21 أيلول..مشروعية الثورة وسرابيّة الأهداف..! بقلم خليل سفيان- أكاديمي وكاتب صحفي

  • منذ سنة - Wednesday 27 September 2023

21 أيلول..مشروعية الثورة وسرابيّة الأهداف..!  بقلم خليل سفيان- أكاديمي وكاتب صحفي

AF

 

كل ثورة لا يكون الإنسان هدفها المحوري وبعدها الفلسفي؛ فهي فاشلة وزائفة وإن اكتملت أركانها وترسخت أوتادها..
ولطالما كانت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر اليمنية، حلم غالبية المسحوقين والمغبونين من أبناء البلد؛ في أن ترفع عن كواهلهم أعباء الظلم والغبن اللذين استبدا بالشعب، وتضع حدًا لحالة الفساد الذي أخذ منسوبه بالارتفاع، حتى اتخذ طابعًا منهجيًا في كافة مؤسسات الدولة ودوائرها الحكومية، وبات بشكل "متلازمة مرضيّة" تصيب النخب السياسية بصورة لا يمكن التداوي منها، ولا يُرجى الشفاء لها.. 
ليأتي فجر الحادي والعشرين من أيلول 2014م ، مبشرًا بولادة "يمن جديد" عنوانه الحرية والديمقراطية، وحاملاً معه آمالاً عريضة لليمنيين الطامحين بالكرامة المعيشية والعدالة الاجتماعية، منذ أن خرجوا ينشدونها مطلع العام 2011م..
ومن ذلك التاريخ ظلت البلد تعيش حالة مخاضٍ عسيرة، في ظل عدم قدرة صناع القرار على تبني مشروع نهضوي حقيقي يرتقي باليمن وشعبه إلى حالة الازدهار والتقدم التي يراها كل مواطن حر في ربوع الوطن حقًا مشروعًا لكل فئات الشعب، وقد آن الأوان لحصولهم على هذا الحق المسلوب مهما كان الثمن، وهكذا تفجرت انتفاضة 2014 ؛ لتعيد الاعتبار لثورة فبراير 2011م وتصحح مسارها الذي أخذ بالانحراف شيئًا فشيئا..
ولسمو أهداف هذه الانتفاضة وعدالة قضيتها وصوابية مشروعها وحاجة الشعب الملحة إليها؛ فقد كُتب لها النجاح منذ يومها الأول، وانتعشت بنجاحها أحلام اليمنيين الحالمين بوطن مزدهر، ينعمون في رحابه بالأمن والسكينة والعيش الكريم وتكافؤ الفرص، انطلاقًا من مبدأ "العدالة الاجتماعية"..
وهذا ما سيجعل مسألة (الحفاظ على الثورة) أهم من الثورة نفسها ، كما أوصى السيد الخميني في خطابه الأول، عقب نجاح الثورة الإيرانية عام 79م ؛ ذلك أن المعيار الأساسي والجوهري لنجاح أي ثورة، يتوقف على مدى تحقيقها للأهداف التي قامت لأجلها.. هذه مسألة مفروغ منها وبديهية لا تقبل الأخذ والرد حولها! وليت القائمين على شؤون البلد فيما بعد 2014م، وعَوا هذه النصيحة واستوعبوا مدلولاتها.. 
فالوضع لم يدم طويلاً حتى أخذت تلك الأهداف بالتلاشي، وتبخّر كل ما حفلت به الثورة من آمال وطموحات، ليجد الشعب نفسه لاحقًا يعيش وضعًا لا يختلف عما كان عليه الحال قبل 2011م، إن لم يكن اسوأ من ذلك! 
لا أدري أي لعنة حلت على الثورات اليمنية؛ ليعود الشعب منها كل مرة بخفي حنين! وقد أخذت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الكِفل الأكبر من هذة اللعنة؛ كونها جاءت بعد سنوات من انتظار المستقبل المنشود، وتعلقت على عتباتها آخر آمال الشعب في التغيير الفعلي والحقيقي لواقع الحياة، لكن ذلك كله ذهب أدراج الرياح وبقيت الأهداف النبيلة والمبادئ السامية التي تمثّل بها الثوار، واتخذوا منها شعاراً لثورتهم مجرد "حبر على ورق"، وتحولت إلى "سراب" مع وصولهم إلى أروقة الحكم وعتبات المناصب..
ودار الزمن دورته ليعود بالوطن إلى مربعه السابق، آتياً بأبطالٍ جدد يديرون لعبة السياسة بطرقهم الخاصة، غير آبهين لمن حولهم وما حولهم، فيما بقيت حالات الظلم والقمع والفساد والاضطهاد (التي قامت الثورة للقضاء عليها) كما هي ولم تراوح مكانها، بل تبدّل أزلامها وتغيرت صورها وتجددت أساليبها، لتطغى على السطح بشكل لا يمكن إخفاؤه ولا يُجدي التغاضي عنه! 
ثمة مقولة للدكتور علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي، مؤدّاها أن: "النُّخب السياسية في بعض الشعوب العربية تتغنّى بمنهج الإمام علي، وتسير على نهج معاوية.. يمقتون بني أمية على ظلمهم وفسادهم، ويديرون الحكم بصورة لا تختلف كثيرًا عنهم". ولست أجد توصيفًا لحال ثورة أيلول ورموزها، أكثر صدقًا وعمقًا من هذه العبارة، والواقع يشرح نفسه.. 
من المؤسف أن هناك من لا يقر بالإخفاق الحاصل في نظام الثورة وحكومة إنقاذه، متخذًا من "العدوان" مبررًا لوجود هذا التعسف والفساد وذريعةً لاستمراره، رغم أن حالات الظلم والفساد والقمع لا علاقة لها بوجود العدوان من عدمه بل بما كسبت أيدي الساسة، على أن وضعًا كهذا يُفترض أن يجعل صناع القرار أكثر صرامةً في التعامل مع هذه الإشكاليات للحد من تداعياتها التي ستكون كارثيةً بلا شك في مثل هذه الظروف، وهذا ما ركز عليه الرئيس الشهيد صالح الصماد، في إحدى محاضراته الموجهة لمسؤولي الدولة؛ لعلمه المسبق بنتائجها الوخيمة في هذه المرحله.. وهو ما يفسر ارتفاع منسوب الفساد بشكل جلي إبان الأعوام التي تلت فترة حكمه القصيرة، فلعل رحيله المؤسف قد ترك لهم الحبل على الغارب، حتى أوصلوا الأمور إلى ما آلت إليه، والأيام القادمة لا تبشر بخير..!