الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

منى صفوان: العالم يفهم لغة اليمن: واليمن يتحدث لغتين..لغة الحرب ولغة السلام..

  • مقال AF
  • منذ 4 أشهر - Saturday 09 December 2023

منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

AF

صنعاء تتحرك دون تحالف، وقرارها المستقل فيه جسارة تقترب من المغامرة، ومع ان هذا هو وقت جني الفرص السياسية، لا اضاعتها، الا ان القرار اليمني كان لديه وجهة نظر اخرى.

فهذا افضل وقت لجني المكاسب السياسية بعد ٩ سنوات من الحرب الاقليمية في اليمن في مواجهة التحالف العربي بقيادة السعودية، فالتحركات السياسية تسير باتجاه تسوية، واغلاق ملف الحرب، وتقديم تعويضات، ومجرد التركيز على هذا الملف، يرفع حرج وكلفة صنعاء من القيام بأي دور في حرب غزة، لكن هذا لم يحدث 

صنعاء الان تتحرك على مسارين:  الاول متعلق بالسلام، بالاستحقاقات الوطنية، بمواصلة التفاوض وفتح ابواب الحلول، والتوصل لاتفاقيات مع السعودية لوقف الحرب ورفع الحصار، ومعالجة الملف الانساني والاقتصادي، ومناقشة تفاصيل خارطة الطريق، وبذات الوقت تسير في مسار اخر، كان خارج الخارطة والحسابات والخطة، مسار وضعها في قلب الصراع الاهم في المنطقة.  

المسار الثاني ، وهو مسار حرب غزة، نجحت فيه صنعاء بفصله تماماً عن مسار نقاشها مع السعودية ومفاوضات انهاء الحرب في اليمن ، وابقته بعيداً عن الإبتزاز الامريكي،  او حتى العربي، وواصلت التصعيد بطريقتها، لدرجة حصار اسرائيل، وهو الاول في التاريخ. 

ففي اقل من ٢٤ ساعة تعلن صنعاء عن تقدم في مسار المفاوضات مع السعودية، وبعدها تعلن عن تصعيد جديد في مواجهتها الاولى امام اسرائيل، بمنع مرور السفن الدولية الى اسرائيل من اي جنسية كانت، الا برفع الحصار عن غزة ، وادخال كل المساعدات اللازمة.

 

سابقة تاريخية عاصمة عربية  تعلن الحرب والحصار على اسرائيل 

انها خطوة جسورة، في تكتيتها واستراتيجيتها، وتعزز مكانة صنعاء، في الصراع الاهم في المنطقة، وتؤكد حرص القيادة في صنعاء والتزامها بقضايا الامة

كان يمكن لسلطة صنعاء ان تتصرف بشكل اخر تماماً، وترفع الحرج ببضع عمليات لا تظهر الحرص والجدية، ولا تؤكد الخطر وتزيده عليها، ليصل للتهديد بعودة الحرب عليها.

وتكتفي بالمظاهرات، والتصعيد الخطابي والإعلامي، دون هذا التهديد العسكري الكبير في البحرين العربي والاحمر وخصوصاً باب المندب، لتدخل على خارطة الصراع العسكري وليس فقط خط الملاحة الدولي.

ولم تكن لتلام، كونها خارجة  للتو من حرب مُنكهة طويلة، واقتصادها مُدمر، فمن سيلوم اليمن ان لم يقدم شيئاً، في واقع عربي عاجز ومشلول؟ بل من سيطالب اليمن اساساً ، في وجود الدول العربية الكبيرة والغنية! وخاصة دول المواجهة! فاليمن ليس دولة مواجهة ، بل دولة مساندة، هذا تصنيفه في الصراع، ولكن هذا التصنيف تغير تماماً. 

اليمن جزء من محور مقاوم،  واعلن من صنعاء ان له رأي اخر، في المواجهة، ويبدو ان جماعة الحوثيين وحلفائها في صنعاء، استطاعت اخذ قرار متخفف من كل التبعات، وجهزت نفسها لاي خسارة عسكرية او حتى سياسية متوقعة، ومنها عرقلة ملف المفاوضات بين الحوثيين و السعودية، وهذا قد يعني اضاعة الفرصة السياسية. 

تحييد ملف المفاوضات 

ولكن تم تحييد ملف المفاوضات وهذا يظهر الحرص السعودي على انجاح التقارب ، والاسراع بالاعلان، والتوقيع، وابعاد اي تاثير امريكي عن القرار. 

وهذا تزامن مع زيادة التقارب السعودي الروسي، في خطوة تظهر اتساع المسافة بين الرياض واشنطن، التي زارها وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان،  في بداية العدوان الاسرائيلي على غزة، ليشرح الموقف السعودي، الذي لم يستجيب للضغوط الامريكية في هذه الحرب

وكان موقفه واضحاً بانه ضدها، وايضاً تاجيل مناقشة مسالة التطبيع في هذا التوقيت ، برغم زيارة كوشنر للرياض، الا ان الرياض كانت اكثر حذراً،، ولم تعطي الامريكان وإسرائيل ما يقوي موقفهم السياسي.  

كل هذا ظهر في حرص الرباض على انقاذ مسار التفاوض مع الحوثيين، الذي كان قد حقق قبل حرب غزة في سبتمر الماضي تطوراً لافتاً، بلقاء معلن لاول مرة لجماعة الحوثي وحلفائها في الرياض مع الوفد السعودي ووزير الدفاع السعودي الامير خالد بن سلمان.

لذلك ليس لمصلحة الرياض ان تنسف كل هذه الجهود، وتعرقل بعد الجنوب الذي أصاب اسرائيل، بعد ٧ اكتوبر، وهذا ما ساهم بانجاح ملف ومسار المفاوضات.

علاقات مستقبلية 

لكن في الجهة الاخرى كانت الجماعة في صنعاء، تتصرف بحذر مع تصعيدها في المنطقة، وتحدد هدفها بدقة، فتظهر اكثر حنكة، وقدرة، دون ان تؤثر على علاقاتها المستقبلية بالدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر والاردن.

فهي جماعة تعمل للبقاء ، وبهذه الطريقة تثبت انها لها مستقبلاً سياسياً، ان استطاعت الاستفادة من زخم هذه التجربة ليخرج من كونه قرار انفعالي، الى خطة استراتيجية، والاهم ان تعمل على تصحيح الاخطاء، وتنقية المواقف ، وتحديد الاولويات، لتبدو اكثر احترافية، وقدرة ، وان تظهر بعد حرب غزة انها اكثر مسؤولية، تماماً كما ظهرت في حرب غزة. 

لعل الخبرة والحنكة السياسية تكتسب ايضاً مع الحروب ، وليس فقط الخبرة والتجارب العسكرية، اما في هذه فقد أعلنت صنعاء موقفاً عسكرياً غير مسبوق في تاريخ الصراع، دون ان يظهر انها تبحث عن دور او بطولة، بل سخرت عملياتها للضغط من اجل إيقاف العدوان على غزة ورفع الحصار، وهو موقّف مسؤول ليس فيه استعراض قوة، بل وقفة حق .

سلام