منذ أسبوع - Wednesday 08 January 2025
AF
في سياق التحولات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط عقب الربيع العربي، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين تمثل أحد اللاعبين الرئيسيين الذين يمكن استغلالهم لتحقيق مصالح استراتيجية، ليس فقط على المستوى المحلي في الدول العربية، بل أيضا على مستوى القوى الكبرى التي تسعى لتحقيق أجندات سياسية خاصة بها.
الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تعدان من أبرز هذه القوى التي قد تجد في تحركات الإخوان المسلمين فرصة ذهبية لتحقيق أهدافهما، خصوصا في ظل التحديات التي تواجهها هذه الجماعة بعد الهزائم السياسية في عدة دول عربية.
في سوريا، على سبيل المثال، شكلت جماعة الإخوان المسلمين جزءا من تحالف المعارضة الذي سعى للإطاحة بنظام بشار الأسد. ومع مرور الوقت، تبين أن هذا التحالف، في سعيه للانتصار على النظام السوري، وقع في فخ الطاعة العمياء للمصالح الأمريكية والإسرائيلية. الصمت المطبق الذي أبدته الجماعة تجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، وصولا إلى القنيطرة ومشارف دمشق، يعكس تلك الحالة من الامتثال، بل إن التصريحات التي صدرت من بعض قيادات الإخوان في سوريا التي تؤكد على عدم معاداة إسرائيل ومد يد السلام معها، تمثل دليلا إضافيًا على هذا الولاء غير المباشر لمشروع إسرائيل الكبرى في المنطقة.
وتعكس هذه السياسة أيضا الاستغلال المكثف من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لعواطف جماعة الإخوان التي تعرضت لثورات مضادة في مصر وليبيا واليمن.
إن الهزائم التي مُنيت بها هذه الجماعة من خلال تلك الثورات المضادة أدت إلى تكوين رغبة في العودة القوية إلى السلطة، مما جعلهم أكثر استعدادًا للقبول بأي دعم خارجي يُمكن أن يعيدهم إلى مواقعهم السابقة. وتستغل أمريكا وإسرائيل هذه الطاقة المفعمة بالانتقام والحقد لتوظيفها في مشروعات تتناسب مع أجنداتهما.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل ما حققته هذه الجماعة من انتصار في سوريا، وهو ما يعيد تساؤلاتنا إلى أن القوى الغربية لم تمانع في استخدامها كأداة لتحقيق مصالحها. فالتصريحات التي تُسمع من قادة الإخوان حول إسرائيل، وكأنها تبدي استعدادا للقبول بالتعاون معها، هي بمثابة رسالة من هذه الجماعة مفادها أن الخطر الأكبر بالنسبة لها ليس هو الاحتلال الإسرائيلي، بل تلك القوى الداخلية التي قد تحرمها من العودة إلى السلطة وكذلك اعداء امريكا
من المؤكد أن هذا التعاون المريب مع إسرائيل ليس عرضيا، بل هو جزء من مخطط كبير تشترك فيه قوى إقليمية ودولية تسعى لتغيير خريطة المنطقة. فالرهانات التي تضعها الولايات المتحدة على جماعة الإخوان المسلمين فب الوقت الحالي ليست مجرد محاولات لدعم جماعة دينية فحسب، بل هي جزء من لعبة طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة العربية لذلك فان الجيش المصري، الذي كان وما زال يشكل الحاجز الأخير في وجه هذا المشروع، ويمثل عقبة أساسية لا بد من تجاوزها بالنسبة للكيان
الرهانات الأمريكية والإسرائيلية على عودة الإخوان إلى السلطة في الدول العربية، لا سيما في مصر، تأتي في إطار استراتيجي طويل الأمد يستهدف تأمين الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة.
وفي ضوء هذه المعطيات، فإن كل خطوة تخطوها جماعة الإخوان في سبيل استعادة قوتها السياسية في المنطقة، تصبح جزءا من اللعبة الكبرى التي تسعى من خلالها القوى الغربية وإسرائيل لإعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحهم.
إن الوضع الحالي في سوريا، بما يتضمنه من تحالفات غير معلنة مع القوى الغربية وإسرائيل، يقدم نموذجا لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال تم تمكين جماعة الإخوان المسلمين مجددًا من السلطة في أماكن أخرى.
علاوة على ذلك فان التصريحات التي تتناغم مع أهداف إسرائيل، والرضا الذي أبدته الجماعة تجاه التوسع الإسرائيلي في الأراضي السورية، يبرهن على أن الإخوان، في بعض مراحل تاريخهم الحديث، لا يتورعون عن تسهيل المخططات الإسرائيلية، بل ربما يتعاونون معها بشكل أو بآخر، خدمةً لأجنداتهم الخاصة.
في ضوء التطورات المتسارعة في المنطقة، تتكشف الصورة أكثر حول المخططات التي تحاك ضد مصر، القوة العربية الأكبر التي ظلّت، رغم التحديات الداخلية والخارجية، صامدة في وجه الهيمنة الغربية والإسرائيلية. وليس خافيا أن هناك مؤامرات متعددة الأوجه يتم نسجها حول هذا البلد الكبير، بهدف تقويض استقراره، وتفكيك قوته العسكرية التي تشكل حجر الزاوية في معادلة الأمن العربي.
وإذا كانت الأحداث في سوريا قد كشفت عن مدى استعداد جماعة الإخوان للتعاون مع القوى الخارجية، فإن ما يحدث في ليبيا قد يكون نقطة الانطلاق الأبرز في المخطط الكبير الرامي إلى زعزعة استقرار مصر والمنطقة بشكل عام.