منذ سنة - Wednesday 08 November 2023
AF
أحد أقوى حجج الصهاينة العرب حاليا هي (إن حماس ليست مقاومة بل إسلام سياسي ، وبالتالي واجب ننصر إسرائيل على سكان غزة عشان نبقى قضينا على الإسلام السياسي وأفكار داعش)..!
سامح عسكر- باحث ومفكر مصري
هنلاقي إن هذه الحجة يرفعها زملاء في التيار الليبرالي والعلماني العربي بشكل مستمر، رغم إن مهد العلمانية والليبرالية في الغرب يتناول الموضوع بشكل مختلف تماما، ويقول إن القضية هي قضية (احتلال وقتل أبرياء وتهجير وتشريد) مالهاش علاقة أبدا بالإسلام السياسي، ومفيش رابط بين أزمة فلسطين وأي أيدلوجيا حكم وسيطرة من اللي بتشغل العالم في أوقات السلم..ويعقدوا عليها آلاف الكتب والساعات للتنظير..
وهو أن الشعوب في أوقات تحررها وثوراتها ضد الاحتلال الأجنبي تتميز (بالانفتاح والعقل وتقديس الحريات وقبول المختلف في الدين والعرق واللون) لأن شعور الإنسان بالخطر يخفي معه أي شعور بالتميز والدونية على أساس الانتماء، ويقضي على التعصب للقناعات النظرية لأنه بجوار خطر الاحتلال قضية هامشة..
خد عندك مثلا:
تحرر شعب إيران من سلطة الغرب وعميلهم الشاة استمر 30 عام من بعد الحرب العالمية الثانية حتى سنة 1979 والتاريخ يقول أن الفكر الإيراني التنويري لم يشهد زخما وقوة وسعة أكثر من الذي حدث في هذه ال 30 عام قبل سيطرة الإسلاميين لأسباب يطول ذكرها..وقد شهد الإيرانيون خلال هذه الحقبة أشياء رائعة كالتعايش بين السنة والشيعة وبين العرب والفرس والانفتاح على معظم ثقافات العالم
لم يشهد الشعب الفرنسي حركة فكرية وتنويرية وفلسفية وعلمية أكثر من الحقبة التي عاشها في أجواء الثورة الفرنسية العظيمة سنة 1789 فما قبل هذه الثورة وأثناءها شئ وما بعدها فرنسا اختلفت تماما، وتغير التاريخ الفرنسي بشكل إيجابي جعل من فرنسا قطب دولي ..
لم يشهد الشعب الجزائري حركة فكرية وتنويرية وفلسفية وعلمية أكثر من حقبة التحرير التي اندلعت منذ الخمسينات، باشتعال الثورة الجزائرية المسلحة ضد المحتل الفرنسي، وقتها كان مثقفين وفلاسفة الجزائر في أوج قوتهم ونشاطهم، حتى رجال دينهم كانوا يتميزون بلمحات اعتدال..
كذلك فالحركة التنويرية المصرية هنلاحظ إنها نهضت وانتعشت في أجواء مقاومة المحتل الإنجليزي في النصف الأول للقرن العشرين، وسنلاحظ أن عظماء مصر في الثقافة والأدب والفلسفة ظهروا وولدوا ونشطوا خلال هذه الحقبة كنجيب محفوظ وطه حسين والعقاد ولطفي السيد..وغيرهم..وبملاحظة بسيطة هنلاقي نفس الشئ حدث في فلسطين حيث انتعشت حركة فلسطين الفكرية والتنويرية منذ اندلاع أول مقاومة مسلحة وشعبية اللي ظهر من خلالها إدوارد سعيد ومحمود درويش وليلى الأطرش ..وغيرهم
هي شعاع عابر للحواجز والبحار ينتقل آليا للبشر بمجرد الملاحظة، ودا لأن مقاومة الاحتلال غريزة عند كل الثدييات والطيور مش بس الإنسان، فالعديد من الحيوانات ينتفضون لمجرد دخول حيوان من نفس الفصيلة لمكانهم دون إذن ورغبة منهم..ولذلك اكتسبت فكرة مقاومة الاحتلال (بعد تنويري) متعلق بحق الملكية اللي يعتبر أحد أقدس الحقوق البشرية في التاريخ..
هتلاقي إن حركة حماس رغم إن عناصرها إسلام سياسي لكن لما اشتغلت مقاومة احتلال صهيوني معملتش دولة إسلامية في غزة، وعاش المسلم جنب المسيحي عادي بدون جزية وعقد ذمة، لكن لما اشتغلت حماس (مقاومة شيعة) في سوريا راحت عملت إرهاب وتعاونت مع جماعات الوهابية لتكوين دولة شريعة هي نفسها معملتهاش في غزة..
السر إن مقاومة الاحتلال زي ما قولنا هي فكرة تتجاوز الدين والعرق والقبيلة وبتدافع عن حق الملكية فحسب، إنما مقاومة الشيعة هي فكرة طائفية عدوانية بتخليك تعتدي على أي مختلف في الرأي وليس فقط الشيعة..
هتلاقي إن أحد أبرز علامات الوهابية قتالها على أساس الدين والأيدلوجي، مش مقاومة احتلال ودفاع عن الملكية، هتلاقيهم بيقاتلوا الشيعي والمسيحي والصوفي، ويكفروا العلماني والليبرالي واليساري، ويحرضوا على الفنانين والمثقفين، لكن عند الصهيوني (مش دلوقتي) بل ممكن نتعاون مع اليهودي عادي وفقا لبعض روايات وملاحم آخر الزمان..
خد بالك إن الحركة الوهابية والتطرف الديني لم يغزوا المجتمع العربي سوى بعد اتفاقيات السلام مع إسرائيل، والسبب إن قبل الاتفاقية كانت روح المقاومة والتنوير المصاحب لها هو الطاغي..ويفرز بنفسه عناصر وأفكار ونظريات تقتل الوهابية في مهدها، ولا تعترف بالأفكار الدينية المتعصبة، وهنلاقي قبل اتفاقية السلام شوكة التكفيريين ضعيفة لدرجة إنه برغم دعم الرئيس السادات ماليا وسياسيا لبعض زعماءهم بغرض مكافحة الشيوعيين لكن مقدروش يسيطروا على الوسط الفني والثقافي ولا يوجهوا الشعب بعيد عن السينما..
مصر لما كانت مقاومة لإسرائيل منذ الخمسينات كان التنوير والعقل مش مجرد رأي ، بل ثقافة عامة في الكتب والصحف والسينما والمسرح والأدب، حتى رجال الدين في هذه الحقبة كانوا متطورين عقليا بشكل كبير، والانحدار الفعلي بدأ منذ الثمانينات مع اختراق السلفية العقل المصري في جوانب كثيرة (كالدراما والأدب والمساجد) لكن بقي المسرح عصيّ على الانحدار وكذلك السينما يكافحون ظواهر التطرف بأشكاله المختلفة، وهنلاقي إن رموز المسرح والسينما وقتها كانوا خصوم حقيقيين للتطرف الديني بل ويسخروا منه..
اللي عايز اقوله لحضرتك: إن مقاومة الاحتلال تنوير في حد ذاته، ورفع سهم الحريات وتوسيع لفكرة الحقوق الطبيعية للفرد..والعكس صحيح، أن من يطالب بالخنوع للمحتل بدعوى بطشه وقوته بيرسخ لفكر متطرف مش لاقي مساحة يعبر عن نفسه ضد المحتل فبيطلع طاقة الرفض والازدراء لأخوته وأقرباءه..
وكلنا شوفنا نموذج الجماعات الجهادية كداعش والقاعدة والتكفير والهجرة اللي عملت بنفس المبدأ، وهو (قتال العدو القريب أولى من البعيد) دا لأن مقاومة المحتل من فرط شيوع الانبطاح والخنوع كثقافة أصبح خيار انتحاري غير مضمون العواقب، لكن قتال الأخ والصديق والقريب عواقبه مش بنفس الخطورة، ويمكن من خلاله تكوين حواضن شعبية وإطلاق جرعات الكراهية – اللي أصلا ضد المحتل – في الجيوش الوطنية وتصويرها كعملية للاحتلال..
لا مناص من نشر فكر المقاومة كحل عملي للتنوير..كلنا شوفنا إن قضية فلسطين رفعت الحواجز وكسبت مئات الملايين من مختلف الانتماءات (مسلم ومسيحي ويهودي، سني وشيعي، سلفي وصوفي ، إسلامي وعلماني، مؤمن وملحد، عرب وفرس وترك...إلخ) ورفع الحواجز هذا لأدنى بصيرة معبر عن قبول المختلف وزيادة مساحة العُذر وتقديم حُسن الظن على سوءه، ولو مفيش مكاسب لحرب #غزة حاليا سوى هذه الوحدة لكفت..
AF