الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

ماذا يعني اغتيال مسؤول أممي⁧ في منطقة حيوية يتصارع عليها الإصلاح والطوارق والحوثيين!؟ لماذا التُربة - والان..

  • منذ 9 أشهر - Friday 21 July 2023

ماذا يعني اغتيال مسؤول أممي⁧ في منطقة حيوية يتصارع عليها الإصلاح والطوارق  والحوثيين!؟  لماذا التُربة - والان..
منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

AF

لمدينة التُربة  وموقعها، اهمية استراتيجية كبيرة، في حلبة الصراع، لما تمثله من موقع جغرافي، واهمية اقتصادية، لذلك فالصراع عليها سيبقى قائماً بين القوى المتصارعة اليمنية الرئيسية في الشمال ( الاصلاح ، الحوثيين، جماعة طارق صالح ) 

التُربة  هي مدينة يمنية، حياتها اقرب للريف، وهي مركز مديرية الشمايتين بمحافظة تعز، جنوب اليمن، وهي نقطة تقاطع بين مختلف المناطق، حيث تربط الشمال بالجنوب ، وتعز بالمخا في الساحل الغربي ، انها العمق الامني لمدينة عدن، وتعتبر هي ريف عدن ، والجنوب، وكذلك خط الدفاع الاول في الشمال، وتربط الجبل بالساحل، ومنفذه البحري على باب المندب

منذ سنوات هناك صراع مكتوم في " التربة " التي كانت كغيرها مهملة لسنوات، الا انها استعادت اهميتها الاستراتيجية مع الحرب، اسوة بكثير من المناطق اليمنية

وبدات المدينة الناشئة تنعش، وتستعيد عافيتها، التي كانت عليها قبل عقود في فجر السبيعينات، والثمانينات ، حيث كانت من اهم مدن ومراكز الجنوب في اليمن الشمالي قبل الوحدة، فهي امتداد لمدينة تعز، كما انها تاريخياً عرفت ب " ريف عدن" 

الاهمية الحيوية الاستراتيجية للتُربة 

 

قربها من عدن، وكونها جزء من تعز، خلق لها اهمية سياسية، وتجارية، وعسكرية ، اضافة لعدد سكانها الكبير، فقوتها البشرية احدى المؤثرات الجيوسياسية ، فهي امتداد لمحافظة تعز " اكبر محافظة من حيث عدد السكان" وهذا تأثير مضاعف للتربة

مؤخراً قفزت التربة لصدر الاحداث اليمنية، وكان الصراع العسكري عليها، جزء من الصراع على مدينة تعز، حيث تحاول الجماعات المختلفة السيطرة على هذه المنطقة ، التي تطل على عدن، وتمد شريانها باتجاه المخا في الساحل الغربي ، وتمثل العمق السكاني والجغرافي لتعز المدينة 

ولكن عدن، وتعز والمخا ، تتقاسمها الجماعات المختلفة والمتصارعة " الحوثيين ، الاصلاح، العفاشين" لكن مازالت التربة بقادتها الامنيين ، محسوبة على جزء من الحكومة الشرعية " التي تنقسم حاليًا بين الاصلاح وطارق عفاش" لكن التربة محسوبة بقادتها الامنيين على الجزء الاصلاحي من الشرعية.

 

هذه المقدمة مهمة، لنفهم لماذا الصراع على التربة، حيث تأتي عملية الاغتيال هذه ، كاحدى نتائج هذا الصراع ، الذي لم يعد مكتوماً وبدأ بالظهور للعلن في السنوات الثلاث الاخيرة.

طارق في تعز يزعج الاصلاح

حيث يظهر طارق عفاش قائد الساحل الغربي ، في تحالف مع محافظ مدينة تعز، ويحاول ان يوجد له مكان في ريفها عبر التربة، وهنا نستعيد احداث قريبة، حدثت قبل ايام خلال اجازة عيد الاضحى 

حيث ظهرت صورة القائد العسكري طارق عفاش " ابو عفاش" في مدينة تعز، التي يسيطر عليها الاصلاح امنياً، وفي احدى المرات التي رُفعت فيها صورة عفاش الابن، تحول الامر لمجزرة، وتم اطلاق الرصاص الحي، وسط حدث فني جماهيري ، اعتراضًا على الشباب الذين رفعوا صورة طارق!

 

كانت المرة الاولى التي تظهر فيها صورة احد قادة " النظام القديم- نظام صالح" في مدينة تعز، منذ الثورة الشعبية ٢٠١١، والتي أطاحت بنطام علي عبد الله صالح.

بلا شك هناك ثأر قديم بين " ال صالح عفاش" وهم يفتخرون باسم ولقب " عفاش" وحزب الاصلاح الاسلامي احد اجنحة الاخوان المسلمين في اليمن ، لكن هناك ايضاً ثار اخر يربط عائلة صالح بجماعة الحوثيين في صنعاء.

 

الصراع الثلاثي على الشمال  

 

ان الجغرافيا اليمنية برمتها هي جغرافية صراع ثلاثي او رباعي، بين الجماعات المحلية المختلفة ، وليس فقط في تعز والتربة ، فطارق صالح ، يود التمدد من الساحل الغربي باتجاه تعز وريفها، الخط الدفاعي والفاصل بين الشمال والجنوب، انها منطقة تمركز عسكرية مهمة.

وكذلك الاصلاح ، يريد الحفاظ على تواجده " التاريخي " في تعز وريفها، ويعتبرها حاضنته الشعبية، وحصنه الامن.

اما الحوثي فمشروع تمدده وسيطرته، لن يكتمل بابقاء هذه المنطقة الاستراتيجية خارج السيطرة، فهو يسيطر على جزء من تعز في الحوبان، ويريد التمدد للجنوب عبر لحج والتربة، ويسيطر على جزء من الساحل الغربي في الحديدة ويطمح للتمدد باتجاه المخا.

الانتقالي الجنوبي وهو اللاعب المحلي الرابع، يبقى بعيداً عن الجغرافيا التي تُحسب انها شمالية، لذلك فهو خارج لعبة الصراع حول تعز.

لماذا جاءت عملية الاغتيال في هذا التوقيت! رسالة الاغتيال

التربة منطقة نزوح سكاني كبير، لليمنيين من مختلف المحافظات، وبدأت بالتحول لنقطة جذب، ومن يزور التربة ، سيشهد النشاط الكبير للمنظمات الانسانية المحلية والاممية، وعلى رأسها برنامج الغذاء العالمي، صاحب النشاط الاوفر في اليمن.

التربة مركز جذب المنظمات .. بدلاً من صنعاء 

وبعد سنوات من تنشيط المنظمات المحلية في التربة ، كشريك محلي، جاءت الخطوة التالية بتحويل التربة لمركز لنشاط المنظمات الاممية، اسوة بصنعاء وعدن، وربما منافس قوي لهما.

وهذا سييعني الثقل الامني والاقتصادي والسياسي للجهة التي تسيطر على التربة، وهو امر سيحفز الحوثي في صنعاء ، ويزعج الانتقاليين في عدن، ويخيف الاصلاح في تعز، ويستفز صالح في المخا! 

هذه الخطوة، ان تمت ستعني حماية وتقوية اي طرف يدير التربة، ولان  موضوع التربة لم يحسم بعد، والصراع حولها مازال قائماً، جاءت عملية اغتيال الفكرة والمشروع من خلال اغتيال الشخص

لتصل الرسالة واضحة لجميع المنظمات الدولية والاممية، التي تريد تحويل التربة لبديل ومركز جديد لانشطتها، بأن التربة وتعز ليست آمنة، وليست بيئة مناسبة، ويجب الغاء الفكرة، وسحب انشطة هذه المنظمات. 

وفعلاً اتوقع "وهذا تحليل شخصي " ، ان يخف عمل المنظمات العاملة في التربة، المحلية والدولية، وقد توقف بعض انشطتها مؤقتًا ، لان الهاجس الامني وسلامة الموظفين ستكون على قائمة اولوياتها ، وطبعاً المتضرر هو المواطن ، والنازح.

فالمنظمات يعني المشاريع الانمائية ، والدعم المالي والاقتصادي ، وهذا يعني عودة تهميش التربة، لحين حسم امرها امنياً وسياسيًا وعسكريًا!

وجاء اغتيال مسؤول اممي اجنبي وليس يمني محلي، لتأكيد انه لا حصانة لاي موظف اممي، حتى لو كآن أجنبياً، الاغتيال رسالة تحذير واضحة. 

هل يعني هذا انفجار الصراع المسلح في التربة ؟

 

هذا السؤال الذي يخيم كغيمة ثقيلة في سماء التربة ، فهنا الصمت والتوجس، والاستقطاب، هو سيد الموقف، من يعرف التربة ، يدرك انها وبقراها الكثيرة المتنارثه المتلاصقة في الشمايتين، تشكل كتلة سكانية متجانسة، نادراً ما يظهر بها دخلاء من مدن يمنية ومناطق اخرى

انها مدينة اقرب لحياة واسلوب وثقافة الريف، وليست مدينة بمعناها الواسع، والمنفتح على سكان من مناطق اخرى، لكن مؤخراً هذا تغير، والتركيبة السكانية تغيرت، والنزوح من مناطق وقرى اخرى، فتح التربة للنزوح الداخلي

 

الطوارق والتربة

اضافة لقربها من الساحل الغربي، حيث يتوافد قادة الساحل الغربي مع عائلاتهم ، وهم مابات يصطلح على تسميتهم في التربة "بالطوارق"

فالحديث ان طارق يحاول التمدد بهدوء وذكاء في بيئة الاصلاح وحاضنته الشعبية، دون افتعال مواجهة مع الاصلاح، وهو يعتبرها منطقة تعسكر مهمة، تمكنه من مواجهة الحوثيين ، فالتربة رمح عسكري مهم في المواجهة 

لكن الثأر القديم بين صالح والاصلاح يمنعهما من التحالف في التربة، وتعز، وهذه قد تشكل ثغرة امنية يستفيد منها الحوثي، كما جرت العادة منذ ٢٠١٢

حيث يتصارع الاصلاح وصالح، وتجني الثمار حركة الحوثي، التي تتمدد ، وتوسع نفوذها.

لذلك لمصلحة طرفي الشرعية طارق صالح والاصلاح، عدم الانزلاق للمواجهة المسلحة في تعز- التربة، ولكن ان كان الاصلاح لا يقبل بصورة ورقية لطارق في تعز، فكيف سيقبل به شخصياً!

الاحتمالات كما جرت العادة كلها مفتوحة، لاشيء مستبعد ، وهذا الاغتيال يذكر باغتيال  العميد عدنان الحمادي قائد اللواء35 مدرع في تعز، قبل  ٣ اعوام ، الذي لم يكن مقرباً من القادة الامنيين في الاصلاح

افة اليمن هي تقاسم الولاءات ، فالولاء للحزب والجماعة، والزعيم، قبل الوطن، لاتوجد خطة عسكرية موحدة، وبعد استراتجي، يوحد الجماعات اليمنية، ويضمن الولاء لليمن وفقط.

اننا في اليمن على اعتاب تقسيم سياسي جديد، قبل اعلان المفاوضات ، والمشاورات السياسية حول تقاسم السلطة

وقبل التقسيم الرسمي عبر المفاوضات ، يريد كل طرف، اثبات حقه في التواجد العسكري الجغرافي ، لقد قسمت هذه البلاد، ولم تعد الجماعات اليمنية قادرة على التبروء من هذا التقسيم، بل تكرسه، وتدافع عنه، وكأنه دفاع عن وجودها.

قلبي مع اليمن ، التي لا أرى لها مخرجاً الا بتحالفات تتجاوز ارث وثأر وتأثير الماضي ، اننا ننتقل بالصراع لمربعات اصغر فأصغر ، التربة قريتي ومهد اجدادي اعرفها منذ طفولتي انها مسالمة ، هادئة، ولكنها اليوم لم تعد، لانها كغيرها جزء من هذا الصراع الذي يقتلنا ويدمرنا..

متى نتجاوز الماضي.. ونبدأ العيش بالمستقبل 

سلام