبنان وفلسطين واليمن  اي حزب الله حماس الحوثيين ، هي حائط الصد الاخير، امام انهيار العالم العربي الذي حدث فعلياً بانهيار المركز، وتحول اي من هذه الجماعات لدولة تمثل لبنان او فلسطين او اليمن، غير مقبول عربياً ولا دولياً.

الوحيد القادر على تغيير المعادلة هو اليمن، بتحويل الجماعة الى دولة تحكم اليمن وتتصدر القرار اليمني وتحرره، وتحوز على الشرعية الدولية وتمثل اليمن 
وهذا يعني تشجيع جماعات مماثلة في الدول العربية خاصة المركزية المواجهة ، وكل هذا يعني خلق حالة غير مستقرة ، لن تستقر الا بانتصار مشروع واحد، اما المشروع الاسرائيلي او العربي

المشروع  الاسرائيلي تقوده تل ابيب …. والمشروع العربي تقوده صنعاء..

سلام

 

AF