منذ 5 أشهر - Saturday 25 May 2024
AF
الرماد مازال ملتهباً، وهذا يُنذر باشتعال النار، انه اقسى انقسام تمر به المنطقة منذ عقود، ومعركة مصيرية للجميع، فأمريكا الدولة العظمى لن تتنازل عن مقعدها في الشرق الاوسط، والدول العربية وهي تمشي على حبل التوازن قد تسقط، خاصة ان المحور المناهض لامريكا، بقيادة ايران وحلفائها الصين وروسيا، يشتد عوده، ويقوى نفوذه.
العالم انقسم.. وشرخ الشرق الاوسط يكبر ليبتلع اقذر كيان قام على ارضه، لم يعد للكيان الصهيوني مستقبل مستقر في هذه الخارطة المتغيرة بسرعة، وغير المُتوقعة.
…..
لم يتوقع صُناع القرار في المنطقة، استمرار هذه الحرب ولذلك فشلت كل جهود التهدئة ، لان محاولات الحل لم تكن واقعية، وكانت خارج سياق وقانون ما فرض فعلياً على الارض.
فعلى ارض غزة، تغيرت المعادلة العسكرية تماماً في المنطقة، واصبحت هناك قوى جديدة ترفض ان تُهزم، واستمرار الحرب بتعنت اسرائيلي مقصود، لم يكن خطة فلسطينية، وانفجارها لتتوسع رقعتها بحراً وبراً الى خارج حدود فلسطين المحتلة، لم يكن لصالح امريكا.
.....
فهاهي الحرب تتوسع كل يوم، وتنتقل من حرب عسكرية، الى حرب استخبارات، ومعلومات، وحرب اعلامية، ديبلوماسية وسياسية وقانونية، لتقسم العالم افقياً.
كل المستجدات منذ فجر السابع من اكتوبر 2023 مُذهلة، وان كانت تسير باتجاه حرب مفتوحة، فانها تجرف في طريقها الجذور الامريكية والغربية الدخيلة في المنطقة، والتي ثبتت بقاء كيان الاحتلال لاكثر من ثمانية عقود.
…
المتغيرات تتعلق بسياسة كل دول العالم، حيث ينقسم العالم الان، بين داعم للاحتلال والإبادة الجماعية في فلسطين، وبين مناهض للظلم والاحتلال، ومع حرية فلسطين.
لم تكن "حرية فلسطين " مطروحة بهذا الشكل قبل ثمانية اشهر، وحتى الحديث عن دولة فلسطينية، اصبح ممزوجاً بالحديث عن ماهية هذه الدولة، هل هي دولة حرة مستقلة، لها كيان منفصل، ام نقطة من نقاط سيطرة الاحتلال ، وتأخذ شكلاً رسمياً غير فاعل على الارض!
ماحدث لم يكن هدفه تحرير فلسطين، ولكن ما يحدث يسير في هذا الاتجاه، امريكا تفقد اهم قاعدة عسكرية لها في الشرق الاوسط، في قلب العالم.
فاسرائيل، ليست دولة، بل هي قاعدة امريكية عسكرية، تسيطر بها على هذه المنطقة الحيوية.
وضمور التأثير الامريكي في الشرق الاوسط، يتيح الفرصة لكل القوى المناوئة لتظهر، لتعلن رفض الاحتلال الامريكي للمنطقة ، وليس فقط الكيان الصهيوني المحتل.
.....
بقاء دولة اسرائيل، هو الهدف الامريكي الحالي، فلاول مرة اصبح هذا الكيان مُهدداً فعلياً بالزوال.
ولذلك تسعى لتعميق جذور بقائه بانجاح خارطة التطبيع مع المحيط العربي والاسلامي، وتضغط على اكبر دولة اسلامية في هذا التوقيت الحرج، لانجاح صفقة التطبيع، في حيث تبدو السعودية غير قادرة على مواجهة الضغوط الامريكية.
الوعي العالمي العام، تغير واصبح اكثر وعياً بالقضية الفلسطينية، وجذورها التاريخية، وهذا مآزق حقيقي للدول العربية الاسلامية المطبعة مع الكيان المحتل، والتي تحاول انقاذ الخطة الامريكية ، في الشرق الاوسط.
.....
وفي هذه المنطقة المتخمة بالصراعات والحروب، تلاشت وضعفت الكثير من الدول العربية الكبيرة والمؤثرة، والتي غرقت في ازماتها الداخلية، وهذا في وقت سابق كان عامل ايجابي لبقاء "اسرائيل" واستقرارها، ولكنه اليوم تحول الى عامل اضطراب يهدد استمرارها ، لماذا؟
لان انهيار الدول العربية الكبرى المركزية، وغرقها بازامتها الداخلية، هيأ الساحة لبروز قوى مناهضة جديدة، تعمل ضد توجهات النظام الرسمي العربي، الذي يتحالف جزء كبير منه مع امريكا.
وهنا ظهرت ايران في هذا الفراغ العربي، كداعم رئيس لهذه الحركات المناهضة لامريكا واسرائيل، واستطاعت هذه الدولة الاسلامية، ان تجعل من هذه الحركات عامل مؤثر في الصراع مع اسرائيل، اضافة لدعمها للمقاومة داخل فلسطين.
....
هذا الشرخ الكبير في التوجهات للدول، بين مهرول للتطبيع، ومحاولة التوازن، وابقاء العلاقات القوية مع امريكا، يقابل في الشق الاخر ، برفض كبير من هذه المجموعات المسلحة والمدربة والمجهزة.
والتي يمكنها الانتقال لتهديد الدول العربية المطبعة ، وليس فقط تهديد امريكا واسرائيل ، وهذا ما نلاحظه مؤخراً بين جماعة الحوثي شمال اليمن، وعلاقتها الملتبسة والمتوترة بالسعودية على الحدود الشمالية لليمن.
حيث يقابل الضغط الامريكي على الرياض، بتهديد حوثي للرياض من صنعاء.
فمن يراقب السياسة الحوثية تجاه تحركات الرياض باتجاه امريكا والتطبيع مع اسرائيل، يستنتج غضباً حوثياً من هذا التقارب، يصل لدرجة الرفض والتهديد بالتصعيد، والذي لم يعد حكراً على القيادات الصغرى والوسطية في صنعاء ، بل انتقل للقيادات العليا، وهذا التلويح بالتصعيد يكشف هوة كبيرة بين الطرفين، وقد يشي بأن جسر العلاقات بين الطرفين لم يعد متيناً !
مما يجعل العلاقة بين الطرفين مرتبكة وملتبسة، خاصة بعد خطوات نزع فتيل الحرب بين الطرفين، واعادة العلاقات وبناء جسور الثقة.
فهل يمكن اندلاع حرب جديدة بين الحوثيين حلفاء ايران ، والسعودية، في حال موافقة الرياض على التطبيع مع اسرائيل!
ومالذي سيعكسه ذلك على الملف اليمني، ملف التسوية وانهاء الحرب الداخلية وطريق الحل والسلام، او خارطة الطريق للحل اليمني الذي ترعاه الامم المتحدة!
اضف ان عمليات الحوثيين في البحر الأحمر لم تتوقف، بل توسعت وزادت وتيرتها، وشراستها، ولم يعد يردعها شيء، حتى الان، لتصل لحدود اخترقتها ، ولم يكن مسموحاً بها، ولذلك تنظر لها امريكا كخطر حقيقي مستقبلي.
.....
المتغيرات الاخيرة في المنطقة، تنذر بتفاقم الامور، وانفجار حروب جانبية ارتدادية، للحرب في غزة، بسبب السياسة الامريكية، التي تريد السيطرة تماماً على المنطقة، واعادة عقارب الساعة الى الوراء.
امريكا تريد دولة فلسطينية شكلية، لا قرار حقيقي لها على الارض، وبدون قرار مستقل، لتقوي بها الشكل القانوني لبقاء كيان الاحتلال.
وتريد اعتراف وتطبيع كل الدول وفي مقدمتها اكبر دولة اسلامية - السعودية- لتمنع اي رفض عربي لبقاء ومستقبل اسرائيل.
ومع استمرار عمليات المقاومة داخل غزة، وعمليات حزب الله والحوثيين والحركات العراقية خارجها، فانها ستسعى لانهاء كل حركات المقاومة، التي تناهض التواجد الامريكي والاسرائيلي.
......
في هذا السياق تظهر ايران، كداعم لهذه الحركات، مالياً وعسكرياً ولوجستياً، وبعد تقاربها الاخير مع السعودية واعادة العلاقات، مازالت حريصة على تقوية هذه العلاقة وتطويرها، وسحب السعودية من الفخ الامريكي، لتكون ضمن المحور الشرقي ، ضد امريكا.
يمكن القول ان العلاقة الايرانية الحالية مع الرياض لا ترضي طموح ايران، التي تريد من السعودية اكثر من مجرد اعادة فتح السفارات.
لذلك يبدو ان الدعوة الايرانية الاخيرة لولي العهد السعودي، لزيارة طهران، وفي هذا التوقيت وبالرغم من انشغال طهران بتداعيات حادثة مقتل الرئيس الايراني، تأتي لتأكيد استمرار العلاقة مع الرياض وتطويرها، وتعميقها، لتصل لمرحلة التحالف والشراكة، كتحالف عسكري بحري في الخليج العربي ضد القواعد الامريكية.
فامريكا تريد سحب الرياض "لمحورها" بعيداً عن اي التزامات مع ايران او حتى الصين.
فالبرنامج النووي السعودي كان سيذهب للصين، كما كانت الاخبار تتحدث وقتها من ان عن الصين هي الشريك الرسمي للسعودية في هذا المشروع ، قبل ان تعلن امريكا انه سيكون ضمن الاتفاق الامني الجديد مع السعودية، ففي اي مسار ستتجه السعودية، في توقيت لامكان في فيه للحياد الايجابي ، ولصديق الجميع.
....
كل الملفات ملتبهة، وتوقف حرب غزة لم يتم الاتفاق عليه من قبل القوى الغربية، لانها ببساطة ترى ان الخطر الفلسطيني مازال قائماً.
وهذا يفتح الباب لكل الاحتمالات.
سلام