منذ سنة - Tuesday 27 June 2023
AF
كم لدينا من رؤساء سيختارون الصمت، وضبط النفس، وتجرع السُم ، بدلاً من الانتقام، واشعال الحرب، وسفك الدم!
الدب الجريح فعلها، واختار كتم الم الجرح، ومرارة الخيانه، وقدم لنا درساً مهماً في السياسية ، اعترف اننا لم نفهمه! ورأينا في طريقة الوساطة هزيمة، وفي عدم الرد ضعف، وفي الصفح عن المتمرد انكسار! والامر ليس كذلك .
إني أهدي هذا المقال لمن شرح لي الموقف الملتبس، لاجد اننا في الاعلام العربي لم نفهم حسابات وقصد بوتين والروس، واجد اننا امام درس مهم ليس في السياسية فقط بل ايضاً في الوطنية ، لذا اصوب خطاًواندفاع الرأي ، لبلاغه التعليل والتحليل ، بعيداً عن الاحكام المسبقة ..
هذا هو السؤال الاهم والابرز، الذي طرح في ساعات التمرد الاولى، ومازال يطرح دون اجابة محددة!
لماذا لم يقصف الجيش الروسي، قوات مليشيا فاغنر وهي تتقدم باتجاه العاصمة موسكو، بعد ان اعلنت التمرد؟
لماذا اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، الطرق السياسية ، والحوار السريع والتفاوض وتقديم التنازلات، والضمانات ، بدلاً من الضرب بيد من حديد، وعقاب الخونه، وتلقين المتمرد درساً لن ينساه!
لقد كان بوتين المغدور بين نارين، نار الانتقام والرد، ونار الصبر والهدوء وشرب السم، ولقد اختار الثاني، لان مصلحة روسيا كدولة ، لم تكن مع الرد العنيف ، واشعال الحرب الاهلية، واراقه الدم الروسي، وقتال الاخوة.
اختار ادخال الوساطه في الساعات الاولى، بعد ان كان قد احبط تقدم قوات فاغنر تجاه موسكو .
كم بلد عربي دمر، ويُدمر بسبب سياسة الانتقام، والقرار العسكري السريع ، والمتهور، كم من بلد مُزق بسبب كرامة الزعيم وكبرياء الزعيم، والرغبة بالرد على من يمس هذا الكبرياء!
كم من زعيم عربي اختار ان يظهر مذولولاً امام الإعلام والرأي العام، وربما امام العدو نفسه ، مستجدياً مقدماً للضمانات، فقط حتى لا تدخل بلاده في دوامه العنف
كم من زعيم عربي، احب وطنه اكثر من منصبه واسمه، ولقبه ورتبه؟ واثبت هذا الحب بالفعل والحكمة والهدوء والحيلة والروية !
لقد ذكرتني احداث روسيا وموقف بوتين بموقف ملكة سبأ ، التي اختارت الصلح مع سليمان على ان تدخل معه بحرب، بعد ان هددها، وكان رأي كبار مستشاريها ان تحاربه، فخالفتهم ، وذهبت لسليمان ، وعقدت الصلح، وضمنت امن بلادها، وحفظت دم شعبها.
الاجابة : بسبب احباط المخابرات الروسية لاي حركة داخلية في موسكو، او انشقاقات في الجيش، او حدوث حركة تأييد سياسي كبير ، وهو ماكان قائد فاغنر يتتظره ليكمل تقدمه باتجاه موسكو.
فقد كانت قوات فاغنر تنتظرها تسهيلات دخولها العاصمة، من خلال اعلان مواقف مؤيده ، وحدوث فوضى سياسية داخل العاصمة تمتد للشارع، وهو مالم يحدث ، بسبب تحرك المخابرات الروسية، فتوقفت الحركة وهي على بعد ٢٠٠ كيلو، لان التقدم في هذه الحالة سيكون فاشلاً.
فبدون وجود نقطة وصول آمنه، سيكون التقدم مخاطرة عسكرية، لحسابات سياسية ، عسكرية ولوجوستية، وهو ما عمد الجيش والمخابرات الروسية على احباطه باحكام السيطرة على موسكو ، وعلى القرار العسكري المركزي الموحد ضد تمرد فاغنر.
وهذا الذي ارغم قائد فاغنر على الاستسلام وقبول المفاوضات ، والوساطة ، وتوقف الحركة ، لانه ادرك بخبرته العسكرية ، ان محاولته الانقلابية فشلت، وحان الوقت للتفاوض حول طريقة آمنه للخروج ، وطريق للهرب، فكان تفاوض فاغنر من موقع وموقف ضعف وليس من موقع قوة.
فلقد علمت المخابرات الروسية " بحسب الاعلام الامريكي " بتحرك قوات فاغنر قبل ٢٤ ساعة، وهنا جاء التصرف الحكيم، الذي قد لا تستوعبه عقلية الانتقام ، ووقف التمرد واستباقه بحملة اعتقالات ، واخفاء، واعدامات ،وسفك للدم!
اولاً: لم تقصف او تشتبك مع القوات ، ولم تتسبب باراقه نقطة دم واحدة.
ثانياً: سيطرت امنياً على العاصمة واحكمت السيطرة بانزال قواتها ، لمنع اي مظاهر او مظاهرات او اشغال، من شأنه دعم فاغنر ومساعدتها على اقتحام العاصمة.
ثالثاً: بعد ادراك فاغنر وقائدها ان تمرده احبط وانه لن يستطيع السيطرة على العاصمة توقف، ولم يكمل وهنا تدخلت الوساطة.
رابعاً : جاءت الوساطة عن طريق حليف وصديق للطرفين " رئيس بلا روسيا" لتقديم ضمانات من ضمنها حفظ دم وسلامه قائد فاغنر ، بتوفير الملاذ الامن له ، نفياً خارج روسيا، بدون قواته.
خامساً : العفو العام عن كل افراد فاغنر من خلال الاعلان بانهم امام خيار العودة للحياة المدنية او الانضمام للجيش الروسي.
بلا شك ان بوتين الان اقوى، لقد انقذته الحكمة، وانقذت بلده، وقوته بسبب ضمان امن وسلامة روسيا، التي نجت من مجزره اهلية كانت المخابرات الغربية تنتظرها بفارغ الصبر.
هكذا اختار بوتين سلامة روسيا ، ووحدة اراضيها، وحقن دماء جميع الروس، وهزيمة مخطط اعدائه واعداء روسيا وعلى رأسهم امريكا.
في اخر تصريح له قال بوتين تجنب سفك الدماء جاء بامر مني، وشكر قادة فاغنر الذين جنبوا البلاد اندلاع حرب اهلية.
وقال إن عناصر فاغنر كانوا وطنيين لكن هناك من حاول استغلالهم في خيانة الوطن. لقد قدم بوتين نموذجًا رائعاً في حب الوطن.
والباقي متروك لفهمكم ....
سلام