منذ سنة - Thursday 01 September 2022
كانت صلاة الجمعة تنهي طقوسها وانا أستدير نحو أحد الرجلين الذي استقمنا لتأدية الصلاة ولكني لم أراه يقف معنا ومثلنا، أدى الصلاة وهو بجلوسه دون تغير منذ أتيت في أواخر الخطبة، كنتُ أسبقه مقدماً يدي لأصافحه بحرارة وأخبره إين يقطن، وهو يحاول لملمه دموعه التي بخديه و يخبرني أنه نزح من مدينة الحديدة، لكن ثمة شيء غير إعتيادي شل حركتي تماماً وأصابني بالصدمة كأنها إجابة لكل التساؤلات وللدموع التي كانت تغسل وجهه بالصبر, كان الرجل الذي أدى الصلاة جالساً بلا ساق، كانت ساقة اليسرى مفقودة, ساقة اليسرى مبتورة، ليخترق صمتي قائلاً ( بُترت ساقي اليسرى بعدما قابلتُ لغماً أرضياً وأنا متجه نحو المدرسة للتدريس, لقد قتلت الحرب ساقي ودفنتها بيدي ) كنتُ أشعر بتلك الحرقة التي كانت تحرق داخله اثناء دعائنا، كيف بمقدور أحدهم أن يدفن عضواً من جسده ، أستند عليّ الرجل ووقف قبل أن يأتي أبنه بعجازة من الخلف أشعر بالحرب وكانها بترت شيئاً ما بداخلي وليست فقط ساق الرجل ، كنت حينها أبحث عن الرجل الأخر الذي يليه وأجزمُ أنهُ لا يقل عنهُ وجعاً، فلوحت له بيدي لمصافحته، وبغير المتعارف عليه في مجتمعنا أن نتصافح بأيدينا اليمنى، لكنه مدى يده اليسرى لمصافحتي، حسبته أنه يسخر مني وهو يعدل كامل جسده نحوي، وقلبي يصرخ بداخلي يا الله لماذا كل هذا الوجع.
كان الرجل الأخر لا يمتلك يده اليمنى, كان يخبرني ( أعذرني فقدتُ يدي اليمنى بعدما أنهار جدار منزلي فوق يدي بسبب غارة جوية خاطئة في مدينة تعز) كانت الدموع تجرح عيناي وهي تهطل بغزارة وأنا أهرول للعودة لمنزلي وبداخلي شعور بأن كل عضو في جسدي قد بُتر. وكأنني أنا من بُترت ساقة ويده ودفنها بالتراب.
كنت أشعر بكل تلك الأوجاع التي تتنامى بصدور اليمنين شمالاً وجنوب، شعرت بكل اليمنيين البسطاء الذين يعشقون هذا البلد وفقدوا جزء من أجسادهم بسبب الحرب ، شعرت بكل من فقد قريباً وعزيزاً بسبب الحرب ،شعرت بكل المعاناة ااتي لا يمكن لها أن تتوقف إلا بتوقف الحرب ،
فكم نحن بحاجة للسلام وإيقاف الحرب , من أجل كل الذين رحلوا واستشهدوا وفقدوا أجزاء من أجسادهم مثلما فقدها الرجلين .