الرئيسية المواضيع المقال التحليلي

اليمن: فرصة السلام الاخيرة ..

  • منذ سنة - Monday 10 April 2023

منى صفوان
صحافية وكاتبة- رئيسة تحرير عربية فيلكسAF

 

AF

اكثر الخطوات السعودية شجاعة وجرءة، كان قد اعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، قبل عامين من الان، حيث قال وقتها في ابريل 2021  " نتمنى ان يجلس الحوثي على طاولة المفاوضات ، مع جميع الاقطاب اليمنية للوصول الى حلول تكفل حقوق الجميع في اليمن، وتضمن كذلك مصالح دول المنطقة، العرض مقدم من المملكة العربية السعودية بوقف اطلاق النار، والدعم الاقتصادي وكل ما يريدونه مقابل وقف اطلاق النار من قبل الحوثي"

 بعدها بعام في 2 ابريل 2022 وقغ اتفاق الهدنة في اليمن، برعاية الامم المتحدة، لتبدأ مفاوضات جادة بوساطة عمانية لتمديد الهدنة ووقف اطلاق النار، بحثت كل البنود والشروط الاقتصادية والانسانية، لتمهد لزيارة الوفد السعودي الى صنعاء برئاسة السفير السعودي في اليمن محمد ال جابر في ابريل 2023 ، لدعم الحوثيين للمجيئ الى طاولة المفاوضات وتمديد الهدنة ، لتصل الى عملية سلام ، وعملية سياسية.

وبذات الجرءة اخذت زمام المبادرة، واخرجت امريكا ومندوبها او مبعوثها الدولي لليمن، خارج اللعبة، فاليمن هي ساحتها الاقليمية، وامنها القومي، وخاصرتها الجنوبية، ولن تسمح لامريكا او غيرها ان تتدخل بتفاصيل حمايتها، فلم تعد السعودية محمية امريكية.

 

الامن القومي السعودي 

 

وجزء من حماية السعودية لامنها القومي ، انها  لن تقبل وجود " مليشيا"  على حدودها، خارج اطار الدولة والقانون الدولي، لذلك فالعرض السعودي ، محدد، وجريء ، وشجاع، وجاء على لسان الحاكم الفعلي للسعودية وعبر وسائل الاعلام، وهذا سهل ومهد الكثير من اجراءات بناء الثقة والوساطة العمانية، والتي مهدت اليوم للوساطة السعودية، لجمع الاطراف اليمنية جميعاً ، في عملية سلام شاملة.

 

المبادرة السعودية كما نشرت ستكون على مراحل، وسوف تراعي اشتراطات كل الاطراف في المجلس الرئاسي ، الذي يمثل مختلف التيارات السياسية اليمنية، والتي عليها الوصول الى حل سياسي مع جماعة الحوثيين، والسقف  الزمني سيكون خلال عامين ونصف من الان.

ففي العام 2026 ستكون الصورة الكلية  قد اختلفت ، سواء علاقة الاطراف اليمنية ببعضها، او علاقتها بالسعودية، ومنها الحوثيين، والخطوات الحثيثة من المملكة في هذا السياق، في اطار تفكيك الازمة، وصياغة الحلول واحتواء الجميع، تبدو مدروسة ومتوافقة واهداف السعودية ورؤيتها ، وهدفها لقيادة المنطقة. 

رد الفعل الحوثي لحد الان يبدو ايجابياً، فقد تجاوب بشكل جيد مع الوساطة العمانية، وكذلك سيفعل على ما يبدو مع الوساطة السعودية، لتمديد الهدنة، والبدء بالتفاوض مع الشركاء اليمنيين، في محاولة لايجاد صيغة حكم مشتركة لحكم اليمن، او رؤية موحدة لشكل اليمن الجديد، يمن ما بعد حرب 8 سنوات

 

ان الخطوة الاولى بدون شك تحسب للسعودية وقيادتها، وهذا يرجع لرؤيتها المستقبلية، واهدافها الاستراتيجية في المنطقة والعالم، فالرؤية التي اعلنها محمد بن سلمان  2030،  لايمكننها التحقق في ظل حرب دامية ، ودائرة ملتهبة في الجوار، الذي تسيطر عليه جماعة مسلحة، وسط انهيار الدولة، سياسياً واقتصاديا، وبسبب الهدف بعيد المدى الذي تود السعودية تحقيقه، كاقتصاد عالمي قوي، ومؤثر، كان عليها تصفقير الازمات، سواء مع ايران او النظام السوري، والدخول بمبادرة حل وسلام في اليمن بين الاطراف اليمنية، بدلاً من "الحرب لدعم الشرعية"

 

الوساطة السعودية 

 

الوساطة السعودية ستكون مربحة للجميع، فهي الوساطة الاهم والاقرب للجميع، وتطبع علاقة السعودية بكل الاطراف اليمنية، وتصيغ واقع سياسي يراعي المصالح اليمنية- السعودية المشتركة بين بلدين جارين 

 فسوف تتكفل السعودية بالدعم الاقتصادي والسياسي، لاعادة الاستقرار اليمني، ولكن هذا يتوقف على " الجميع" اي الاطراف اليمنية، سواء المجلس الرئاسي او جماعة الحوثي، فالى اي حد تبدو الاطراف اليمنية جادة بالذهاب لابعد قدر من اجل انهاء الحرب والصراع، وبدء صفحة جديدة، والتوافق على النقاط المشتركة، وصياغة واقع سياسي يمني جديد؟

 

لحد الان يظهر ان السعودية وحدها في الجادة، والمجتهدة والحريصة على السلام، لانه يحقق اهدافها  ويدعم نموها السريع ، وتطورها المتنامي في مجال الاقتصاد، كمؤثر قوي وفاعل في السياسية العالمية، وليس كتابع لاي من المحاور الغربية او الشرقية، بل كشريك اساسي للصين وروسيا وامريكا، ان السعودية تعد نفسها ان تكون قطباً مستقلاً بذاته ، في العالم الجديد " عالم متعدد الاقطاب"

وهي على استعداد لقيادة الشرق الاوسط وتحويله الى اوروبا جديدة ، بحسب مع طرح "بن سلمان" بشكل واضح وعملي، لذلك دعم الاقتصاد المصري، وتصالح مع قطر، ودعم عملية السلام في اليمن بايقاف عاصفة الحزم.

 

موقع اليمن في اوروبا الجديدة

 

لكن اين هو اليمن، بل اين موقعه في العالم الجديد متعدد الاقطاب، اين يقع اقتصادياً وتنموياً، في خريطة اوروبا الجديدة، من يراقب المشهد السعودي عن قرب ، لايسعه ان يخفي اعجابه بالقفزة التنموية، وحالة النهضة العمرانية، التي تشهدها مدن المملكة سواء الرياض، جدة، مكة، تبوك.، العلا.. ، فهناك احياء ازيلت بالكامل واعيد بناؤها، وحين يقفز مؤشر التنمية، يقفز مؤشر الاقتصاد، وتتنوع مصادرة ما بين السياحة والتصنيع، والتجارة الحرة.

 

وهناك على الطرف الجنوبي للسعودية، يقف اليمن امام فرصة تاريخية، فاليوم فعلياً ، ولاول مرة منذ 10 سنوات تصبح علاقة جميع الاطراف اليمنية بالسعودية جيدة، فالعلاقة الاهم لليمن هي السعودية والعكس، فلا نهضة لليمن الا بنهضة السعودية، وكذلك الامر في السعودية ، امن واقتصاد، وسياسة خارجية مشتركة. 

لذلك حين قررت القيادة السعودية النهوض الاقتصادي والتنموي كان عليها اولاً، انهاء حرب اليمن، ولكن بدون اعطاء ظهرها، بل ذهبت الى صنعاء حيث جماعة الحوثي الخصم المباشر لها، والذي استهدفها، وعاداها، لتنهي الخلاف وتتوسط لبدء الحوار اليمنية، في مساعدة سعودية لاشراك الحوثيين بعملية سياسية شاملة، كطرف وكشريك  من الشركاء السياسين الاساسين في اليمن. 

 

 

الفرصة الاخيرة

 

انها فرصة لبدء الاستقرار السياسي داخل اليمن، وقد تكون الاخيرة،  وايجاد صيغة مشتركة لانهاء الصراع، اما بالتقاسم ، او التنازل، وانهاء الثارات القديمة المتراكمة، والصراع اليمني متعدد الطبقات، بلا شك ليست مهمة سهلة، لكن ان كان الهدف هو المصلحة العامة، والنهضة الاقتصادية والتنموية ، فالامر يستحق، والا سيدخل اليمن في كهف النسيان والاهمال الاقليمي والدولي.

 

لذا يستحق ان نشجع السعودية والاطراف اليمنية ، على بدء التسوية، والذهاب للخيارات الاقتصادية ، ان نشجع الوساطة السعودية ، والمفاوضات اليمنية – اليمنية، فنحن ايضاً لدينا استحقاقات علينا الوفاء بها تجاه بلد، يجب ان ينهض ويشارك بنهضة المنطقة، وطالما جارك الاقرب مستعد للمساعدة، فهي فرصة لايجب اضاعتها، وبدلاً من ان تكون الخطة عامين ونصف لانهاء المرحلة الانتقالية، وتثبيت شكل الدولة وطريقة تقاسم الحكم، فان الحكمة اليمانية تقول انه يمكننا اختصار المسافة وان نوفر على انفسنا الوقت، ونعوض ما فاتنا، لنختصرها ببضعة اشهر.

 

الغرق بتفاصيل البقرة الصفراء

 

اما هذا او الغرق بالتفاصيل، والثارات والصراعات ودوامة الانتقام التي لا ولن تنتهي، فهذا قتل زعيم ذاك ، وذاك قتل زعيم هذا، وهذا انقلب على ذاك وذاك قاد ثورة ضد هذا ، وبعدين " ومتى سنخرج الى طريق" ان امامكم فرصة لن تعوض، والا سينتهي امركم جميعاً ، بلا شك انها الفرصة الاخيرة، السعودية وكل دول الجوار تستعد للعبور للعالم الجديد كقوى مؤثرة في السياسية العالمية، وانتم مازلتم تبحثون بشروط " البقرة الصفراء"

ان الحصار سيرفع، والطرق ستفتح، والموانيء سيعاد تشغليها ، ويعود الوضع كما كان قبل الحرب في 2015 او فعلياً بدأت، والرواتب ستصرف، والعملة ستوحد والبنك المركزي سيوحد  ستورد اليه كل الموارد وتوزع، وهذا لن يفعله السفير السعودي، ولا حتى المعجزات الالهية، بل انتم، انتم الذين تعدون على اصبع اليدين، مصير شعب وامة كاملة  بايديكم ، اما تنتهزوا الفرصة ، وترحبوا بالوساطة الاخوية من الجيران السعودية وعمان، وتتواصلون ببعضكم والان، وتوجهون رسائل ايجابية، وتهنئون الشعب، وتزفون له البشرى، وتلقون في اليمن ، دون وسيط، تخزنون القات وتتقاسمون وتتفقون، وتذهبون الى مكة معتمرين .

فواضح ان السعودية قدمت تسهيلات كثيرة، وهي على استعداد لرفع الحصار الليلة وفتح مطار صنعاء بالكامل لكل الوجهات كبادرة حسن نية، تماماً كما بادرت باطلاق الاسرى الحوثيين، قبل ان تطلق الحكومة اليمنية بقية الاسرى ، فمازلت العرقلة من الاطراف اليمنية التي تتهم بعضها، وتعرقل الخطوات السعودية، التي تبدو مستعجلة وحرفياً تريد ان تنهي وتخلص من حرب اليمن، وتكلفتها المرهقة ليس على الميزانية ، بل على السياسية والاهتمام والامن، والتنمية، فهم متعجلين لان لديهم ما ينشغلون به ، وبشانه ، اهداف واستحقاقات عليها ان تنجز، لكن نحن نخزن القات، وننتظر من الطرف الاخر ان يتصل ويسلم لي مواقعه العسكرية! 

 

 الاطراف اليمنية تتابع نشرات الاخبار .. وتنتظر اخباراً عن السلام! ونسيت انها هي من تصنعه.

 

كلا ، ليس سلاماً مستعجلاً، فالصراع ليس فقط على شكل الدولة والاقاليم، بل على الموارد، وان تم تقاسمها وتوزيعها بالعدل والحاجة والمساواة على كل المحافظات شمالية وجنوبية، فوقتها لاقيمة للصراع، ان كان الحكم فيدرالياً ، او مركزياً ، لايهم  ، المهم ان توزع الثروة بالعدل والحق

بحسب حاجة كل محافظة بحسب عدد السكان، وحاجتها التنموية، لقد اضعنا عقد ونصف من الصراع، والحرب والدمار، وعلينا تعويض الوقت، وانقاذ البلد، ان لنا مكاناً محجوزاً في خارطة المنطقة الجديدة، كبلد قوي ومؤثر، لكنه قوي بتكاتف الجميع، واستفادة الجميع.

وان كان هناك من يرى في الخطوة السعودية تنازلاً، فهذا يؤكد ويضاعف اهميتها، وشجاعتها وبعد نظرها، لان من لديه هدف كبير وبعيد المدى، ورؤية واضحة، ونظرة استراتيجية، ويهيئ نفسه للعب دور اقتصادي عالمي، لاينظر تحت قدميه، ولا يحسبها بهذه الطريقة.